الأخضر الإبراهيمي.. رجل المهام الصعبة
ارتبط اسم الأخضر الإبراهيمي بالمشهد السياسي الجزائري خاصةً لما يتمتع به من تاريخ دبلوماسي وسياسي حافل يمتد لعقود طويلة.
يشكل تكليف الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وزير الخارجية الأسبق والسياسي الكبير الأخضر الإبراهيمي برئاسة الندوة الوطنية التي سيقع على عاتقها إجراء حوار وطني واسع مع مختلف التشكيلات السياسية، محطة مهمة في تاريخ الجزائر مع تصاعد التطورات السياسية الأخيرة.
ومن المتوقع أن يلعب السياسي المخضرم دوراً كبيراً في تلك المرحلة المهمة من عمر الجزائر، خاصة أنه لعب دورا رئيسيا في عديد من القضايا في المنطقة إقليميا ودوليا منذ عام 1956 وحتى تقاعده عام 2005.
وُلد الأخضر الإبراهيمي في مطلع عام 1934 جنوب الجزائر العاصمة، وأتمَّ دراسته في القانون والعلوم السياسية في كلٍ من الجزائر وفرنسا، وفي سن مبكرة التفت لقضية تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي، حيث لعب دورا وطنيا في تحقيق ذلك بين عامي 1956 و1961 حين كان ممثلاً لجبهة التحرير الوطنية في جنوب شرق آسيا.
وقد بدأ حياته العملية كسفير للجزائر في المملكة المتحدة لمدة ثماني سنوات خلال الفترة من عام 1971 حتى عام 1979 ثم أصبح بعد ذلك مساعداً للأمين العام لجامعة الدول العربية خلال الفترة من عام 1984 حتى عام 1991، وقد شغل عقب ذلك مباشرة منصب وزير خارجية الجزائر حتى عام 1993.
المبعوث السياسي متعدد المهام
عمل الإبراهيمي عام 1989 مبعوثاً للجامعة العربية إلى لبنان، وقد لعب دوراً مهماً في إتمام اتفاق الطائف في سبتمبر عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بعد وساطة سعودية مهمة أفضت إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف اللبنانية المتنازعة.
ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بدأ الإبراهيمي نشاطه الأممي في أكثر من دولة، بدأها عام 1994 كرئيس لبعثة مراقبي الأمم المتحدة في جنوب أفريقيا المعنية بمراقبة الأوضاع في مرحلة ما بعد الفصل العنصري، ثم تمَّ تكليفه كبيراً لمبعوثي الأمم المتحدة إلى هايتي لمدة عامين وبعد ذلك إلى أفغانستان، وتبع ذلك قيامه بمهام أممية عدة خاصة في بعض الدول الأفريقية منها نيجيريا والسودان.
وفي عام 2000 تمَّ تكليف الإبراهيمي بإعداد تقرير للأمين العام للأمم المتحدة حول عمليات المنظمة حول العالم، وقد أُصدر تقرير عُرف بـ"تقرير الإبراهيمي" تضمّن الاعتراف بفشل الأمم المتحدة السياسي والإداري والمالي في إدارة الأزمات المختلفة حول العالم.
وخلال عام 2004 شغل الإبراهيمي منصب مستشار الأمين العام للأمم المتحدة، وقد كُلف بمهمة أممية في العراق التي كانت تشهد أوضاعا سياسية وأمنية غير مستقرة عقب الغزو الأمريكي لها، وقد أثار الإبراهيمي جدلاً واسعاً خلال فترة عمله بالعراق في ظل تعارض مواقفه مع الرؤية الأمريكية آنذاك، حيث انتقد الإبراهيمي فكرة التدخل العسكري الخارجي كذلك فقد صرَّح بأن السياسات الإسرائيلية هي "أكبر السموم في المنطقة"، وهو ما رفضته إسرائيل بشكل قاطع، حيث اعتبرت أن تلك التصريحات "غير لائقة إطلاقاً" من مسؤول رفيع في الأمم المتحدة.
رجل السلام الدولي
على الرغم من تقاعد الإبراهيمي بشكلٍ رسميّ في عام 2005 إلا أنه ظلّ نشطاً كمحاضر ومشارك في منظمات غير حكومية دولية، وكذلك نشطاً في مؤسسات مَعنية بتحقيق السلام على المستوى الدولي، حيث إنه في عام 2007 انضم إلى لجنة الحكماء التي أسسها الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا التي تتشكل من عدد من زعماء العالم، وتهدف إلى تحقيق السلام وتعزيز حقوق الإنسان، وقد زار دولا عربية عدة في إطار النهوض بالسلام في منطقة الشرق الأوسط، ومن أبرز تلك الدول مصر والأردن وكذلك قطاع غزة.
كذلك فقد ترأس في عام 2008 اللجنة الدولية للتحقيق في ملابسات الهجوم الإرهابي الذي استهدف مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة الجزائرية 11 ديسمبر عام 2007، وأسفرت عن وقوع 17 قتيلا تابعا للمنظمة الدولية، وقد جاء اختيار الإبراهيمي لتلك المهمة باعتباره وسيطا مقبولا في ظل رفض الحكومة الجزائرية وقتها القرار الأممي الخاص بتشكيل تلك اللجنة بحجة أن ذلك مساس بسيادة الدولة الجزائرية.
وقد حصل الإبراهيمي عام 2010 على جائزة الحكام الخاصة لتفادي النزاعات من مؤسسة شيراك التي أسسها الرئيس الفرنسي الأسبق "جاك شيراك" لنشر السلام على المستوى العالمي.
سوريا.. ملف الإبراهيمي الصعب
منذ عام 2012 شغل الإبراهيمي منصب المبعوث المشترك لجامعة الدول العربية وللأمم المتحدة إلى سوريا من أجل محاولة الوصول إلى تسوية سياسية مقبولة، وقد حاول الإبراهيمي تفادي الفشل الأممي السابق في الملف السوري، إذ انطلق في تحركاته بلقاءات متعددة مع أغلب التيارات السورية سواء من النظام أو المعارضة، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد كما التقى ممثلي هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي التي كانت تضم آنذاك أكثر من 13 حركة معارضة ذات توجهات أيديولوجية متباينة.
وفي ظل تزايد حدّة الصراع المسلح في سوريا منذ عام 2013 فقد فشل الإبراهيمي في التوصل إلى صيغة توافقية بين الأطراف المتصارعة، وقد اعترف صراحةً بأن "الفجوة بين الطرفين واسعة جدًا"، ومع ذلك كان يعتقد أنه من الممكن الوصول إلى حل للأزمة، وقد ظهر ذلك بشكل جلّي عبر رعايته لمفاوضات شاقة جمعت بين ممثلين عن المعارضة وممثلين عن الحكومة السورية في مؤتمريّ "جنيف1" و"جنيف2".
وبعد أقل من عامين في مايو 2014، أعلن الإبراهيمي استقالته من منصبه، وقد أثنى الأمين السابق للأمم المتحدة "بان كي مون" على أداء الإبراهيمي لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن فشل حل الأزمة السورية هو فشل للمنظمة الدولية.
الجزائر.. استدعاء وطنيّ
عقب موجة من الاحتجاجات شهدتها الجزائر على مدار الأسابيع الخمسة الماضية، أعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عدم ترشُّحه في الانتخابات الرئاسية التي كان من المزمع عقدها أبريل المقبل، كذلك فقد أعلن عن تأجيل تلك الانتخابات وبدء مرحلة انتقالية تقودها حكومة كفاءات علاوةً على عقد ندوة وطنية مستقلة تُعدّ إصلاحات في البلاد وتُشرف عليها هيئة تعددية برئاسة شخصية مستقلة على أن تُنهي أعمالها قبل نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى إعداد مشروع دستور جديد يُعرض على الشعب الجزائري ثم بعد ذلك يتم الإعداد لانتخابات رئاسية في البلاد.
ويمكن القول إن الجزائر من المتوقع أن تكون هي المحطة الجديدة للإبراهيمي، وهي محطة ذات خصوصية كبيرة وتختلف بشكل كبير عن المهام المتعددة التي قام بها الرجل، حيث إنها من ناحية تعد مهمة وطنية في وقت تشهد فيه بلاده موجة من عدم الاستقرار، ومن ناحية أخرى فإنها مهمة مُعقدّة خاصةً في ظل عدم وجود توافق شعبي حتى الآن حول ما أعلنه بوتفليقة، وعلى الرغم من ترحيب عديد من فئات الشعب الجزائري بما تمَّ الإعلان عنه إلا أن هناك حالة من عدم اليقين لدى قطاع آخر من الشعب الجزائري، وهو ما يتطلب التعامل بحرص شديد من أجل أن تصبح الجزائر مهمة ناجحة للدبلوماسي المخضرم.