نكسة تصدير البصل العملاق بوادي سوف.. دموع في عيون جزائرية
"هذا هو بصل وادي سوف، لن تجده في ألمانيا ولا أستراليا"، بهذه العبارات كشف مزارع جزائري عن حبات بصل ضخمة جادت بها أرضه.
حبات أخرجتها "الرمال الخضراء" لصحراء الجزائر التي لم تعد تُخفي في باطنها فقط ثروات معدنية مثل النفط، بل فجّر سطحها الرملي مختلف أنواع المحاصيل الزراعية وحتى بـ"مختلف الأحجام".
- الجزائر تخلع عباءة النفط.. رحلة تفوق الصادرات الصناعية
- الجزائر تلبي نداء "تبون".. انطلاق ثورة الهيدروجين الأخضر
لكن خرجة الفلاح البسيط وبيديه ذلك البصل الضخم الذي قال إن وزن كل حبة منها يصل إلى "2 كيلوجرام" لم تكن لـ"الافتخار بما جادت به أرضه"، بل كانت "صرخة استغاثة" من "مصير التلف" الذي قد يصيب محصوله الوفير كمّاً ونوعاً.
وانتشر عبر مواقع التواصل بالجزائر فيديو لمزارع من ولاية "وادي سوف" الواقعة في أقصى شرق صحراء الجزائر على الحدود مع ليبيا، ليكشف عن حقيقة أخرى أو "النعمة التي تحولت له إلى نقمة".
المزارع اشتكى من عدم وجود أسواق لبيع محصوله الوفير والنادر بحجمه، ومن تجاهل السلطات المحلية لولايته والمسؤولين المشرفين على قطاع الفلاحة بالبلاد لمجهود فلاحي المنطقة، ولم يكن ذلك "الكنز" نعمة عليه بل أدى إلى إفلاسه كما صرح بذلك.
وبنبرة المتحسر على الخسائر التي تكبدها، قال الفلاح في ذلك الفيديو: "هذا هو الفلاح السوفي (سكان وادي سوف) يشقى ويشقى، يزرع ويداوي ويفعل ما يفعل وفي الأخير انظروا إلى هذا المحصول من البصل، لا يوجد مثيل لها، 2 كيلوجرام وزن كل رأس منها".
وتابع غاضباً من النكسة التي حلت عليه: "تذهب إلى ألمانيا أو بلجيكا أو حتى أستراليا فلن تجد هذه السلعة، والله لا توجد في أي مكان".
المزارع صدم المتابعين عبر منصات التواصل عندما تحدث عن "عدم وجود أي هامش ربح من محاصيله الزراعية"، حتى إنه قرر "المجازفة بخسارة ماله على أن يتعرض محصوله للتلف".
خسارة الفلاح لم تكن فقط في عدم وجود هامش الربح، بل في دفع مبالغ من جيبه للبحث عن أسواق لمحصوله بلجوئه إلى كراء شاحنة من نوع "هاربيل"، قال إن "ثمن كرائها وتسعيرة سائقها أكبر من ثمن شاحنة مملوءة بالبصل".
وبعبارات "الاستسلام" قرر المزارع "تسويق محصوله من البصل بالمجان" و"أقسم بذلك" لكل من يتابعه في الفيديو، ودعاهم للتقدم إلى أرضه لحمل ما تيسر لهم من المحصول، حتى إنه "قسّم محصوله من البصل إلى مجموعات لتقديمها بالمجان".
ومع حاله المأساوي وتأكيده على خسائره المستمرة نتيجة ما قال "إنه سوء التسيير والتهميش الذي يتعرض له فلاحوا المنطقة" إلا أن المزارع أبقى على "أمله في أن يرزقه الله وأن ينقذه من جحيم الخسائر".
الرمل الأخضر
ومنذ أكثر من عقدين، استطاعت ولاية وادي سوف الجزائرية أن "تروض" صحرائها وشكلت الاستثناء بين بقية محافظات البلاد حتى الشمالية منها المعروفة بسهوبها وطقسها المناسب للفلاحة.
وتحول وادي سوف في ظرف وجيز إلى "عاصمة لتصدير" المنتجات الفلاحية الجزائرية نحو عدة أسواق عربية وأفريقية وأوروبية، والأكثر من ذلك، باتت تلك الولاية "تضمن الاكتفاء الذاتي" من عدة محاصيل فلاحية كانت الجزائر تستوردها بالعملة الصعبة، وهو ما اصطلح عليه بـ"معجزة أرض وادي سوف" أو "الرمل الأخضر".
ويؤكد سكان مدينة وادي سوف بأنهم عرفوا جيدا كيفية استغلال إصلاحات الدولة للقطاع الفلاحي، إذ أعلنت منذ أزيد من عقد عن نظام توزيع الأراضي الفلاحية بالمجان على قاطني المناطق الصحراوية، واشترطت عليهم رعايتها وزراعتها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج النباتي والحيواني.
تحدي فلاحي الولاية لطبيعة مدينتهم جعلها تتربع على عرش الانتاج الزراعي بالجزائر، إذ تتوفر على 4 ملايين نخلة من أصل 20 مليون موجودة بجميع المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى محصول البطاطا التي حقق رقماً قياسياً وصل إلى 26 % من الناتج القومي.
كما تنتج أرض وادي سوف مختلف أنواع الخضر وحتى الفواكه، أبرزها الطماطم والثوم والبصل والجزر ومختلف أنواع الفلفل والبطيخ والفول السوداني والتمور والقمح والشعير، حتى إنها أنتجت الموز والفراولة والشمندر السكري.
"نقمة النعمة"
ورغم وفرة المنتوج الفلاحي الذي توفره أراضي وادي سوف الجزائرية، إلا أن جملة من المشاكل اعترضتهم في عدة مراحل، تسببت في إفلاس عدد كبير من مزارعي المنطقة في السنوات الماضية.
ومع كل موسم فلاحي يشتكي المزارعون من مشكل تسويق منتوجاتهم الوفيرة إلى مختلف الأسواق المحلية والخارجية، رغم اعتراف الحكومات السابقة بالفائض المسجل في الإنتاج الزراعي.
ويطرح مزارعو المدينة عدة أسباب تكشف في الحقيقة عن واقع تسيير القطاع بالجزائر منذ استقلالها – بحسب الخبراء الاقتصاديين -، أبرزها نقص وسائل التخزين ووسائل النقل وغلاء المتوفرة منها، وانعدام مصانع التحويل الغذائي، وكذا والإجراءات المعقدة الخاصة بعمليات التصدير، وهو ما يؤدي في كل مرة إلى انهيار أسعار الفلاحين التي يقولون إنها "لا تغطي حتى تكلفة الإنتاج".
واردات بالملايين
وبين واقع منتوج أرض وادي سوف وحقيقة أرقام الجمارك الجزائرية، يتضح "التناقض الرهيب" كما يسميه خبراء اقتصاديون، وهو ما تكشفه الأرقام السنوية لواردات الجزائر من المواد الغذائية والتي تكلف خزينة الدولة أزيد من 5 مليارات دولار سنوياً.
ومنذ توليه الحكم نهاية 2019، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن الفلاحة "الركيزة الأولى" في برنامجه الاقتصادي، وتعهد بـ"ضمان الأمن الغذائي للبلاد، وتحرير الاقتصاد الوطني من التعبية للمحروقات".
كما كشفت الحكومة الجزائرية عن طموحاتها الاقتصادية الجديدة لعام 2021 بأن تتجاوز فاتورة الصادرات خارج قطاع المحروقات 5 مليارات دولار، وحددت المحاصيل الزراعية في أولوية الصادرات.
غير أن ما يعاب على سياسات حكومة تبون – وفق الخبراء الاقتصاديين – هو البحث عن "إصلاحات سريعة" يقولون إنها "لا تراعي أسباب مشاكل بعض القطاعات بينها الفلاحة"، مؤكدين في السياق "عدم توفر رؤية استراتيجية اقتصادية تعتمد على إصلاحات هيكلية، في مقابل سياسات عرجاء ازدادت تراكميتها مع فشل الحكومات السابقة في تحقيق نهضة زراعية مستفيدة من المساحات الفلاحية الهائلة".
فيما يؤكد خبراء آخرون على أن أهمية الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لتشجيع المنتجين والمستثمرين المحليين لتصدير منتجاتهم، من خلال ترقية التجارة الخارجية، وفتح فروع بنوك حكومية في بعض الدول الأفريقية كمرحلة أولى نحو "غزو الأسواق الخارجية".
aXA6IDE4LjE4OC4xMTkuNjcg
جزيرة ام اند امز