"كعكة الغاز".. سباق شرقي غربي نحو الجزائر للفوز بنصيب الأسد
باتت الجزائر قبلة لزيارات مسؤولين شرقيين وغربيين، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فما السبب؟
أحدث تلك الزيارات من المقرر أن تقوم بها اليوم فالنتينا ماتيفينيكو، رئيسة الجمعية الفيدرالية بروسيا، اليوم الخميس، بالجزائر في زيارة عمل بدعوة من رئيس مجلس الأمة الجزائري (الغرفة العليا بالبرلمان) صالح قوجيل.
وستلتقي المسؤولة الروسية عددا من المسؤولين البرلمانيين والحكوميين بالجزائر، خلال زيارتها التي تستمر يومين وتأتي في إطار تعزيز التعاون والتنسيق بين المجلسين (الجمعية الفيدرالية ومجلس الأمة) اللذين تربطهما مذكرة تفاهم تم توقيعها بالجزائر في مايو/أيار 2014.
ويحاول الغرب من خلال تلك الزيارات إقناع الجزائر ببيع الغاز الطبيعي لأوروبا، لتعويض الغاز الروسي الذي أثرت الحرب في أوكرانيا وموقف الغرب من دعم كييف على إمداداته، فيما تؤكد روسيا دوما على علاقاتها القوية مع الجزائر في كافة المجالات.
ومؤخرا أعلنت شركة سوناطراك، عملاق النفط الجزائري، عن خطة هائلة لضخ الغاز الطبيعي في السنوات الخمس المقبلة.
وقال توفيق حكار، الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك الحكومية، إن الشركة تعتزم طرح 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا في السنوات الخمس المقبلة.
وتعد الجزائر المُصدِّر الأول للغاز الطبيعي في أفريقيا، وقبل بدء الحرب في أوكرانيا كانت الجزائر تزوّد أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها مقابل 47% من روسيا.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، عارضت الجزائر الآلية المؤقتة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي لتحديد سقف لأسعار الغاز المُباع بالجملة، ودعت إلى "أسواق طاقة حرة" مع التأكيد على أنها "مورد موثوق وآمن لأوروبا".
وتأتي زيارة المسؤولة الروسية، قبل زيارة مرتقبة من المقرر أن يقوم بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى موسكو في مايو/أيار المقبل.
ويعتمد تسليح الجيش الجزائري بنسبة كبيرة على السلاح الروسي، كما ترتبط الدولتان بعلاقات اقتصادية وسياسية متميزة، ظهرت جلية خلال الأزمة الأوكرانية، حين دعمت الجزائر موقف موسكو سياسيا.
وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة عن تفهم بلاده لـ"الانشغالات الأمنية لروسيا"، كما رفضت الجزائر الاستجابة للضغوط الغربية لزيادة إمدادات الطاقة لتعويض الغاز الروسي، رغم وفرة الإنتاج الجزائري وقربها الجغرافي من أوروبا.
من جانبها، تحرص روسيا على استمرار وتطوير علاقتها بالجزائر، خاصة في ظل ما يشهده جوارها من أزمات في ليبيا ومالي ودول الساحل، حرصا من موسكو على دورها في المنطقة.
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أجرت القوات البحرية الجزائرية والروسية مناورات مشتركة في البحر المتوسط، في كسر للطوق الغربي المفروض على موسكو منذ بدء عمليتها العسكرية بأوكرانيا.
ومنذ 2020، زار الفريق أول السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري روسيا مرتين، كما شارك في أغسطس/آب الماضي عبر تقنية الفيديو كونفرانس في الندوة العاشرة للأمن الدولي التي نظمتها موسكو.
ويشغل الرئيس الجزائري، بموجب الدستور، منصب وزير الدفاع الوطني.
وتربط الجزائر وموسكو علاقات قوية في كافة المجالات، وبلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في 2021 نحو 3 مليارات دولار رغم أزمة جائحة فيروس كورونا، كما تنسق الجزائر مع روسيا في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز، وكذلك في اجتماعات الدول المصدرة للنفط "أوبك+".
وأثار التقارب الجزائري الروسي غضب نواب بالكونغرس الأمريكي، الذين قدم 27 منهم في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طلبا إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، للمطالبة بفرض عقوبات على الجزائر بسبب صفقاتها من الأسلحة مع روسيا.
إلا أن واشنطن ردت على الطلب بالتأكيد على قوة علاقتها بالجزائر، وهو ما جاء خلال لقاء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالسفيرة الأمريكية لدى بلاده إليزابيث مور أوبين.
ورغم تلك العلاقات القوية بين موسكو والجزائر إلا أن الغرب لم يتوقف عن محاولات إقناع الأخيرة ببيع الغاز الطبيعي له.
والشهر الماضي، زارت جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا الجزائر، والتقت الرئيس تبون، ووقع البلدان خلال تلك الزيارة عدة اتفاقيات للتعاون المشترك في عدة مجالات.
ويوم الأحد الماضي، زار جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الجزائر حيث التقى الرئيس تبون وعددا من المسؤولين.
وبحسب بيان للاتحاد الأوروبي فإن تلك الزيارة شكلت "فرصة لإجراء مفاوضات معمّقة لتوطيد وتوسيع الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر والبحث في المجالات ذات الاهتمام المشترك، والتي تشملها اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، بهدف إحياء وتعزيز أكثر للحوار والتعاون".
كما تحرص الولايات المتحدة على إبقاء علاقتها بالجزائر في مستوى جيد، رغم دعم الأخيرة لروسيا سياسيا في الأزمة الأوكرانية.
ومنذ بدء الحرب في أوكرانيا، قام مسؤولون أمريكيون بزيارات متعددة للجزائر، كان آخرها زيارة قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" الجنرال مايكل لانغلي، الشهر الماضي.
وبحث المسؤول العسكري الأمريكي مع الرئيس تبون والفريق أول السعيد شنقريحة رئيس الأركان التعاون العسكري وتطورات الأوضاع إقليميا ودوليا والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
ولم تغب الصين عن المشهد، إذ وقعت مع الجزائر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي "الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل"، بعد يوم واحد من تقديم الحكومة الجزائرية طلبا للانضمام إلى مجموعة "بريكس" السياسية والاقتصادية، التي تضم دولا كبرى وعلى رأسها روسيا والصين.
وتهدف الخطة التي تغطي الفترة من 2022-2026 إلى "مواصلة تكثيف التواصل والتعاون بين الجزائر والصين في جميع المجالات، بما فيها الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة، والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي، إضافة إلى تعزيز المواءمة بين استراتيجيات التنمية للبلدين"، بحسب بيان سابق لوزارة الخارجية الجزائرية.