"فنانة الأمومة" الجزائرية بهية راشدي.. فاقد الشيء يعطي بسخاء
فنانة من الطراز الأول، لها ألقاب فنية عديدة أشهرها "سيدة الشاشة الجزائرية"، هي الفنانة القديرة بهية راشدي.
من أكثر فنانات الجزائر التي اشتهرت وأبدعت في دور "الأم" في أعمالها الدرامية والسينمائية، وحتى في أدوار "السيدة الشريرة" التي برعت فيها أيضا، بقيت بهية راشدي محافظة على حب جمهورها.
"العين الإخبارية" حاورت "سيدة الشاشة الجزائرية"، لكن ليس عن أدوارها الفنية التمثيلية، بل عن "دورها الإنساني الحقيقي" كـ"أُم" بالتزامن مع احتفال العالم العربي، اليوم الاثنين، بعيد الأم المصادف لـ21 مارس/أذار والذي يتزامن مع بداية فصل الربيع.
"بهية" الإنسانة لا تختلف كثيرا عن "بهية" الفنانة، فيهما "شلاّل من حنان الأمومة" وفق تأكيدات كل من عرفوها وعملوا معها، وهو الحنان وهي الأمومة التي لا يمكن تقمصه دورهما" تمثيلا إلا إذا كان جزء من حقيقة وشخصية صاحبته، أو هذا على الأقل كما يرى بعض النقاد.
تواضعها مع الجميع لا تَصَنُّع فيه كبعض من نظيراتها ونظرائها في عالم الفن والإعلام وغيرهما، تجيب على الأسئلة بثقة كبيرة وهدوء أكبر، كل من تتحدث معهم إلا وعلى لسانها كلمة "ابني" أو "ابنتي"، حتى إعلامياً لا تبخل بأي معلومة عن حياتها الشخصية أو الفنية، لأنها ترى في محاورها أو محاورتها "أبناء لها" مثل الأم التي "همها الوحيد نجاح أبنائها".
صاحبة إحساس مرهف، ترفض وتمقت كل أنواع العنف مهما كان نوعه، حتى وإن كان لفظياً، وحتى إن كان مزحة، راقية في حنانها كما في فنها كما في شخصيتها، هي الفنانة الجزائرية بهية راشدي التي يعرفها محيطها على أنها "فنانة في الأمومة الواقعية" أكثر من الفنية.
الزوجة الأم
في عيد الأم، معظم القصص التي تروى عن أمهات ناضلن وكافحن من أجل أبناء بطونهن، لكن قدر بهية راشدي كان أن "حرمها الله من نعمة الأمومة" كما قالت لـ"العين الإخبارية" فكانت "هي النعمة" على أبناء وبنات لم يكونوا من صلبها، لكن من قلبها وروحها، كما يؤكد من عرفوها.
في قصة بهية راشدي الشخصية والإنسانية تسقط مقولة "فاقد الشيء لا يعطيه"، فقد أعطت حنان أمومة في محيطها الفني والشخصي، فكانت نموذجاً مختلفاً لـ"قصة شلال حنان وأمومة لامرأة لم تُنجب من رحمها لكنها أنجبت بقلبها".
رغم أنها بدأت حديثها مع "العين الإخبارية" عن "الأم الجزائرية" وتركت الحديث عن نفسها في آخر المقابلة، عندما أكدت أن "الأم الجزائرية امرأة استثنائية بكل صراحة، صبورة جدا وترضى بالحال الذي تعيشه وتكافح لتحسين ظروفها وظروف عائلتها، وهذا راجع للقوة الموجودة في المرأة الجزائرية في كونها إنسانة لا تعرف الاستسلام أبدا".
لكن عندما يصل ارتواء "زوجها" الراحل (الفنان والمخرج محمد راشدي) بذلك الشلال وأن يناديها "أُمي" فهذا يعني أن "لا حدود لأمومة وحنان" هذه السيدة الجزائرية.
فهي أم حقيقية بـ"الخبرة والتجربة" كما صرحت لـ"العين الإخبارية" وهي التي أحست بدور الأمومة وهي في "ريعان طفولتها" عندما كانت مسؤولة عن شقيقاتها، فكانت لهن الأم أكثر من الشقيقة.
تقول الفنانة الجزائرية بهية راشدي لـ"العين الإخبارية": "السيد محمد راشدي رحمه الله وهو زوجي، كان يناديني في بعض الأحيان بـ(أمي) عندما كان يرى حاجتي الكبيرة لأن أكون أماً في يوم من الأيام، أقول دائما إن الأنوثة تكتمل في المرأة عندما تصبح أماً، مع الحمل والولادة، وهذا شيء جميل جدا".
وبلهجة القانعة بقضاء الله والراضية تتابع قائلة: "لا أقول إن الله حرمني من ذلك، لكنه كتب لي عنده سبحانه وتعالى (عاقر)، ولكن هذا الشيء لم يمنعني من أن أكون أماً، تبنيت الكثير من البنات لأنني أحب كثيرا البنات، عندي صليحة، وسعاد، وأولاد أبنائي".
وبشخصية قوية واثقة تتابع الفنانة بهية راشدي سرد تفاصيل في حياتها الخاصة قائلة: "يقولون إن فاقد الشيء لا يعطيه، أنا ضد هذه المقولة، لأنني في كل مرة أقوم فيه بدور الأم، والله لاشتياقي وحرقتي لأبناء من صلبي هو الذي جعلني أعيش على هذا الأمل".
وتضيف الفنانة التي كانت "أمّاً وأباً لعائلتها": "كما أنني تربيت يتيمة، والدي توفي وأنا في عمري 14 سنة، وترك 7 أطفال أقل مني، كنت بمثابة الأم والأخت الكبيرة لهم والمدرسة والتي تأتي لهم بقوت يومهم، كانت حياتي الطفولية جد صعبة، كنت أقوم بأدوار أمي، خصوصاً المادية منها، كنت أساعدها بدروس إضافية أقدمها لأطفال الحي، كنت أجني حوال 100 دينار في ذلك الوقت، كنت أفرح كثيرا عندما أساعد شقيقاتي على ارتداء لباسهن في الأعياد والأيام الأخرى، كنت أوفر لهم كل الإمكانيات دون أن أحسسهم بغياب والدهم".
وختمت هذه المعلومة بحقيقة أكبر عندما قالت لـ"العين الإخبارية": "ربما كانت هذه الأمور هي البذرة الأولى والطاقة التي جعلتني أحب أطفال غيري وكل أطفال وشباب الجزائر، ليومنا أحس نفسي مسؤولة عنهم".
الفنانة الأم
حتى في مهنتها التي تعشقها، كانت بهية راشدي أُمّا للجميع، أو ربما لمن قصدها بحثاً عن سبل نجاح بخبرة فنانة قدمتها "مجاناً" بـ"عاطفة أُمٍّ" لكل من قصدها من شباب الجزائر.
فقد كانت أول فنانة جزائرية تعمل مع شباب في مجال الأفلام القصيرة وبـ"المجان" رغم اسمها اللامع والكبير في المشهدين الدرامي والسينمائي الجزائري، والذي تتنافس عليه كبريات شركات الانتاج الجزائرية.
ذكرت ذلك لـ"العين الإخبارية" عندما أكدت بالقول: "بصراحة، أنا أول فنانة عملت مع شباب يعمل أفلام قصيرة ليشارك بها في مهرجانات وتظاهرات ثقافية، وصرحت من قبل بأنني مستعدة لمساعدة كل الشباب بـ(المجان)، قلت لهم إياكم أن تقولوا لي إن الميزانيات لا تكفي، حتى الكاميرا التي يستأجرها لليوم بحوالي 5 ملايين سنتيم (376 دولار)، ليس من حقي أن أطلب منه أي مقابل، ليومنا هذا ما زلت أساعد الشباب، عندي الآن تقريباً 21 مشاركة مع الشباب بالمجان.
وتستطرد كاشفة دور الأمومة الحقيقي في مجالها الفني: "أشترط عليهم أن لا يحضروا ليه من تضع لي الماكياج، أقول لهم أنا مع أضع الماكياج بنفسي، لا تحضروا لي السائق لأنني أتنقل بسيارتي، لا تحضروا في الأكل لأنني أكون صائمة، أقول لهم تأكدوا أن اليوم الذي أكون فيه في تصوير معكم أفضل أن أصومه، لأننا أجد الطاقة في الصيام".
بهية راشدي باعتراف كل من عملوا معها أو عرفوها عن قرب، "لا تتقمص دور الأم"، "بل حنان الأم صفة وحقيقة في شخصيتها"، والأمومة عند الفنانة الجزائرية بهية راشدي ليست مجرد دور في عمل سينمائي أو درامي، بل "هي الروح والجسد" لا يمكن "فصل الأولى عن الثانية".