صيد ثمين بقبضة الجزائر.. التنظيمات الإرهابية تلفظ أنفاسها
جاء إعلان الجيش الجزائري عن توقيف 5 إرهابيين ليؤكد على دور العمليات الاستباقية في اندثار التنظيمات المتطرفة وشل نشاطها بالبلاد.
وقالت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إن مفارز (وحدات) للجيش نفذت خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري عمليات أمنية شملت عدة محافظات.
- تفاصيل عملية "جيجل" بالجزائر.. ضربة موجعة للقاعدة
- الجزائر 2020.. دسترة المهام الخارجية وعمليات تستبق التهديدات
وأسفرت العمليات العسكرية عن توقيف 4 عناصر دعم للجماعات الإرهابية في محافظات خنشلة (شرق) وورقلة والأغواط (جنوب)، كما كشفت ودمرت 3 قنابل تقليدية الصنع بكل من ولايتي بومرداس (وسط) وسيدي بلعباس (غرب).
في السياق ذاته، كشفت "الدفاع الجزائرية" عن استسلام إرهابي خطر يدعى "محمد مهري" المكنى بـ"رويبح" بالناحية العسكرية السادسة في محافظة تمنراست الواقعة على الحدود مع دولة مالي.
وأشارت إلى أن الإرهابي الذي سلم نفسه كان قد التحق بالجماعات الإرهابية عام 2011، وضبطت بحوزته كميات كبيرة من الأسلحة.
ومع بداية الشهر الحالي، نفذ الجيش الجزائري عملية عسكرية واسعة واستباقية لازالت متواصلة ضد معاقل فلول تنظيم القاعدة الإرهابي شرقي البلاد، وتمكن من تصفية 3 إرهابيين بمرتفعات ولاية جيجل الواقعة شرقي البلاد.
"العين الإخبارية" ترصد أبرز التنظيمات المتطرفة في الجزائر ودور الأجهزة الأمنية في دحرها وشل نشاطها.
القاعدة تلفظ أنفاسها بالجزائر
وأكد خبراء أمنيون على أن العملية العسكرية الأخيرة للجيش الجزائري في مرتفعات "جيجل" شكلت ضربة قاصمة لما يعرف بـ"تنظيم القاعدة ببلاد المغرب" الإرهابي الذي بدأ نشاطه من الجزائر سنة 2006، بعد مبايعة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الإرهابية لتنظيم القاعدة الأم.
وقاد التنظيم الإرهابي منذ نشأته بالجزائر الإرهابي عبد الوهاب درودكال الذي كان يعد أخطر إرهابي في البلاد، وتمت تصفيته في يونيو/حزيران الماضي على يد قوات فرنسية شمال مالي.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، واصل الجيش الجزائري حربه على الجماعات الإرهابية النشطة على الأراضي الجزائرية للقضاء عليها، والتي تتبع في معظمها تنظيم القاعدة الإرهابي، بعد أن تلقى تمويلا مالياً وعسكرياً كبيرا من "جهات أجنبية" وفق المعلومات التي كشفت عنها السلطات.
وتمكنت الجزائر من إلحاق خسائر فادحة في صفوف المجموعات الإرهابية المتوزعة على عدة مناطق، ركزت فيها على التحصن داخل المرتفعات الجبلية، خصوصاً في مناطق شرقية مثل: جيجل وسكيكدة، وتبسة، وباتنة، وأم البواقي، فيما كانت أخطر منطقة بين ولايات تيزيوزو وبومرداس والبويرة التي كانت أول "مثلث للموت" نصبه الإرهابيون بعد تمركزهم بجبال المنطقة.
وفي وسط البلاد، شكلت المجموعات الإرهابية ما سمي منذ تسعينيات القرن الماضي أو ما عرف بـ"العشرية السوداء" بـ"ثاني مثلث الموت" المحيط بالعاصمة، والذي يشمل ولايات: المدية والبليدة وعين الدفلى، حيث ارتكبت أبشع مجازر الإرهابيين ضد المدنيين العزل.
كما امتد نشاط الجماعات الإرهابية مع بداية الألفية الجديدة إلى جنوب الجزائر، خصوصاً عبر الحدود مع دولتي النيجر ومالي، قبل أن يعود للتمدد باتجاه الحدود الليبية.
وأشارت تقارير استخباراتية غربية إلى ضلوع إرهابيين من جنسية جزائرية منتمين لتنظيم "القاعدة ببلاد المغرب" في عمليات خطف لأجانب في الجزائر ومنطقة الساحل، مقابل حصولهم على فديات بمبالغ ضخمة من بعض الدول الغربية.
وفي العقد الأخير وخصوصاً بعد الاعتداء الإرهابي على منشأة "تيغنتورين" الغازية بمنطقة "عين أميناس" جنوب البلاد الذي تبناه تنظيم القاعدة، كثف الجيش الجزائري عملياته العسكرية ضد معاقل فلول التنظيمات الإرهابية وفق استراتيجية أمنية جديدة مبنية على العمليات الاستباقية، أسفرت عن القضاء على عشرات الإرهابيين.
ومنذ ذلك الوقت، لم تنشط جماعات إرهابية بأسماء جديدة، حتى أن بيانات وزارة الدفاع الجزائرية تحدثت عن "فلول الجماعات الإرهابية" التي باتت متشرذمة بين المرتفعات الجبلية، وسط تضييق للخناق على نشاطها.
ومع تزايد النشاط والتهديد الإرهابي على حدود الجزائر مع ليبيا ومالي والنيجر وتونس، كثفت وحدات الجيش من عملياتها الأمنية ورفعت مستوى التأهب إلى الدرجة القصوى.
بيئة وعرة على الإرهاب
وأشارت قيادة أركان الجيش إلى سعيها لـ"فرض تأمين شامل لكافة حدود البلاد، ومنع تسلل الإرهابيين وتمرير الأسلحة وكل ما له علاقة بالنشاط الإرهابي".
وأكدت الخارجية الأمريكية على فرضية اندثار الجماعات الإرهابية بالجزائر وشل نشاطها من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية في الأعوام الأخيرة، وشددت على أن الجزائر "تظل بيئة عملياتية وعرة على المجموعات المتطرفة المسلحة في المنطقة".
وأشاد تقرير صدر عنها في يونيو/حزيران الماضي، بعنوان "الجزائر واصلت مجهوداتها الحثيثة للوقاية من النشاطات الإرهابية داخل حدودها" بقدرة الجيش الجزائري على تحييد قدرات المجموعات الإرهابية.
وأبرز التقرير فشل الإرهابيين في تنفيذ عمليات إرهابية منذ 2019 على الأراضي الجزائري، واعتمدت على ملاحظات خبراء أمنيين، خلصت إلى أن "الوتيرة المنتظمة لعمليات التمشيط التي يقوم بها الجيش قلصت بشكل كبير من قدرات المجموعات الإرهابية على النشاط في الجزائر".
تراجع الإرهاب
وسجلت الجزائر أول عملية إرهابية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1991 بمنطقة "قمار" التابعة لولاية "وادي سوف" الحدودية مع ليبيا، نفذها الإرهابي الإخواني نقية محمد البشير المكنى بـ"عبد الحق أبو الخباب" الذي كان من مؤسسي "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" الإخوانية المحظورة.
وذكر الإعلام الرسمي الجزائري حينها أن عملية القضاء على الإرهابي التي تمت في ديسمبر/كانون الأول 2011 تمت بعد أن كان في مهمة إمداد الإرهابيين بالجزائر بأسلحة جاء بها من ليبيا بالتنسيق مع جماعات إرهابية ناشطة بالساحل.
ويلاحظ من ذلك، أن دخول التنظيم الإخواني في العمل الإرهابي المسلح بدأ حتى قبل وقف المسار الانتخابي أوائل 1992 والذي كان حجة من جماعة "عباسي مدني وعلي بلحاج" لرفع السلاح ضد قوى الجيش والأمن.
وقاد "جيش الإنقاذ" الجناح المسلح للجبهة الإخوانية المحظورة بدايات العمل الإرهابي في الجزائر، قبل أن ينشطر إلى "الجماعة الإسلامية المسلحة" الإرهابية المعروفة بـ"GIA" وكذا "الجيش الإسلامي للإنقاذ" "AIS"، ودخلا في صراع مسلح بينهما على زعامة العمل الإرهابي المسلح في الجزائر.
ومع مجيء الإرهابيين عنتر زوابري وجمال زيتوني ونبيل صحراوي وحسان حطاب وعبد الرزاق البارا عبد المالك درودكال تبلورت فكرة توحيد الجماعات الإرهابية بالجزائر.
وحدث ذلك عام 2004 بعد تأسيس "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بقيادة الإرهابي درودكال، قبل أن تتم مبايعة تنظيم القاعدة في 2006 وإعلان فرع لها في منطقة المغرب العربي امتد فيما بعد إلى الساحل والصحراء.
ووفق خبراء أمنيين فإن بقايا الجماعات الإرهابية النشطة في الجزائر "تمثل بعضها امتداداً للجماعة السلفية للدعوة والقتال وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب".
ومع تحييد نشاط الإرهابيين المنتمين لتنظيم القاعدة، لم تتمكن بقية التنظيمات الإرهابية من استقطاب عناصر جديدة في صفوفها داخل الجزائر، وزادت ضربات الجيش من الحد من إضعاف نشاطها المسلح.
وتظهر بيانات وزارة الدفاع أن معظم الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم أو سلموا أنفسهم في العقد الأخير التحقوا بالجماعات الإرهابية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي أو أوائل الألفية الحالية
فيما يذكر الخبراء الأمنيون أن متوسط عمر هؤلاء الإرهابيين في حدود 39 سنة، وهو ما يدل – بحسبهم – على عدم قدرتهم على تجنيد عناصر جديدة في صفوفهم.
داعش.. الخطر المجهول
أما تنظيم داعش الإرهابي فقد برز للمرة الأولى بالجزائر في سبتمبر/أيلول 2014، عقب قيام جماعة إرهابية أطلقت على نفسها "جند الخلافة" بخطف وذبح المواطن الفرنسي "إيرفي غورديل" بمرتفعات ولاية تيزيوزو، بعد أيام من مبايعتها داعش.
وبدأ نشاط "جند الخلافة" بـ15 إرهابياً قادهم الإرهابي "عبد المالك قوري" المكني بـ"خالد أبو سليمان"، واختار معقل تنظيم القاعدة للإعلان عن أول عملية إرهابية لداعش بالجزائر، وكان ذلك بما يوصف أمنياً بـ"مثلث الموت" التي يضم ملتقى 3 محافظات وهي "تيزيوزو وبومرداس والبويرة".
وكان الإرهابي "قوري" أحد عناصر "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" قبل أن يتم توقيفه وسجنه 5 سنوات نهاية التسعينيات، قبل أن يلتحق بالإرهابيين من جديد ويؤسس "كتيبة الهدى" ثم "كتائب الوسط" بولاية بومرادس القريبة من العاصمة، ثم التحق بـ"الجماعة السلفية للدعوة والقتال" "مستشاراً" لزعيمها الإرهابي عبد المالك درودكال.
وفي مارس/أذار 2015 تمكنت "وحدة الصيادين" التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب بالجزائر والمختصة في "اصطياد أمراء الجماعات الإرهابية" من القضاء على زعيم "جند الخلافة" الإرهابي عبد المالك قوري مع اثنين من أتباعه.
فيما تمكن الجيش الجزائري من توقيف بقية عناصر التنظيم الإرهابي، والذين اعترفوا بقيامهم بعمليات إرهابية استهدفت قوات عسكرية في موريتانيا والنيجر ومالي قبل دخولهم إلى الجزائر.
وتلقى عناصر "جند الخلافة" وفق اعترافات الإرهابيين الموقوفين، تدريبهم في شمال مالي على يد الإرهابي مختار بلمختار المكنى "بلعور" والذي قتل في غارة جوية أمريكية في الجنوب الليبي عام 2015.