كورونا والجراد وأسعار النفط.. مصائب الجزائريين لا تأتي فرادى
الجزائريون يقابلون أخبار انتشار الفيروس في بلادهم بمنشورات وصور ساخرة، بينها شخص ربط نصف حبة من البصل على أنفه
قالها أبوالطيب المتنبي قبل أكثر من 1000 عام "مصائب شتى جُمّعَت في مصيبة.. ولم يَكفِها حتى قَفَتْها مصائب"، ثم عاد وليام شكسبير ليؤكدها قبل نحو 500 عام، بقوله إن "المصائب لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش".
- الجزائر تترقب أول خطاب لـ"تبون" منذ تفشي كورونا وانهيار أسعار النفط
- الجزائر تسجل خامس وفاة بفيروس كورونا
قد ينطبق ذلك إلى حد كبير مع حال الجزائريين هذه الأيام، بعد أن تدافعت عليهم سلسلة من الأحداث السيئة المتتالية في ظرف زمني قصير، بشكل جعلها "سرايا كالجيش"، كما قال شكسبير.
ويعيش الجزائريون في الأسابيع الأخيرة على وقع أخبار سيئة، بدأت مع انتشار فيروس كورونا، ثم انهيار أسعار النفط، وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي لبلادهم، وآخرها زحف الجراد نحو الجنوب الجزائري.
وقابل الجزائريون ما يحدث لهم من مصائب متتالية بالسخرية، اختصرها البعض بالقول: "كورونا من أمامنا والجراد من ورائنا وبرميل النفط يُغرقنا"، مجمعين على أن 2020 قد تكون "واحدة من أسوأ سنوات تاريخهم".
الجراد القادم من الجنوب
ولعل أحدث الأزمات التي تواجهها الجزائر، ما تم تداوله، الثلاثاء، من صور عبر منصات التواصل الاجتماعي، لغزو الجراد جنوب الجزائر، خصوصا في محافظة ورقلة الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد قادماً من النيجر.
هذه الصور جعلت الجزائريين يتذكرون كلمة يطلقونها في أحاديث السخرية عند حديثهم عن "شؤم سابق" بأن يقولوا "عام الجراد"، في إشارة إلى غزو الجراد الجزائر بداية التسعينيات، وهي العشرية التي شهدت أخطر مرحلة سياسية وأمنية واقتصادية عرفتها الجزائر في تاريخها الحديث.
ورغم الظروف السيئة، فإن الجزائريين حافظوا كعادتهم على أحاديث وتعليقات ساخرة على كل حدث سيئ يمر عليهم.
وعلق أحد النشطاء على بداية زحف الجراد قائلاً: "الجراد انتظر إدخال جراد العصابة الذي أكل أموال الشعب إلى السجون ليزحف نحو الجزائر ويكمل ما تبقى".
بينما قال آخر: "الجراد يزحف نحو الجزائر فرحاً بعد أن منعه جراد العصابة لسنوات من أكل شيء في البلاد"، وآخرون قالوا: "إننا ما زلنا تحت الاختبار، فبعد عصابة الجراد جاء الجراد شخصياً".
ويوجد في الجزائر صندوق أفريقي جهوي "لتسيير خطر الجراد"، تأسس في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ويضم 10 دول من غرب أفريقيا، وهي: تونس، وليبيا، والمغرب، وموريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، والسنغال، فضلاً عن الجزائر، ورصد له مبلغ 6 ملايين دولار لمكافحة الجراد في المنطقة.
كورونا القادم من الشمال
في 26 فبراير/شباط الماضي، أعلنت الجزائر تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا الجديد "كوفيد – 19" في البلاد، قبل أن يرتفع العدد إلى 60 مصاباً، الإثنين، و5 وفيات، الثلاثاء، وعشرات الحالات غير المؤكدة.
وقال وزير الصحة الجزائري عبدالرحمن بن بوزيد، في تصريح للتلفزيون الرسمي، إن الأمر يتعلق بمواطن إيطالي دخل الجزائر يوم 17 فبراير/شباط.
وتوالت بيانات "الصحة" الجزائرية، لتؤكد أن جميع الحالات المسجلة لجزائريين مغتربين في أوروبا، أو قاموا بزيارات سياحية أو زيارات عمل إليها، ونقلوا العدوى إلى كل من التقوا بهم بعد عودتهم إلى الجزائر.
ويقول الأخصائيون إن الجزائريين تعاملوا مع بداية انتشار الفيروس بـ"كثير من الاستهتار والاستهزاء وحتى التشكيك"، في وقت بدأ فيه الفيروس بالانتقال من محافظة إلى أخرى.
وقابل الجزائريون أخبار انتشار الفيروس في بلادهم بمنشورات وصور ساخرة، بينها شخص ربط نصف حبة من البصل على أنفه، معتقداً أنها ستحميه من فيروس كورونا، وأخرى لحلاق وضع على رأسه دلواً وهو يحلق لأحد الزبائن.
وعلق بعض رواد مواقع التواصل على ذلك بالقول إن "كورونا سيندم على دخوله الجزائر"، وآخرون ذهبوا إلى حد اتهام السلطات الجزائرية بما سموه "تهويل الأمر لوقف الحراك الشعبي"، وبعضهم "رجح أن تكون السلطة أدخلت الفيروس إلى البلاد لإنهاء الحراك"، ما أثار موجة من السخرية.
وانتقلت سخرية الجزائريين من الوباء إلى الرقم الهاتفي الذي خصصته وزارة الصحة للاستفسار والتوعية بانتشار فيروس كورونا.
ومع إقرار الحكومة الجزائرية قرارات عاجلة للحد من انتشار الفيروس في البلاد، بدأت تعليقات ومواقف الجزائريين تأخذ نوعاً من الجدية، ووصلت إلى "الخوف الهستيري" عند كثير منهم، خصوصا بعد أن لجأوا إلى الإقبال الكثيف على المحلات والصيدليات، وسط تحذيرات من الإعلام المحلي من خطورة ذلك.
وتوحدت مختلف وسائل الإعلام المحلية على تحذير الجزائريين من خطورة تكدسهم أمام المحلات في انتشار فيروس كورونا، وخصصت جميع برامجها وصفحاتها لأخبار الوباء وتقديم نصائح للوقاية منه.
النفط.. عندما تتحول النعمة إلى نقمة
مع كشف الرئيس الجزائري المنتخب عبدالمجيد تبون نهاية العام الماضي عن أولويات ولايته الرئاسية، خصوصا ما تعلق منها بالإصلاحات الاقتصادية، استبشر الجزائريون بما سموه "بداية نهاية عهد الفساد وسرقة أموال الشعب".
ومع بدء انهيار أسعار النفط علق الجزائريون: "يا فرحة ما تمت"، ولم يكد "تبون" يشرع في إصلاحاته حتى اصطدمت المخططات الحكومية بأزمة اقتصادية غير متوقعة، كانت تهدف لتجاوز تركة نظام بوتفليقة الثقيلة على الاقتصاد الجزائري.
وانخفضت أسعار النفط، الثلاثاء، لأقل من 30 دولاراً للبرميل، لتفاقم خسائرها بعد أن فقدت عُشر قيمتها، الإثنين.
وأقرت الحكومة الجزائرية "إجراءات طوارئ" لمواجهة تدهور أسعار النفط على اقتصاد البلد الذي يعتمد بنسبة شبه كلية على عائدات المحروقات.
ويقول الجزائريون إن "واقعهم الاجتماعي والمعيشي لا يتأثر إيجاباً مع ارتفاع أسعار النفط، لكنهم أول ضحايا انهيارها".
وأعربوا عن خشيتهم من أن يتضمن قانون الموازنة التكميلية الذي أقره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، قرارات وإجراءات تؤثر سلباً على قدرتهم الشرائية، كالرفع من الضرائب والرسوم وزيادة أسعار المواد الاستهلاكية.