خبير جزائري: تجدد الحرب على الإرهاب مؤشر لنذر الخطر
خبير أمني يكشف لـ"العين الإخبارية" الأسباب والأهداف الاستراتيجية لتكثيف الجيش الجزائري عملياته الاستباقية ضد معاقل فلول الإرهابيين.
وأشار الخبير الأمني أحمد كروش في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى جملة الأهداف من وراء عودة الحرب على الإرهاب بشكل مكثف في الجزائر، أبرزها القضاء على فلول الجماعات الإرهابية، وشل تحركات فلول الجماعات الإرهابية للعودة للنشاط وقطع الطريق أمام تنظيم القاعدة الإرهابي لتنفيذ عمليات استعراضية.
- صيد ثمين بقبضة الجزائر.. التنظيمات الإرهابية تلفظ أنفاسها
- ردع وتحذير.. 4 رسائل من الجيش الجزائري للتهديدات الخارجية والداخلية
ورغم تأكيد بيانات وزارة الدفاع الجزائرية والخبراء الأمنيين على أن الإرهاب يلفظ أنفاسه في الجزائر، إلا أن تحرك الجيش في أكثر من منطقة لدك معاقل الإرهاب حمل في طياته تساؤلات عن "دلالات الخطاب الرسمي بوجود مخاطر عظيمة وبأنها مستهدفة" "وأي سيناريوهات تُحضر للجزائر" في المرحلة المقبلة دفعت قواتها المسلحة لاستباق الأحداث بعمليات عسكرية نوعية كشفت عن أسرار خطرة.
تصريحات نارية
وبدا واضحاً وفق الخبراء الأمنيين، بأن التصريحات القوية وغير المسبوقة الصادرة عن الرئاسة أو المؤسسة العسكرية في الأشهر الأخيرة وكثرة الاجتماعات الأمنية والعسكرية لكبار المسؤولين، توحي بوجود "حالة من الاستنفار القصوى" في الجزائر.
استنفار ترجمته تصريحات وبيانات السلطات الجزائرية خصوصاً "التحذيرية والرادعة" منها على ما تعتبره "الأوضاع الخطرة المحيطة بالبلاد"، وحديثها في مناسبات عدة عن "وجود أطراف دولية تسعى لزعزعة استقرار البلاد ووضعها بين كفي كماشة التوترات الأمنية" التي باتت ما يشبه الأمر الواقع بكثير من الدول المحيطة بالجزائر على رأسها ليبيا ومالي.
كما كان لافتاً حديث قائد الجيش الجزائري عن "القوة التي باتت تمتلكها القوات المسلحة"، وهو ما اعتبره الخبراء رسائل "لدول أكثر منها للتنظيمات الإرهابية الناشطة بالمنطقة".
وحددت وزارة الدفاع الجزائرية بشكل غير مسبوق عبر مجلتها الشهرية "الجيش"، "نوعية الخطر" الذي يستهدف البلاد في 3 أطراف داخلية وخارجية، وصفتها بـ"عناوين مشفرة" لخصتها في "التهديدات، أو مجرد النية بالتهديد، أو أي تحالفات ضد الجزائر".
كما أكدت المؤسسة العسكرية الجزائرية بأن 2021 "سيكون عام القضاء على فلول الجماعات الإرهابية من البلاد".
وخلال أول اجتماع للمجلس الأعلى للأمن الجزائري خلال العام الجديد، دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الجيش والحكومة لـ"أخذ الحيطة والحذر" لتمكين البلاد من مواجهة تحديات 2021، خاصة مع التطورات الإقليمية المحيطة بالجزائر.
عمليات عسكرية استباقية
جدية التحذيرات الرسمية في الجزائر، تأكدت أكثر مع ظهور قائد أركان الجيش الجزائري في مسرح العملية العسكرية الاستباقية بمرتفعات ولاية "تيبازة" القريبة من العاصمة في مشهد غير مألوف حتى خلال سنوات تغول الجماعات الإرهابية فترة تسعينيات القرن الماضي.
ظهور عكس بحسب المراقبين أهمية ودقة العملية العسكرية وخطورة المجموعة الإرهابية المتمركزة قرب العاصمة، ورسالة مباشرة على تعامل الجيش الجزائري مع خطر فلول الجماعات الإرهابية بالاستراتيجية ذاتها في تعاملها مع الخطر الإرهابي سنوات التسعينيات.
وقاد الجيش الجزائري عدة عمليات عسكرية استباقية بما يعرف بـ"المعاقل التقليدية" للجماعات الإرهابية منذ فترة العشرية السوداء، والمعروفة في المناطق الجبلية الشمالية، والتي امتدت إلى المناطق الحدودية الجنوبية مع مالي والنيجر والشرقية مع ليبيا وتونس.
وفي ظرف شهرين، نفذت القوات المسلحة الجزائرية عدة عمليات عسكرية وأمنية بمرتفعات ولاية جيجل وتيبازة وخنشلة وتيزيوزو وبومرداس وتمنراست ووادي سوف، أسفرت عن القضاء على 10 إرهابيين وضبط كميات هائلة من الأسلحة الحربية بينها صواريخ مضادة للطائرات وكميات كبيرة من الهواتف النقالة المجهزة بقنال تقليدية الصنع تمهيدا للقيام بعمليات انتحارية.
صفقة مالي.. نقطة التحول
وكشف خبراء أمنيون جزائريون في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" بأن الضربات الاستباقية الأخيرة للجيش الجزائري ضد معاقل فلول الجماعات الإرهابية المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة الإرهابي في منطقتي "جيجل" و"تيبازة" جاء بناء على عدة معطيات أمنية أجمعوا على وصفها بـ"الخطرة والمفصلية".
وأشار الخبراء إلى أن تحرك الجيش الجزائري بعمليات عسكرية واسعة وضخمة تزامنت مع حدثين أمنيين بارزين شهدتهما منطقة الساحل، وهما مبايعة أمير جديد للتنظيم الإرهابي المسمى "القاعدة ببلاد المغرب" وهو "أبو عبيدة يوسف العنابي" من أصول جزائرية.
وكذا صفقة تبادل الأسرى بين الحكومة المالية والتنظيم الإرهابي "نصرة الإسلام" حيث تم الإفراج عن أكثر من 200 إرهابي خطر غالبيتهم من أصول جزائرية ومحل بحث من قبل الأجهزة الأمنية الجزائرية منذ عدة سنوات لارتكابهم أعمالاً إرهابية في البلاد، وهي الصفقة التي انتقدتها الجزائر وأدت إلى توتر جديد في العلاقات مع باريس.
وأكد الخبراء الأمنيون بأن توقيف الجيش الجزائري 3 إرهابيين خطرين في الفترة الماضية شكل الضربة القاضية لمحاولة تنظيم القاعدة الإرهابي إعادة نشاطه في الجزائر، وتنفيذ عمليات إرهابية استعراضية تستهدف مقار حساسة.
اثنان من الإرهابيين الذين تم توقيفهم من المفرج عنهم في صفقة مالي، وهما الإرهابي المسمى "الحسين ولد عمار ولد مغنية" والإرهابي "مصطفى درار"، بالإضافة إلى الصيد الثمين المتمثل في الإرهابي الخطر المدعو "أحسن زروقان" المكنى "أبو الدحداح" الذي اعتقله الجيش الجزائري خلال عملية عسكرية بمرتفعات جيجل في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأجمع الخبراء الأمنيون بأن الإرهابيين الثلاثة كانوا "صيدا ثميناً" للجيش الجزائري، قدموا اعترافات مثيرة عن مخطط تنظيم القاعدة الإرهابي لاستهداف الجزائر، مستفيدا من عائدات صفقة مالي المالية.
أهداف وأسباب إستراتيجية
وأكد الخبير الأمني أحمد كروش في حديث لـ"العين الإخبارية" بأن "الجيش الجزائري مصمم على اقتلاع جذور الإرهاب من البلاد"، لكنه قلل في المقابل من خطورة الوضع.
ووصف "كروش" تكثيف الجيش الجزائري من تحركاته وضرباته ضد الإرهاب بـ"العمل الروتيني اليومي، من خلال متابعة مسار الإرهابيين واستغلال المعلومات الموجودة لتمشيط وتطهير المناطق من الوجود الإرهابي".
الخبير الأمني ربط سرعة تحرك الجيش الجزائري بصفقة تبادل الأسرى بمالي، وقدر ذلك بأن "الجيش والأجهزة الأمنية استغلت المعلومات المتحصل عليها من الإرهابيين الذين ألقي عليه القبض، ساعدت في تلك العمليات العسكرية النوعية، أبرزهم الإرهابي أبو الدحداح".
وتابع قائلا "أن هذه العمليات الاستباقية للجيش الجزائري أثبتت بأن التمويل المالي الذي وصل للجماعات الإرهابية يؤكد خططهم لعودة النشاط بالجزائر، وأكدت مرة أخرى خبرة الجيش الجزائري في معرفة تكتيك الجماعات الإرهابية في التنقل والاشتباك والاختباء والاتصال".
واستبعد في المقابل أن يكون تمركز الإرهابيين بمحاذاة العاصمة "هدفه تنفيذ عمليات إرهابية بها، وإنما زعزعة الأمن بأي منطقة معتمدين في ذلك على الصخب الإعلامي، والعاصمة الجزائرية كما كل المدن وحتى القرى أصبحت عصية عليهم، نتيجة الضربات الاستباقية واستغلال المعلومات".
واعتبر بأن معاقل الإرهابيين هي "معاقل تقليدية وتكتيكية منذ عدة سنوات لفلول الإرهاب نتيجة الطبيعة الجبلية والغابية التي تمكنهم من الاختباء
وكشف الخبير الأمني أن اختيار الإرهابي من أصول جزائرية "أبو عبيدة يوسف العنابي على رأس تنظيم "القاعدة" ببلاد المغرب العربي يهدف لـ"إنعاش العمليات الإرهابية في المنطقة بما فيها الجزائر، والداعمين للإرهاب يشترطون تنفيذ عمليات إجرامية لزعزعة الاستقرار بالمنطقة التي يريدونها".
وشدد على أن يقظة الجيش الجزائري "حالت دون تنفيذ تلك الجماعات الإرهابية من يقف ورائها مخططاتهم الإجرامية في العمق الجزائري".
وعاد الخبير الأمني في تصريحه للظروف الأمنية المحيطة بالجزائر والتي قال إنها "لم تأت عبثاً بدأ بإسقاط نظام القذافي بليبيا وفك أجهزته الأمنية وجيشه، فإن الجيش الجزائري كان يدرك المآلات التي كان ستسير عليها المنطقة وكذا في مالي وتونس، ولولا قدرة الجيش الجزائري على تأمين الحدود لكان لها نصيب من الفوضى التي تركها الوضع بليبيا".