الجزائر.. الإرهاب يعود من بوابة الجوار
لأول مرة منذ إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر، يعترف الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وبشكل صريح، بعودة خطر الإرهاب.
لأول مرة منذ إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر قبل 10 سنوات، يعترف الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وبشكل صريح، بعودة خطر الإرهاب من بوابة دول مجاورة.
وقال الرئيس الجزائري في رسالة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: "إن بؤر التوتر وعدم الاستقرار التي توجد في جوارنا والتي عشش فيها الإرهاب والجريمة العابرة للحدود يشكلان تحدياً أمنياً ما يزال قائماً في بلادنا".
واعتبر بوتفليقة أن "هذا التحدي يغذي بقايا الإرهاب التي ما تزال تطأ أرض الجزائر الطاهرة وتستهدف أرواح وممتلكات شعبها الباسل الذي اختار المصالحة بغية الخروج بالأمس من سعير المأساة الوطنية".
حالة تأهب قصوى
موقف الرئيس الجزائري جاء بعد يومين فقط من دعوة قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري جميع وحداتها على مستوى الحدود إلى البقاء في حالة تأهب قصوى، لمواجهة تهديدات إرهابية محتملة، أو كما سماها بـ"الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة"، خاصة ما تعلق منها بالحدود مع ليبيا وتونس ومالي وحتى مع النيجر، حيث دشن قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، قاعدة الانتشار الجوية التي اعتبرها "إنجازاً قاعدياً هاماً سيسهم في حفظ أمن البلاد وحماية حدودها الجنوبية".
الخبير العسكري والأمني الجزائري، الدكتور أحمد ميزاب، اعتبر في تصريح"بوابة العين الإخبارية" أن قرار رفع الجزائر حالة الاستنفار العسكري على طول الحدود وداخلها "لم يُتخذ إلا بعد التأكد من معلومات أمنية دقيقة تفيد بوجود أكثر من 8 آلاف إرهابي في ليبيا، يهددون أمن دول الجوار، ولديهم تنسيق مع الجماعات الإرهابية النشطة في الساحل، والتي تحاول التأسيس لإمارة كبرى"، واعتبر ميزاب "أن الرقم الذي صرح به قائد "أفريكوم" حول تقلص أعدادهم إلى بضع مئات مجرد تصريح سياسي فقط".
أما الخبير الأمني الجزائري، علي زاوي، فقد شبه في تصريح لـ"العين" بين تنظيم الجيا الإرهابي الذي كان ينشط داخل الجزائر سنوات العشرية السوداء وبين تنظيم داعش الإرهابي من حيث تكتيكاتها الإرهابية، وهو ما يجعل الجيش الجزائري يستنفر قواته ضد هذا التنظيم"، ومن هنا يرى زاوي أن "الضربات الموجعة التي وجهها الجيش الجزائري لمعاقل الإرهابيين في كثير من مناطق الوطن وفي ظرف قياسي رسالة مباشرة لتنظيم داعش الإرهابي".
زاوي أكد أيضاً "أن تنظيم داعش الإرهابي الذي كثف من تحركاته صوب الجزائر منذ دخوله إلى ليبيا قادماً من سوريا والعراق، قد فشل أمام يقظة الجيش الجزائري الذي يملك خبرة في التعامل مع هذا الصنف من التنظيمات"، وأرجع زاوي أسباب فشل التنظيم "إلى إلقاء القبض على أعضاء الخلايا السرية النائمة التي تتعامل معه ومع مختلف التنظيمات الإرهابية الأخرى، وهو ما سمح بالكشف عن مخططات ومواقع وتحركات المسلحين داخل الجزائر وحتى خارجها".
حملة عسكرية
الحملة العسكرية للجيش الجزائري التي حملت طابع المفاجأة والسرعة كما وصفها المتابعون للشأن الأمني في الجزائر ضد معاقل الإرهابيين، مكنت بحسب بيانات للجيش الجزائري من اكتشاف وحجز أكثر من 9 قناطير من المواد الكيماوية لصنع المتفجرات مخبأة في براميل بلاستيكية بكل من مدينتي بومرداس وتيزي وزو شرق الجزائر العاصمة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف مواد كيميائية بحوزة هذه الجماعات، إضافة إلى قتل واعتقال عشرات الإرهابيين وتوقيف العديد من شبكات الدعم والمساندة عبر عدد من ولايات البلاد، كما سمحت عمليات الجيش الجزائري من حجز كميات هائلة من مختلف الأسلحة، بعد اكتشاف مخابئ لها في بعض ولايات الشرق وولايات حدودية مع مالي وليبيا.
في هذه الأثناء، بينت إحصاءات وزارة الدفاع الجزائرية أن الجيش الجزائري تمكن من القضاء على 278 إرهابياً من تنظيمي القاعدة وداعش عامي 2015 و2016، في عمليات عسكرية وأمنية، يضاف إليهم توقيف أزيد من 380 مشتبهاً بهم في دعم وإسناد الجماعات المسلحة.
انتخابات مقبلة
في سياق آخر، طرحت وسائل إعلام جزائرية تساؤلات عن العلاقة بين التحركات الإرهابية الأخيرة مع بداية العد التنازلي للانتخابات التشريعية شهر مايو/أيار المقبل، وهو ما يراه أيضاً الخبير الأمني، أحمد ميزاب، في تصريحه "لبوابة العين الإخبارية"، حين اعتبر "أن الجماعات الإرهابية تبحث عن الصدى الإعلامي من خلال محاولتها انتهاز مواعيد كبرى للقيام بعمليات إرهابية".
غير أن القيادي السابق في حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، دعدوعة العياشي، وفي تصريح "لبوابة العين الإخبارية" يرى "أنه من الصعب على الجماعات الإرهابية التشويش على الانتخابات التشريعية القادمة"، لعدة اعتبارات، أرجعها بالدرجة الأولى إلى "الخطة الأمنية المحكمة والاستباقية التي تضعها عادة السلطات الجزائرية لتأمين المواعيد الانتخابية"، أما العامل الثاني فيراه القيادي السابق في الافالان "في تمركز الجماعات الإرهابية في الجبال وصعوبة تحركها باتجاه المدن".
في حين أرجع العياشي في تصريحه "لبوابة العين الإخبارية" الاستنفار العسكري والأمني الجزائري غير المسبوق "إلى ما يحدث من انفلات أمني في دول الجوار"، وإلى ما سماها "نوم الجماعات الإرهابية شتاء واستيقاظها ربيعاً"، وهي الفترة التي تحاول دائما خلالها الجماعات الإرهابية يضيف العياشي "لمحاولة تنفيذ هجمات إرهابية تضمن بقائها حية فقط".
وزير الاتصال الجزائري الأسبق، عبد العزيز رحابي، بدوره وفي اتصال مع "بوابة العين الإخبارية"، استبعد بشكل كامل وجود علاقة بين التحركات الإرهابية واقتراب موعد الانتخابات التشريعية، حيث قال "إن تأمين الانتخابات التشريعية لا يحتاج إلى حالة استنفار عسكرية بهذا الشكل، وأن الجزائر تملك الخبرة الأمنية الكافية لتفادي وقوع هجمات إرهابية في مثل هذه المواعيد الانتخابية".
رحابي أضاف "لبوابة العين الإخبارية" "أن الأمر أكبر من الموعد الانتخابي"، معللاً حالة الاستنفار العسكرية القصوى إلى "الانفلات الأمني في ليبيا وانتقال جماعات إرهابية منها إلى تونس".
وأضاف الوزير الجزائري الأسبق لبوابة العين الإخبارية "أن حصول الجزائر على معلومات أمنية عن احتمال توحد الجماعات الإرهابية شمال مالي وفي ليبيا هو ما دفع بالجيش الجزائري إلى اتخاذ خطوات استباقية وعلى أعلى درجة لحماية حدوها".
وإن لم يستبعد الوزير الأسبق عنصر المفاجأة من هذه الجماعات الإرهابية سواء كانت تنظيم القاعدة أو داعش، التي قال "إن استراتيجيها الإرهابية تعتمد على قتل شخص لإرهاب آلاف الأشخاص".
ثالوث يهدد المنطقة
وحصلت "بوابة العين الإخبارية" على ملخص تقرير أمني أعده رئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للسلم والمصالحة، والخبير الأمني والعسكري، الدكتور أحمد ميزاب.
الملخص أشار بشكل كبير إلى الأزمة الليبية وخطورة عدم إيجاد حل سريع لها على دول المنطقة برمتها، وجاء في ملخص التقرير "أن انتشار السلاح في هذا البلد أثر على استقرار دول الجوار والمنطقة ككل والذي وصل إلى 12 دولة"، مضيفا "أن تنظيم القاعدة استولى على "حصة الأسد" من السلاح الليبي، حيث وزعت على عدة مناطق وتم تخزينها"، وهو ما يتقاطع مع بيانات الجيش الجزائري التي تمكنت من اكتشاف عدد هائل من مخابئ الأسلحة داخل حدودها.
كما حذر التقرير "من وجود 750 امرأة مجندة في صفوف تنظيم داعش بين العراق وسوريا وليبيا من بينهم 600 في الشرق الأوسط و150 في ليبيا، مشيراً إلى أن العمليات الإرهابية التي تقوم بها المرأة تكون أكثر فداحة من تلك التي يقوم بها الرجل من حيث نتائجها والمتابعة الإعلامية التي تلقاها، إلى جانب قدرتها على التخفي وصعوبة ملاحقتها مقارنة بالرجل، وهي المعطيات التي تشكل هاجساً وتهديداً لدول المنطقة لما فيها الجزائر".
كما رصد التقرير أربع بؤر عالية الخطورة موزعة على الشريط الحدودي الجزائري، وتتمثل في المثلث الحدودي (تونس – الجزائر – ليبيا)، المثلث الحدودي (النيجر – ليبيا – الجزائر) والمثلث الحدودي (مالي – موريتانيا – الجزائر)، إضافة إلى منطقة الممتدة من الشعانبي في تونس إلى المناطق الجبلية المتاخمة للشعانبي في الجزائر.
تقرير الدكتور ميزاب خلص إلى أن الوضع الأمني المتردي في ليبيا هو السبب الرئيس في تمدد الجماعات الإرهابية في كامل المنطقة.
من هنا، اعتبر الدكتور أحمد ميزاب، في تصريحه، "أن تحرك دول الجوار الليبي المتمثلة في الجزائر، تونس ومصر لإيجاد حل سريع ودائم في ليبيا جاء عقب تقارير أمنية تؤكد أن حل الأزمة الليبية هو مفتاح القضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة"، وأن نجاح هذه الدول في حماية حدودها - كما جاء في التقرير – "قد يكون مؤقتاً في غياب تنسيق أمني بينها أولا، وتفاهم حول حل عاجل ودائم للأزمة في ليبيا" يضيف ميزاب.