بالفيديو.. "غــرداية".. تعرف على عاصمة الأصالة الجزائرية
تعرف على مدينة غرداية التي تبعد عن العاصمة الجزائر 600 كم، وتتربع على مساحة تقدر بـ86105 كلم2.
مدينة وسط شمال الصحراء الجزائرية، وتُنطق "تايردايت" أو "تاغردايت"، إنها مدينة غرداية التي تبعد عن العاصمة الجزائر 600 كم، وتتربع على مساحة تقدر بـ86105 كلم2، كما ترتفع عن مستوى سطح البحر 486 مترا.
أما مناخها فصحراوي جاف، كما صُنفت عام 1982 كمعلم تاريخي ومكسب للحضارة الإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، نظرا للهندسة المعمارية الفريدة من نوعها في كل ربوع الجزائر.
يعود أصل تسميتها "غَرْداية" إلى "غار داية"، وهي امرأة اسمها "داية"، كانت تسكن في غار كان محطة للرحالة، أما معنى "تاغردايت" الكلمة الأمازيغية فتعني الأرض التي يحيط بها الماء، في حين تعني كلمة "غارداية" الغار أو الكهف الذي كانت تتعبد فيه المرأة "داية".
تشكل غَرْداية نموذجا رائعا على الصحراء الجزائرية، حيث تحولت من صحراء قاحلة إلى واحة من أكبر واحات الجزائر، كما تشتهر غَرْداية بوجود حيوانات نادرة، كالظبي، الغزال، والفنك.
يتكلم سكان غَرْداية إلى جانب العربية، اللهجة "الميزابية"، وهي من بين اللهجات المستعملة في الجزائر، كالقبائلية، الشاوية، الترقية، الشنوية، والشلحية، وهي منحدرة من لغة السكان الأصليين للجزائر وهي الأمازيغية البربرية.
من بين العادات المتجذرة في هذه المنطقة إلى يومنا هذا إحياء العُرس الجماعي مرتين في السنة، وهي العادة التي تتميز بها غَرْداية عن بقية المدن الجزائرية، إذ يُرجع سكان المدينة هذه العادة المتوارثة إلى أيام الثورة التحريرية، حيث يقولون إن 16 طالبا من المدينة سافروا إلى تونس لمواصلة الدراسة، وبعد استقلال الجزائر رجعوا إلى مسقط رأسهم، وفكروا في الزواج، لكن إمكانياتهم القليلة جعلتهم يقررون إقامة عرس جماعي، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت العادة متداولة بين سكان المنطقة.
كما كانت الأعراس في البداية تنحصر في العشيرة، لكن مع الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة، توسعت الفكرة لتتعدى حدود العشيرة وصلة القرابة، وهي الفكرة التي يرى سكان المدينة أنها تحمل بعدا اجتماعيا كالتضامن والتعاون بين السكان، وتحفيز الشباب على إتمام نصف دينهم، إضافة إلى البعد الاقتصادي التي يحملها العرس الجماعي من نفقات محدودة.
قصور غَرْداية
عرفت غَرْداية منذ العصر الحجري عديد الحضارات التي تشهد عليها الصناعات الحجرية، النقوش الصخرية، والمعالم الجنائزية، وخلال الفترة الإسلامية عرفت تجمعات سكنية على شكل قصور عتيقة تبدو موحدة في شكلها ومتجانسة في ألونها، ما جعل هذه المدينة تختلف عن بقية المدن الجزائرية، المعروفة بعمرانها وقصورها المتعددة، حملت تسميات عربية وبربرية، من بينها:
قصر (بني يزغن أو أث ييزجن) سنة 1353م، قصر (بَرَّيان) سنة 1690م، قصر (غرداية) سنة 1053م، قصر (القْرارة) سنة 1630م، قصر (متليلي) القرن 14 م، قصر (العطف أو تجنينت) تأسس سنة 1012م، قصر (بنورة أو أث بنور) سنة 1046م، قصر (مليكة أو أث امليشيت) سنة 1355م، القصر القديم بالمنيعة.
كما صنفت منظمة اليونسكو قصور سهل وادي ميزاب الخمسة فقط ضمن التراث العالمي، وهي: غرداية وبنورة والعطف ومليكة وبني يزقن، التي تعود إلى القرن الحادي عشر، نظرا لمحافظها على طابعها العمراني طيلة هذه القرون وعلى نظامها الاجتماعي.
ورغم اختلاف هذه القصور في شكلها الهندسي إلا أنها تتشابه في طابعها العمراني، حيث يكون المسجد في مدخل المدينة وبعدها تأتي المنازل، في حين لا تختلط المحلات مع البيوت السكنية، ولكما اتسعت المدينة انتقل السوق بما يتبعه من محلات إلى خارج المدينة.
أما منازل المدينة، فهي متلاصقة، حيث بُنيت هذه المنازل في القصور بما يسمح للشمس بالدخول إليها، فهي مغلقة نحو الخارج ومفتوحة نحو الداخل، وبها بضعة فضاءات، منها الفضاء المخصص للنساء وهو ما يُعرف بـ "التيزفري"، الذي يعتبر ضروريا في كل بيت.
مساجد غَرْداية
يقول العارفون بهذه المدينة الفريدة، إن مساجدها تأتي كخط الدفاع الأخير لكل مدينة من المدن، أما تكوينها الداخلي فهو في غاية البساطة والإنسيابية، ولا يوجد على جدرانها أي نوع من أنواع الزخارف، وحتى المحراب لا يوجد ما يميزه أكثر من مكان غائر في الحائط، أما المئذنة فترتفع إلى مائة وعشرين درجة، مستشرفة كل حلقات البيوت الدائرة حولها.
قال عنها المهندس المعماري الفرنسي "الكور بيزيه" في كتابه (نحو عمارة عصرية): "عندما تقل في رأسي أفكار البناء، أذهب إلى المسجد في غرداية حيث أجلس في ساحته لتُواتيني الأفكار".
المهندس المعماري الفرنسي لم يكتف بالجلوس في ساحة مسجد بغرداية، بل نقل تصميمه المعماري الداخلي لينفذه في كنيسة "رون شون" في مقاطعة "بيرباتي" الفرنسية.
مجلس (نظام) العزابة
العزابة في اللغة من عزب، عزوبة، أي من لا أهل له ولم يتزوج، وتطلق أيضا على البعد والغياب والخفاء، فهو عازب وأعزب.
أما العزابة اصطلاحا فهي جماعة يتم انتخابها من أهل الورع والصلاح والفقه في الدين والأمانة والصدق، حيث يتولون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقومون بجميع الوظائف داخل مجتمع المدينة.
ومن هنا، أصبحت "حلقة العزابة"، السلطة الروحية لكل قصر من قصور غَرْداية، إذ تتدخل في جميع الامور الاقتصادية والاجتماعية، وتهتم بالمساجد والمصليات والمدارس والمقابر، ويكون المسجد هو مكان اجتماعها، وتمتد سلطة هذا المجلس للمرأة المطلقة والأرملة وللأطفال اليتامى، وهناك مال مرصود دائما لهذه الأغراض.
وفي كل مدينة يلجأ إليها سكان غرداية للعمل أو التجارة يقيمون تجمعهم، وينشؤون صندوق التضامن الذي يعين أي وافد جديد حتى يجد عملا، فلا يقيم في فندق عندما يسافر إلى منطقة أخرى، ولكنه يقيم في بيوت الميزابيين، وتقوم عشيرته الموجودة في المدينة بتدبير أمور عمله وإعاشته.
ولهذا المجلسِ، مجلسٌ موزاي، مكون من النساء، ليهتم بشؤون المرأة في الحياة والموت، وهو ما يؤكد الدور القوي والفعال للمرأة داخل البيت، فهي لا تكتفي بتربية الأطفال ورعاية المنزل فقط، حيث تركن في المسجد لنسج "الأبسطة والسجادات".
مجلس العزابة أصدر قراراً يمنع فيه أيا من سكان المدينة من اصطحاب زوجته وأولاده إلى خارج المدينة، لأن بقاء الزوجة داخل المدينة يجعل الرجل مرتبطا بشكل دائم بوطنه الذي يحن إليه ويعود له كلما أتيحت له الفرصة، وليوظف أمواله في العقار والزراعة، أما إذا اصطحب زوجته فسوف تروق له الحياة ويقل شوقه للعودة.
شاعر الثورة الجزائرية
أنجبت مدينة غَرْداية أحد أعمدة الثقافة الجزائرية، شاعر الثورة التحريرية، مفدي زكريا، بمدينة "بني يزقن"، وهو صاحب إلياذة الجزائر، وكاتب النشيد الوطني الجزائري (قسما)، الذي ولد سنة 1908وتوفي عام 1977.