رحلة اقتصاد الجزائر في 2020.. تقشف وتحصينات ومفاجآت
2020 سنة مثقلة بالمتاعب الاقتصادية للجزائر وبقرارات الإنقاذ غير المسبوقة ترصدها "العين الإخبارية" في هذا التقرير.
ورقميا لم تكن 2020 سهلة على اقتصاد الجزائر المتهالك منذ 6 سنوات بفعل أزمة اقتصادية اشتد لهيبها خلال السنة الحالية، بفعل جائحة كورونا وتذبذب أسعار النفط، وتأثيرات قضايا فساد النظام السابق.
ثالوث أجمع الخبراء الاقتصاديون على وصفه بـ"المفلس" لاقتصاد هش تعرض لـ3 صدمات في الأعوام الأخيرة، بينها صدمتا كورونا وأسعار النفط، التي كبدت الجزائر خسائر قدرتها بنحو 10 مليارات دولار.
- كورونا يقود الجزائر لـ"سنوات التقشف".. موازنة "صارمة"
- الجزائر تفقد نصف مخزونها من النفط.. ووزير الطاقة "متفائل"
ومنذ 2014، لجأت الجزائر إلى رفع وتيرة التقشف في موازناتها السنوية، إلى أن وصلت إلى الموازنة الأكثر تقشفاً في تاريخها خلال السنة التي تقارب على نهايتها، وباعتراف مسؤوليها، فقد مرت البلاد بـ"أسوأ وأشد أزمة اقتصادية" منذ استقلالها قبل 58 عاماً.
وسارعت الجزائر منذ الأشهر الأولى لسنة 2020 لاتخاذ إجراءات استعجالية لإنقاذ اقتصادها من الانهيار، عبر حزمة من القرارات الهادفة لتحصينه، خصوصاً من تآكل احتياطات الصرف، والبحث عن ملاذات اقتصادية لصادراتها تعوض بها جزءا من خسائرها الناجمة عن تداعيات كورونا وتراجع أسعار النفط، وتبخر ملايين الدولارات في قضايا فساد من عهد النظام السابق.
ولعل النقطة المضيئة الأبرز في اقتصاد الجزائر لعام 2020، كانت تجاوز الخلافات الغازية مع إسبانيا وإيطاليا بعد أن اتفقت مع البلدين الأوروبيين على إعادة ضخ الغاز الجزائري بعد سنوات من المفاوضات والخلافات.
كورونا والنفط.. تحالف الأزمة
لم يُكتب للرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون أن يباشر إصلاحاته الاقتصادية التي كشف عنها في برنامجه الانتخابي، بعد أن ورث اقتصاداً هشاً مهدداً بالإفلاس، وكانت جائحة كورونا أسرع من تلك الخطوات الإصلاحية.
فقد اصطدم الوافد الجديد على قصر "المرادية" الجمهوري بجائحة شلت اقتصاد البلاد، أجبرت الرئيس وحكومته على اتخاذ جملة من القرارات لاحتواء فيروس كورونا ومنع تفشيه، أثرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي.
كان من بينها إغلاق كافة الحدود البرية والجوية والبحرية، وفرض حجر جزئي وشامل على عدد كبير من محافظات البلاد عقب تفشي فيروس كورونا، وهو ما أثر على النشاط التجاري والاقتصادي للشركات الحكومية والخاصة وكذا للتجار.
أدى ذلك إلى تزايد في تراجع القدرة الشرائية للجزائريين، التي تراجعت أصلا بنحو 50 % في السنوات الـ5 الأخيرة، فيما سارعت الحكومة الجزائرية لمنح تعويضات مالية للمتضررين من الجائحة.
كما فرضت جائحة كورونا على الحكومة الجزائرية اتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية بهدف التصدي لتداعيات كورونا، كان من أبرزها خفض الإنفاق العام بنسبة 30% وتأجيل المشروعات الحكومية لمواكبة الضغوط الاقتصادية، وخفض نفقات شركة سوناطراك الحكومية للطاقة الخاصة بالاستثمار من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات.
بالإضافة إلى إلغاء إبرام عقود الدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية في مختلف المشاريع والتي تكلف الجزائر سنوياً 7 مليارات دولار، وتجميد المشاريع الكبرى.
حماية القدرة الشرائية والشركات
ورغم التداعيات السلبية لجائحة كورونا وتراجع أسعار النفط التي كبدت الجزائر خسائر بنحو 10 مليارات دولار، فإن الحكومة الجزائرية اتخذت حزمة من الإجراءات التي عدها الخبراء بـ"الجريئة"، هدفت لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، ولإنقاذ الشركات من الإفلاس.
إذ تقرر إلغاء الضريبة على المداخيل التي تقل أو تساوي 30 ألف دينار ابتداء من مطلع يونيو/حزيران المقبل، ورفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بزيادة ألفي دينار جزائري (15.64 دولار أمريكي) ليصبح 20 ألف دينار جزائري (220 دولارا أمريكيا) ابتداء من مطلع يونيو، وكذا إلغاء نظام التصريح المراقب على المهن الحرة.
كما رفعت معاشات المتقاعدين بنسبة 7 %، ومنحت تعويضات مالية لعدد من أصحاب المهن الحرة، بالإضافة إلى تجميد دفع ضرائب الشركات بهدف تخفيف آثار إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا على الشركات العامة والخاصة.
7 ملاذات
وعلى مدار أشهر الأزمة الصحية والاقتصادية، عقد مجلس الوزراء عدة اجتماعات لدارسة وبحث الإجراءات التي قد تنقذ اقتصاد البلاد من حافة الانهيار، وسارعت على مراحل لاتخاذ قرارات إنقاذ على المديين المتوسط والبعيد، وصفها الخبراء بـ"الملاذات الآمنة من شبح الإفلاس".
ومن أبرزها، قرار الجزائر التوجه نحو السوق الأفريقية بعد مصادقتها على اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية أوائل 2020، وسطرت هدف رفع صادراتها خارج قطاع المحروقات إلى 5 ملايير دولار.
وكذا تحويل بين 10 إلى 12 مليار دولار من احتياطات الصرف لفائدة تمويل الاستثمار، وإحداث تغييرات على قانون الاستثمارات لجلب رؤوس الأموال الأجنبية في عدة قطاعات، بعضها تقرر فتحه للمرة الأولى أمام الخواص مثل النقل الجوي والبحري.
وإعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة العربية الحرة، ومراجعة الميزان التجاري للجزائر مع عدة دول، للحد من خسائر العجز في الميزان التجاري الذي يقارب الـ30 مليار دولار.
كما باشرت الجزائر إحصاء احتياطاتها من موارد طاقوية ومعدنية أخرى غير مستغلة بغرض الاستثمار فيها، بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، للمرة الأولى في تاريخها، وفتح المجال أمام شراكات كبرى للمستثمرين الأجانب في معظم مناجم البلاد.
وتقرر كذلك استغلال منجم الحديد بمنطقة "غار جبيلات" التابعة لمحافظة تندوف (جنوب غرب) ويعد من أكبر احتياطات العالم من الحديد، وكذا منجم الزنك والرصاص بمنطقة "واد أميزور" في محافظة بجاية (شرق)، ومشروع آخر للفوسفات بولاية تبسة (شرق)، مع الترخيص أيضا للمستثمرين المحليين باستغلال مناجم الذهب بمنطقة "جانت" (أقصى الجنوب).
كما تقرر وقف عمليات استيراد الوقود والمواد المكررة خلال الربع الأول من 2021 لتعزيز الانتاج المحلي وخفض فاتورة الواردات، بشكل قد يوفر نحو 3 مليارات دولار.
وكذا استرجاع احتياطات الذهب المحلية التي باتت أموالاً مجمدة على مستوى الجمارك منذ أكثر من 4 عقود في الموانئ والمطارات، وإدراجها كاحتياطات وطنية محلية.
بالإضافة إلى إعداد خطة لإصلاح النظام المصرفي للبلاد، والتوجه نحو الصيرفة الإسلامية بعد طرح 9 منتجات مالية بهدف جذب رؤوس أموال الجزائريين المودعة خارج البنوك الحكومية، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي والسوق الموازية في النظام المالي.
خسائر كبيرة
كما أجبرت آثار كورونا وأسعار النفطية السلبية الحكومة الجزائرية على إقرار أكثر الموازنات تقشفاً وصرامة بنحو 62 مليار دولار، بتراجع قيمته نحو 2 مليار دولار عن موازنة 2020.
وتوقعت وزارة الطاقة الجزائرية هبوط عائدات بلاده من المحروقات إلى نحو 23.5 مليار دولار مع نهاية العام الحالي، مقابل 34 مليار دولار نهاية 2019، وسط تحذيرات من نفاذ 50% من المخزون المكتشف من الغاز والبترول، في مقابل انخفاض حاد في رقم أعمال صادرات شركة سوناطراك النفطية بنحو 41% .
كما تراجعت قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية في التعاملات البنكية الرسمية، وانخفض إجمالي الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 3.9 %، مع توقعات بأن يرتفع معدل البطالة مع نهاية العام إلى نحو 20 % وهو أعلى معدل تسجله البلاد منذ أكثر من 3 عقود.
كما توقعت الحكومة الجزائرية تراجع احتياطي الصرف مع نهاية العام الحالي إلى نحو 42 مليون دولار، رغم أن موازنة 2021 توقعت عودة ارتفاعها مع نهاية العام المقبل إلى 46.84 مليار دولار.
الغاز.. نقمة أم نعمة
خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين، أنهت الجزائر خلافاتها الغازية مع إسبانيا وإيطاليا بعد سنتين من الخلافات والمفاوضات حول قضية تتعلق بمدة عقد تصدير الغاز الطبيعي عبر "حل وسط" يضمن مصلحة جميع الأطراف.
ووقعت شركة سوناطراك الجزائرية و"ناتيرجي" الإسبانية اتفاقية جديدة لتصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإسبانية لمدة 10 أعوام، قدرت كميتها بـ8 مليارات متر مكعب سنوياً.
واتفاقية أخرى مع شركة "إيني" الإيطالية 3 اتفاقيات لتجديد عقد تصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإيطالية حتى عام 2049، لتوريد 1.5 مليار متر مكعب على مدار 29 عاماً من 3 حقول غازية.
وكذا بين الشركة الجزائرية و"توتال" الفرنسية لتوريد الغاز الجزائري المسال بكمية تقدر بـ2 مليون طن سنوياً، لمدة 3 أعوام.
يأتي ذلك، فيما توقعت وزارة الطاقة الجزائرية تراجع البلاد من الغاز بنحو 4.7% العام الجاري، بفعل تراجع الطلب من أوروبا والمنافسة من إمدادات أمريكية أرخص، في وقت تعتمد الجزائر على صادرات ومبيعات النفط والغاز في تمويل ميزانيتها العامة بنسبة تتجاوز 97% من دخلها.
aXA6IDMuMTUuMjAzLjI0NiA= جزيرة ام اند امز