الجزائر 2017.. عزوف سياسي وزخم انتخابي وتعدد حكومي
توالي الانتخابات النيابية والمحلية خلال 2017 واستعدادات للانتخابات الرئاسية، إضافة لزيادة التحديات الأمنية وضع الجزائر في مشهد ساخن في هذا العام
تترك سنة 2017 بصمتها كواحدة من "أصعب" السنوات التي مرت على الجزائر، بدءا بالتحديات الأمنية في مكافحة الإرهاب والخلافات السياسية التي جعلتها السنة الأكثر ازدحاما بالانتخابات وعدد الحكومات، بحسب ما رصدته بوابة العين الإخبارية في حصاد العام.
التحديات الأمنية
ورغم نجاح الجزائر في القضاء على آفة الإرهاب التي حصدت أكثر من 200 ألف قتيل خلال تسعينيات القرن الماضي، إلا أن عام 2017 شكل تحدياً جديداً أمام البلاد، خاصة على حدودها الشاسعة مع ليبيا وتونس ومالي التي أعلنتها الجزائر مناطق "عالية الخطورة" بسبب "الاضطرابات غير المسبوقة" التي تشهدها.
دلل على ذلك اعتراف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي شهدت فترة حكمه (18 عاما) استقرارا أمنيا تدريجيا، في شهر مارس/آذار الماضي "بعودة خطر الإرهاب من بوابة دول مجاورة"، ليتم رفع حالة التأهب العسكري والأمني إلى درجاته القصوى على طول الحدود الشرقية والجنوبية للبلاد.
ويُجمع الخبراء الأمنيون أن ما شهدته الجزائر خلال هذا العام كان بمثابة "الرهانات الأمنية الحقيقية"، التي نجحت في تجاوزها، إذ قاد الجيش عمليات عسكرية وأمنية واسعة النطاق بدأت من الحدود وامتدت إلى معاقل بقايا الإرهابيين في شرق ووسط وغرب البلاد، أسفرت عن مقتل أكثر 90 مسلحا وإلقاء القبض على مئات آخرين.
كما تمكن الجيش من حجز ترسانات من الأسلحة الحربية والمواد الكيمياوية على الحدود مع مالي والنيجر في أكثر من مرة، محبطا مخططات إرهابية لاستهداف منشآت عسكرية واقتصادية وتسلل إلى داخل الأراضي الجزائرية.
كما شهدت العقيدة العسكرية للجيش الجزائري في مجابهة الإرهاب طفرة نوعية في 2017، بعد أن انتقل من الدفاع إلى توجيه ضربات استباقية "شَلّت النشاط الإرهابي".
وعلى غرار كثير من الدول العربية حاول تنظيم داعش الإرهابي اختراق الجزائر، فتبنى عمليتين انتحاريتين في قسنطينة وتيارت، تمكنت خلالها الشرطة الجزائرية من تجنيب المدينتين كارثة كبيرة.
ويقول الخبير الأمني الدكتور أحمد ميزاب في حديثه مع "بوابة العين" الإخبارية إن "الجزائر عاشت عاما من الرهانات الأمنية، خاصة في ظل المعطيات الدولية والإقليمية التي أكدت وجود تهديدات إرهابية من خلال محاولات التنظيمات الإرهابية في إعادة تحريك الخلايا النائمة".
ولكن "تحركات الإرهابيين اصطدمت باستراتيجية أمنية تعمل على المديين المتوسط والبعيد، وتعتمد على العمل الاستباقي والفعل بدل رد الفعل، ما جعل التنظيمات الإرهابية غير قادرة على التعبئة وتوفير البيئة الحاضنة"، وفق ميزاب.
وأضاف أن 2017 كان "عاما للضرب من حديد للجماعات الإرهابية، وبلغة الأرقام ارتفعت الضربات العسكرية والأمنية هذا العام ما بين 25 إلى 30% عن العام الماضي، وبالضعف عن 2015".
غير أنه توقع "أن تشهد سنة 2018 ارتفاعا في حدة التهديدات الإرهابية، وأن تكون أكثر حدة؛ لعودة المقاتلين من مناطق النزاع إلى منطقة شمال أفريقيا والساحل بحثا عن بؤر جديدة".
سجالات سياسية
أما الوضع السياسي في الجزائر فيجمع المراقبون على أنه كان أكثر سخونة خلال هذا العام في مقابل برودة شعبية، في مشهد أقرب أن يكون إلى "أخرص يتكلم مع أطرش".
وجاء ذلك نتيجة زحمة المواعيد الانتخابية التي شهدتها البلاد في عام واحد بإجراء انتخابات برلمانية ومحلية كرست هيمنة أحزاب السلطة، مع تراجع "مُهين" للأحزاب الإسلامية كما وصفه كثير من المتابعين.
فرغم بقاء "دار الأفالان (الحزب الحاكم) على حالها" فإن "دار الإخوان" لم تبق كذلك، إذ "فُجعت" "باحتقار الجزائريين لأسطوانة" يُصر عناصر الإخوان على ترديدها في كل موعد انتخابي، ويقول عنها المحللون إنها "حُبلى بالشعارات"، لكنه أشبه "بالحمل الكاذب لامرأة عاقر".
غير أن المواعيد الانتخابية جلبت معها "رهاناً شائكاً" عجزت السلطة ومعها الأحزاب بمختلف توجهاتها على "خلع أشواكه"، تمثل في ارتفاع نسب المقاطعين والعازفين عن "الديمقراطية وفصولها" التي لم تتعد 40% في الانتخابات بشقيها، زادها حدة نسبة "المصوتين الرافضين" التي قاربت المليوني صوت.
ويعزو كثير من المحللين ذلك إلى إفرازات الأزمة الاقتصادية مثل ارتفاع البطالة والأسعار وتدهور القدرة الشرائية، إضافة إلى ما أسماه البعض "حديث الأحزاب مع نفسها" بسبب خطابها البعيد عن هموم وتطلعات الجزائريين.
أما انتخابات الرئاسة المنتظرة 2019، فقد بدأت "تُسيل لعاب" الأحزاب منذ عام 2017، فمن "الحملة الرئاسية المسبقة" في الانتخابات البرلمانية والمحلية التي طغت على خطابات أحزاب السلطة والمعارضة معاً، إلى السجال الذي أحدثته دعوات شخصيات سياسية بضرورة تدخل الجيش "لاستباق الرئاسيات".
وهي الدعوات التي لقيت رفضا مزدوجا من قيادة الجيش ومن الرئاسة، حيث بوتفليقة (80 سنة) صراحة عن رفضه المطلق لتلك الدعوات، مذكرا إياهم بأن "عهد تدخل الجيش في السياسة قد ولى، وأن صناديق الاقتراع هي الفيصل".
3 حكومات
إضافة لذلك، عرفت الجزائر في عام واحد 3 حكومات اختلفت في قراراتها وإجراءاتها واتفقت في "عنصر المفاجأة" في تعيينها، حيث أكملت حكومة عبدالمالك سلال مشوراها مع انتهاء الانتخابات البرلمانية، بعد أن فاجأ الرئيس الجزائري المتابعين بتعيين عبدالمجيد تبون خلفا لسلال.
لكن حكومة تبون لم تلبث أن أصبحت "أقصر حكومة في تاريخ الجزائر" عقب قرار الرئاسة إقالته من منصبه بعد قرابة 3 أشهر من تعيينها، لتأتي المفاجأة الثالثة بتعيين أحمد أويحيى على رأس الحكومة، ليكون بذلك أكثر الشخصيات التي تولت المنصب للمرة الخامسة منذ عهد الرئيس السابق اليامين زروال.
ويرى المحلل السياسي الدكتور عبدالرحمن بن شريط أن صورة مخرجات تشريعيات ومحليات 2017 "تقودنا إلى القول بأننا أمام مشهدين، الأول هو ترقب نحو التغيير، والثاني رغبة في الحفاظ على الاستمرارية والاستقرار السياسي".
ومن هنا توقع الدكتور بن شريط أن "يكرس عام 2018 واحدا منهما، إما تغير في المشهد أو إعادة نفخه، وهي في الحقيقة إشكالية أكثر منها رهان".
aXA6IDMuMTM4LjE3NS4xMCA= جزيرة ام اند امز