الجزائر تشكو فرنسا على جرائم قتل وألغام لأول مرة بالأمم المتحدة
وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تقول إن بعد تلك الخطوة فالعلاقات الجزائرية الفرنسية مقبلة على عهد جديد
في سابقة هي الأولى من نوعها، قدمت الجزائر تقريرا إلى الأمم المتحدة تضمن أعداد ضحايا الألغام التي زرعها الاستعمار الفرنسي التي بلغت نحو 9 ملايين لغم وحصدت أرواح نحو 7300 جزائري منذ استقلال البلاد.
- الجزائر تستدعي سفير فرنسا احتجاجا على حملة إعلامية ضدها
- لودريان بالجزائر للمرة الثانية لكسر الجمود الاقتصادي وبحث أزمة ليبيا
ووفق وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، فقد رفعت الجزائر تقريرا رسميا للأمم المتحدة يدين جرائم الاستعمار الفرنسي، قدمت فيه أرقاما ومعطيات مفصلة عن حجم الخسائر البشرية التي تسببت فيها الألغام المضادة للأفراد التي زرعتها فرنسا في الأراضي الجزائرية عقب اندلاع ثورة التحرير (1954 - 1962).
وكشف التقرير أن العدد الإجمالي للألغام الفرنسية في الجزائر منذ 1956 بلغ نحو 8 ملايين و800 ألف لغم مضاد للأفراد ما تطلب تطهير نحو 62 ألف هكتار من الأراضي الجزائرية، فيما بلغ عدد ضحايا تلك الألغام 7300 شخص.
ووفق التقرير، فقد بلغ عدد ضحايا الألغام الاستعمارية قبل الاستقلال 4830 ضحية مدنية، و2470 ضحية بعد الاستقلال، وتسببت في عجز بنسبة 20% على الأقل لمن نجا منها.
وأكدت الجزائر في تقريرها أنها بذلك مجهودات جبارة لإزالة تلك الألغام، وقدم تفاصيل أخرى عن تجربة تدمير الألغام والنتائج التي حققتها من خلال تطوير كفاءات مدنية وأخرى عسكرية كُلفت البلاد أموال باهظة.
وأبرز التقرير كذلك دور الجزائر في تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية لضحايا الألغام المضادة للأفراد الذين بقوا على قيد الحياة، مشيرا إلى استمرارية الإجراء القانوني الذي يمنح تعويضات لضحايا الألغام الذين لا يزالون على قيد الحياة، الصادر في يناير/كانون الثاني 1974.
وأشار عدد من الباحثين والمؤرخين الجزائريين إلى أن أكثر من مليوني لغم مضاد للأفراد لا تزال موجودة على طول الحدود الشرقية والغربية التي يبلغ طولها 1160 كيلومترا، فيما تم إزالة نحو 80% من إجمالي الألغام التي زرعها الاستعمار الفرنسي.
سابقة تؤشر لعهد جديد
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إن التقرير يؤشر على أن العلاقات الجزائرية الفرنسية مقبلة على عهد جديد.
وللمرة الأولى منذ استقلال الجزائر قبل 58 عاما، تتقدم الجزائر بشكوى ضد الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة كاملة.
وفشل البلدان طوال الفترة الماضية في التوصل إلى حل لما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"الماضي المخجل"، وشبه ما اقترفته بلاده من مجازر وانتهاكات في حق الجزائريين بـ"الهولوكوست".
وتمسكت الجزائر منذ استقلالها بضرورة تقديم باريس اعتذارا رسميا عن احتلالها للجزائر وقتلها أكثر من 8 ملايين جزائري، بينهم مليون ونصف المليون شهيد خلال الثورة التحريرية (1954-1962)، وتقديم تعويضات عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجارب النووية في الصحراء الجزائرية، واسترجاع الأرشيف المنهوب، فيما يصر الجانب الفرنسي على "الاعتراف بدل الاعتذار".
ألغام دبلوماسية
وتزامنت الخطوة الجزائرية المفاجئة، مع استدعاء الخارجية الجزائرية، الأسبوع الماضي، السفير الفرنسي كزافييه دريانكور، وإبلاغه "احتجاج الجزائر الشديد على التصريحات الكاذبة ضدها التي نقتلها إحدى القنوات التلفزيونية بفرنسا".
وطلب بوقادوم من السفير الفرنسي "نقل هذا الاحتجاج إلى أعلى السلطات في بلده"، معربا عن "أسفه لكون هذه القناة تصر على تشويه صورة الجزائر في الوقت الذي يجب أن تنصب كل الجهود على محاربة تفشي جائحة كورونا.
ووفق بيان الخارجية الجزائرية، فتم إبلاغ سفارة الجزائر بباريس لمباشرة إجراءات "رفع دعوى قضائية ضد القناة التلفزيونية والضيف الذي أدلى بتصريحات مسيئة للجزائر".
محاسبة فرنسا
وفي فبراير/شباط الماضي، تعهد الرئيس الجزائري بـ"محاسبة فرنسا على جرائمها في الجزائر"، وهي اللهجة التي عدها مراقبون "الأعلى ضد فرنسا منذ استقلال الجزائر".
وأكد تبون التزامه باسترجاع جماجم الشهداء المتواجدة في متحف باريس، وشدد على أن الجزائر "لم تتنازل عن محاسبة الدولة الفرنسية عن جرائمها خلال فترة احتلالها للجزائر، ولن تسمح أبدا بالإساءة لشهدائنا أو التمثيل بهم".
ورغم تبادل الزيارات بين البلدين واللقاء المقتضب الذي جمع الرئيسين الجزائري والفرنسي على هامش مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فإن المراقبين يرون أن العلاقات بين البلدين تمر "بأسوأ مراحلها وأكثرها تعقيدا".
ويعزو العارفون بحقيقة العلاقات بين الجزائر وباريس ذلك إلى المواقف الفرنسية من الأزمة السياسية التي مرت بها الجزائر عقب استقالة بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019.
وسبق لقائد الجيش الجزائري الراحل الفريق أحمد قايد صالح أن اتهم فرنسا "صراحة" بـ"التدخل في الشؤون الداخلية" لبلاده، وأنها "تقف وراء أجندة تآمرية مع دول أخرى"، كما اتهم رموز النظام السابق بـ"العمالة لمستعمر الأمس" في إشارة واضحة إلى فرنسا.
ويقول الخبراء الاقتصاديون إن فرنسا خسرت الكثير من نفوذها الاقتصادي منذ نهاية 2018، وزاد ذلك بعد قرار الجزائر تعديل قانون المحروقات شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الذي اعتبره الخبراء "ضربة كبيرة للاستثمارات الفرنسية".
تكلفة باهظة
وفي سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت الجزائر تدميرها ترسانة من الألغام التي تركها الاحتلال الفرنسي والجماعات الإرهابية، بحضور رئيس مجلس الدول الأعضاء في اتفاقية أوتاوا، طوماس هاجنوزي.
ووقعت الجزائر على اتفاقية أوتاوا في 3 ديسمبر/كانون الأول 1997، ودخلت حيز التنفيذ في 30 أبريل/نيسان عام 2002.
ولم تحصل الجزائر على خريطة الألغام من فرنسا إلا في سنة 2007، كما باشر الجيش الجزائري منذ استقلال البلاد في فك الألغام التي زرعها الاستعمار الفرنسي على طول الحدود الشرقية مع تونس والغربية مع المغرب، والألغام التي زرعها الإرهابيون في مختلف مناطق البلاد خاصة الجبلية منها خلال فترة "العشرية السوداء".
وتعود بدايات زرع فرنسا الألغام المضادة للأفراد إلى نهاية عام 1956 وبداية 1957، وهو المشروع يعود إلى الجنرال الفرنسي "موريس شال" الذي كان قائدا للمنطقة الشرقية بقسنطينة، وأطلق عليه تسمية "الثعبان العظيم" أو "السد القاتل" الذي كان يهدف لـ"وأد الثورة الجزائرية ومنع تزودها بالأسلحة على الحدود".
وزرع الجيش الفرنسي 11 مليون لغم على طول الحدود مع تونس والمغرب بمساحة تقدر بـ 1146 كلم على طول الحدود الشرقية والغربية للجزائر، وهو الخط الذي سُمي على صاحبه "خط شال وموريس".
وبحسب تقارير عالمية، فإن تكلفة نزع الألغام تتجاوز 20 مرة تكلفة زرعها، إذ تتراوح تكلفة نزع لغم واحد ما بين 800 و1000 دولار، في حين لا تتجاوز تكلفة زرعه 3 دولارات فقط.