كورونا يعصف بالدينار الجزائري.. وإجراءات إنقاذ عاجلة
الرئيس الجزائري يقر حزمة إصلاحات بعد تراجع تاريخي للدينار أمام العملات الرئيسية في التعاملات البنكية.
تواصل قيمة الدينار الجزائري تراجعها الحاد أمام العملات الأجنبية الرئيسية في التعاملات البنكية الرسمية، نتيجة الركود الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط وصادرات الغاز.
وسجل الدينار الجزائري، الإثنين، تراجعاً جديداً في التعاملات الرسمية، إذ بلغت قيمته أمام اليورو (151.68 دينار لليورو الواحد)، و(128.43 دينار للدولار الواحد).
- اتفاق التجارة الحرة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي يسقط في "دوامة الشك"
- الجزائر تعيد إحياء اقتصادها بطريقة جديدة.. "مرابحة" و"صكوك"
ويعيش الاقتصاد الجزائري منذ 2014 أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، إذ يعتبر البترول والغاز المورد الأساسي لخزينة الدولة من العملة الصعبة بنسبة تتخطى 97%.
وأقرت الحكومة الجزائرية بأن اقتصاد البلاد يمر هذا العام بـ"أسوأ أزمة في تاريخ البلاد"، وكان الدينار أحد مؤشرات ذلك التراجع الاقتصادي، خصوصاً بعد أن أدرجت الحكومة السابقة تعويماً جديداً للعملة المحلية في قانون الموازنة العام لعام 2020، وأصبح الدولار الأمريكي الواحد يساوي 123 ديناراً، بعد أن كان في حدود 85 دينارا في 2014.
وبرر البنك المركزي الجزائري سياسة تعويم العملة بمحاولة "امتصاص ارتدادات الصدمة النفطية التي ضربت اقتصاد البلاد"، غير أن جائحة كورونا واستمرار تراجع أسعار النفط وصادرات الجزائر من الغاز زاد من حجم الضغوط على الدينار الجزائري، بعد أن سجل تراجعاً تاريخياً جديداً أمام العملات الرئيسية.
ويقول خبراء اقتصاد إن التراجع الأخير للعملة المحلية قلص هامش القدرة الشرائية للجزائريين، التي انخفضت أصلا بنسبة 50% خلال الفترة من 2014 إلى 2019، والتي زادت مع ندرة السيولة المالية في البنوك والمصارف الحكومية لأسباب بقيت مجهولة، رغم القرار الحكومي بفتح تحقيق معمق في أسباب الندرة.
الإصلاح المصرفي
وتحركت الحكومة الجزائرية مؤخراً باتخاذ إجراءات وصفتها بـ"العاجلة" لإنقاذ الدينار من الانهيار، ولجأت إلى خطوات من شأنها "تطويق الخطر المحدق بالعملة" وسط دعوات من خبراء اقتصاد لتغييرها واستبدالها بعملة أخرى قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، وتخرج الدينار المكدس خارج البنوك.
ودعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حكومته للإسراع في إصلاح النظام المصرفي بـ"شكل عاجل" وانتقد طريقة عمل البنوك الحكومية.
وقرر السماح للقطاع الخاص المحلي بتأسيس بنوك وشركات نقل جوي وبحري للسلع والركاب لتقليص النفقات، مشيراً إلى أن ذلك "يعد خطوة في إطار الإصلاحات الاقتصادية الجديدة التي تنفذها الدولة لمواجهة الصعوبات المالية الناجمة عن جائحة كورونا والتراجع الحاد في أسعار النفط وعائداته".
كما تقرر تفعيل الصيرفة الإسلامية للمرة الأولى في البنوك الحكومية، بهدف تفعيل جمع أموال التوفير خارجها وإنشاء مصادر قرض جديدة.
وأمر تبون بتقليص فاتورة الواردات بقيمة 10 مليارات دولار، وتشجيع الإنتاج المحلي والبحث عن أسواق خارجية لتصدير المنتجات الجزائرية، والعمل على استعادة السوق الموازية للعملة الصعبة وإدماجها في التعاملات البنكية الرسمية، وهي السوق التي يقول خبراء إنها تستحوذ على أكثر من 40 مليار دولار.
وطالب باستعادة احتياطات الذهب المحلية من الأموال المجمدة منذ أكثر من 3 عقود على مستوى الجمارك المحجوزة لدى الجمارك في الموانئ والمطارات وإدراجها ضمن الاحتياطات الوطنية.
إصلاحات عميقة
ونشرت "العين الإخبارية" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خارطة الطريق التي ينوي تبون تطبيقها لإنقاذ الاقتصاد الجزائري وعملته المحلية من الانهيار، وهو ما شرع في تنفيذه مؤخراً.
وفي مقابلة سابقة خاصة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تعهد بالعمل على إصلاح هيكلي للمالية العامة ونظام الضرائب "حتى تتمكن الجزائر من بناء اقتصاد تنافسي قادر على ضمان إيرادات جديدة لموازنة الدولة"، وإعادة النظر في آليات وأساليب تسيير الدولة والحد من التبذير والإنفاق غير الضروري.
فضلاً عن "المحاربة الجادة للفساد المستشري في دواليب الدولة والاقتصاد بما يُمكن من تدبير سيولة كافية لبعث الاقتصاد الوطني وتطبيق الالتزامات".
كما تحدث عن إصلاح شامل لمناخ المقاولة والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، و"بناء نموذج اقتصادي جديد قائم على تنويع عناصر النمو واقتصاد الذكاء، يسمح لفك الارتباط بريع المحروقات وتطهير بيئة الأعمال ومحاربة الروتين الإداري وزيادة الانفتاح على الاقتصاد العالمي".
وعن مسألة تغيير العملة المحلية، أبدى الرئيس الجزائري في تصريحه الخاص لـ"العين الإخبارية" كثيراً من التحفظ، واعتبر أن "تغيير الدينار ليس بالأمر الهين كما يتصوره البعض".
وأكد على سعيه "لتعزيز الإنتاج الوطني وإعطاء قيمة للعمل وتعزيز الإنتاج والتصدير خارج المحروقات عن طريق بناء نموذج اقتصادي قائم على الذكاء، وبذلك يكون الإصلاح الحقيقي لقيمة الدينار الجزائري".
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور علاوة خلوط أن تحفظ الرئيس الجزائري على فكرة تغيير العملة المحلية لإنقاذها "مبني فعلا على معطيات اقتصادية صحيحة مع توفر البدائل".
واعتبر أن أي إصلاح اقتصادي "لن يكون مجدياً دون إنشاء نظام مصرفي وبنكي عميق وإعادة تفعيل البورصة بما يشجع الاستثمارات ويستقطب الأموال الهائلة المكدسة خارجها".
وأوضح في حديثه مع "العين الإخبارية" أن عودة فعالية الدينار أمام العملات الرئيسية "لا بد أن يمر بخطوات واضحة، أبرزها فرض التعامل بالشيك وتفعيله، وهنا يجد الجزائريون أنفسهم مجبرين على إيداع أموالهم في البنوك".
مضيفاً أن "ذلك يبقى مرهوناً أيضا بإصلاح البنوك وأن تعطي ضمانات للعملاء"، مشيرا إلى أن "أساس البنية الاقتصادية هو نظام بنكي ومصرفي قوي، وهو ما لا يتوفر في الاقتصاد الجزائري".