خلايا "رشاد" وتحركات "الماك".. خبراء: الجزائر واجهت حربا غير تقليدية
لم يكن 2021 عاماً عادياً في الجزائر، فقد كان استثنائياً في جانبه الأمني، أو كما يصنفه الخبراء بـ"عام الإنجازات الأمنية".
عام بدأ بعمليات عسكرية وأمنية نوعية استهدفت معاقل فلول الجماعات الإرهابية التي تعيش في الواقع منذ نحو عقد كامل حالة حصار وشلل، أفقدها قدرتها على تنفيذ عمليات إجرامية.
- تلقت تمويلا خارجيا.. "خلية إخوانية" جديدة بقبضة أمن الجزائر
- الجزائر تقلم أظافر الإرهاب.. تفكيك خلية تابعة لـ"رشاد" الإخوانية
ثم جاء تصنيف حركتي "رشاد" الإخوانية و"الماك" الانفصالية ليزيد من زخم حرب الجزائر على الإرهاب الممتدة لـ3 عقود كاملة، لكنها كشفت عن وجه آخر للإرهاب.
وهو الوجه الذي أكد خبيران جزائريان في تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية" بأنه كشف عن مجابهة الجزائر لـ"إرهاب غير تقليدي" يستهدف أمنها ضمن مخطط شامل لـ"تطويقها داخلياً وخارجياً".
وتوالت الضربات الأمنية التي مكنت من اصطياد وقنص "الخلايا الإرهابية النائمة" خصوصاً التابعة لـ"رشاد" الإخوانية في مختلف مناطق البلاد، عبر ضربات أمنية استباقية لم تختلف في دقتها عن تلك المنفذة ضد معاقل فلول الجماعات الإرهابية، بحسب الخبراء.
وهو النجاح الأمني الذي أرجعه الخبيران الجزائريان إلى عدة معطيات وعوامل، كانت سلاح الجزائر الفتاك لتجنيبها شبح تلك الفترة القاتمة التي مرت بها، في مقابل مخاطر جديدة كشفت عنها الأحداث والبيانات الرسمية.
3 مخاطر
ونبه الخبيران إلى البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع أو المديرية العام للأمن (الشرطة) بالجزائر عقب تفكيكها واصطيادها لخلايا تنظيمي "رشاد" و"الماك" الإرهابييْن.
إذ كشفت عن وجه آخر للنشاط الإرهابي يتم عبر "مواقع التواصل" والتي باتت "البؤرة الخصبة للتنظيمين الإرهابييْن لضمان أكبر انتشار وقدرة تأثير وتعبئة وحشد لأفكارها وصفوفها ومخططاتها".
تفاصيل أمنية أخرجتها الجزائر للعلن، كان آخرها في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقب تفكيك الأجهزة الأمنية خلية إرهابية تابعة لـ"رشاد" الإخوانية مكونة من 14 عنصرا جنوبي العاصمة.
ووفق مديرية الشرطة الجزائرية فإن نشاط الخلية الإرهابية كان عبر مواقع التواصل، وذكرت بأن أعضاءها كانوا "يمارسون التحريض عبر التطبيقات والمنصات الرقمية، من خلال نشر أخبار ومعلومات كاذبة، من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، والإشادة بالأعمال الإرهابية، والدعوة إلى التجمهر والإخلال بالنظام والأمن العام".
الخطر الثاني الذي واجهته الأجهزة الأمنية الجزائرية – بحسب الخبيرين – هو الدعم والتمويل الخارجي الذي تسند عليه الحركتان الإرهابيتان، وهو ما أكدته السلطات الجزائرية في عدة مناسبات.
أما الخطر الثالث فهو تزامن تكشير "رشاد" و"الماك" الإرهابييْن عن أنيابهما بالتوازي مع التحديات والتهديدات الأمنية المحيطة بالجزائر، وفق مخطط – يقول الخبيران – "إنه مدروس لتطويق الجزائر داخلياً وخارجياً".
حرب غير تقليدية
وفي حديث مع "العين الإخبارية" أعطى البروفيسور فاتح خنانو المختص في الشؤون الأمنية قراءة معمقة للحصيلة الأمنية المحققة في الجزائر، خاض خلالها في أسباب نجاحها وكذا في المخاطر والتحديات الجديدة التي باتت تواجهها الجزائر أدخلتها في سباق متسارع في الحرب على الإرهاب.
وأوضح بأن "الجزائر ودول المنطقة والعالم تخوض اليوم حروباً غير تقليدية، وعصر هذه الحروب قد ولى، والحصيلة الأمنية الجزائرية كانت كبيرة وقوية بامتياز بحكم القضاء على الخلايا والجماعات الإرهابية وكل أشكال الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات".
مضيفاً أن "الحرب غير التقليدية تغيرت فيها أدوات الحروب، وهناك استهداف مباشر للأمن المجتمعي للجزائر من خلال حركتي رشاد والماك الإرهابيتيْن، وبالتالي فإن الأمر مرتبط أيضا بالتهديدات السيبرانية والتجسس، كلها تضاف لحصيلة ما تواجهه الجزائر في هذا السياق".
تجربة رائدة
وشدد الأكاديمي الجزائري على أن "وعي مؤسسة الجيش بالمخاطر المحدقة بالأمن الوطني يقع في إطار تجربة مكافحة الإرهاب والجزائر رائدة في هذا المجال، ومؤسساتها الأمنية مؤهلة في كل مرة للتصدي لأي خطر إرهابي مهما كان حجمه وفي أي توقيت كان".
إلا أن المختص في الشؤون الأمنية لفت إلى الرهانات والتحديات الأمنية التي باتت تواجه الجزائر والتي تغيرت، مشيرا إلى "أن المؤسسة الأمنية تعمل بقوة وثبات وفي إطار واقعية للتصدي لهذه التهديدات الجديدة التي تمس الأمن الوطني والمجتمعي".
بؤر انتشار جديدة
وعن مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بؤرة خصبة لحركتي "رشاد" و"الماك" الإرهابيتين، نبه البروفسور فاتح خنانو إلى أن للأمر علاقة بالأدوات الجديدة للحروب، قائلا إن "الجزائر باتت تواجه اليوم حروباً في المجالين الإلكتروني والسيبراني، والحركتين الإرهابيتين رشاد والماك تنشطان عبر منصات التواصل للاستقطاب".
وشدد أيضا على أن قوة التصدي لهذين التنظيمين الإرهابييْن "جاء عن طريقة وعي الأفراد بمدى أهمية الثقافة الأمنية، وهناك خلايا إرهابية تم تفكيكها عن طريق إدلاء مواطنين عنها، والأجهزة الأمنية تعمل بكل يقظة استراتيجية لتفكيك هذه الخلايا الدخيلة على الجزائر بأفكارها والتي تحاول استهداف الجبهة الداخلية بفئات ضالة وقليلة".
وأشار إلى أن "الجزائر تشتغل وفق مقاربة أمنية وقانونية قوية جدا، وبالوعي المجتمعي وقوة الأجهزة الأمنية كفيلة بدرء والقضاء على هذه النشاطات الخبيثة لهذه المنظمات الإرهابية التي لها أهداف مكشوفة بضرب وحدة الجزائر وأمنها".
سياق استراتيجي
وانطلاقاً من خبرة ميدانية، قدم عامر بن جانة الضابط المتقاعد في الجيش الجزائري قراءة للحصيلة الأمنية التي حققتها الجزائر طوال 2021.
وفي حديث مع "العين الإخبارية" أشار إلى أنه "انطلاقاً من سياق واقعي وتاريخي معلوم، فإن الجزائر تمر بمرحلة حساسة خاصة مع السياق الجيواستراتيجي على حدودها التي تتعدى 8 آلاف كيلومتر ذات التضاريس الصعبة جدا وصعب التحكم بها، وهناك أيضا مجموعة من المعطيات جعلت من هذا السياق خلق حلقة أمنية ضيقة سريعة التغيير ومتنوعة في كل أبعادها".
وتابع قائلا: "ظهور ما يسمى بحركتي رشاد والماك بشكل يهدد الجزائر، لكن أيا منهما لا يملك أي فرصة نجاح لزعزعة استقرار الجزائر لأسباب عديدة".
أسباب النجاح الأمني
ولفت إلى "افتقاد التنظيمين الإرهابييْن للحاضنة الاجتماعية تستطيع أن تخترق المجتمع لأنه يرفضها بشكل قاطع، ولأن الجزائر شهدت عمليات إرهابية وما خلفته من دمار ومآسي، وبالتالي فإن الشعب الجزائري يرفض تماماً كل محاولة لزعزعة الاستقرار على الرغم من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد".
وأكد على أن هذه المنظمات الإرهابية "منكشفة أمام القوات الأمنية بمختلف أسلاكها وكل نشاط يتم القضاء عليه بأسرع وقت لأن المتابعة لصيقة وحثيثة، والأجهزة الأمنية أعطي لها الضوء الأخضر والتنسيق بينها وهي المرتبطة بالجيش، ولا أتصور أي مستقبل لرشاد والماك تستطيع فيه الإخلال بالاستقرار".
وعن نشاط "رشاد" الإخوانية عبر منصات التواصل، لفت الخبير الأمني إلى أنه "نشاط اجتماعي أكثر منه عملية دعائية لا يستطيع أن يصيب المجتمع أو أن يؤثر عليه، لأن المجتمع الجزائري يلفظ ويرفض أي مخططات لاستهداف استقراره".
مضيفاً أن محاولات التأثير عبر مواقع التواصل "قد تكون جدية، لكن لا يمكنها الذهاب بعيدا في ظل المناعة والوعي الداخليين ما يجعلها محاولات فاشلة، وهناك تغيير في النسق السياسي الذي أصبح يحارب كل ما له علاقة بالفساد والإرهاب".
aXA6IDMuMTcuMTc5LjEzMiA= جزيرة ام اند امز