رحيل المطرب العالمي الجزائري إيدير.. "أيقونة الأغنية الأمازيغية"
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يقدم التعزية عبر حسابه الرسمي على تويتر، قائلا "بلدنا فقد أحد أهراماتها"
توفي ليلة السبت، الفنان الجزائري والأمازيغي حميد شريات المشهور بلقب "إيدير" عن عمر ناهز 71 سنة بمستشفى "بيشا سان كلود برنار" في العاصمة الفرنسية باريس، بعد معاناة طويلة مع مرض عضال بعد مشوار فني قارب نصف قرن.
ويعد الفنان الجزائري إيدير من أقدم وأشهر الفنانين الأمازيغ في الجزائر، وكان أول فنان أمازيغي ينقل هذا النوع الغنائي إلى العالمية، خاصة بعد أدائه أغانٍ ثنائية مع فنانين عالميين، واشتهر بعدة أغانٍ أبرزها "أسندو" و"أفافا إينوفا" التي ترجمت إلى 23 لغة.
وقدم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون التعزية عبر حسابه الرسمي على تويتر، قائلا "الجزائر فقدت أحد أهراماتها".
47 عاما من النجاح الفني
الفنان الأمازيغي الجزائري إيدير من أقدم وأشهر فناني الأغنية القبائلية الأمازيغية في الجزائر، يسميه النقاد "سفير الأغنية الأمازيغية الجزائرية إلى العالم"، واسمه الحقيقي حميد شريات، ولد عام 1949 بقرية "آيت لحسن" التابعة لمحافظة تيزيوزو الجزائرية الواقعة شرق البلاد.
تذكر شهادات معارف الفنان الراحل أن أحدا منهم لم يكن ليتوقع أن يصبح موسيقيا وفنانا جزائريا وعالميا مشهورا، حيث تخصص في الجيولوجيا بدراسته الجامعية ثم أستاذا للعلوم الطبيعية.
وانتقل عام 1973 إلى منطقة حاسي مسعود جنوبي الجزائر للعمل، على الرغم من أن بوادر موهبته الفنية ظهرت وهو في الـ9 من عمره حينما كان يعزف على القيتارة، غير أن عمله في الصحراء الجزائرية كان بداية لولوج عالم الفن من أبوابه الواسعة، حيث كان يؤدي بعض الأغاني لرفاقه في العمل.
استمد الفنان الراحل موهبة الغناء وكلماتها من الأغاني التي كانت ترددها والدته ونساء منطقة القبائل، حتى إنه صرح لوسائل إعلام جزائرية منذ عدة سنوات بأنه تشبع "بأجواء ساحرة من أمسيات تحييها الحكايات والألغاز، في مجتمع تهيمن عليه الثقافة الشفاهية، فإن للكلمة قيمة كبرى".
أول الأغاني التي سجلها وانتقلت إلى العالمية بعد أكثر من عقدين كانت أغنية "أفافا إينوفا" عام 1973، ثم سجل ألبومه الثاني عام 1979 بعنوان "أياراش إناغ"، قبل أن يقرر "عشقه للفن الأمازيغي" الهجرة إلى فرنسا.
وفي عام 1991 سجل 17 أغنية، ثم عاد في 1993 بعمل فني أدخله العالمية مع فرقة "بلو سيلفيري"، إذ استعمل للمرة الأولى آلات موسيقية من التراث الجزائري والأمازيغي والعربي بينها القيثارة والناي و"الأورق" و"الدربوكة"، كما سجل أغنية مع الفنان العالمي "آلان ستيفان" بعنوان "اسالتين".
وفي عام 1999 تمكن الفنان الجزائري إيدير من جمع عدد كبير من الفنانين والموسيقيين العالميين لتسجيل أغنيته الشهيرة "أفافا إينوفا"، بينهم الفرنسيان ماني شاو وماكسيم فورستي والإيرلندي كارن ماتيسون وفرقتا "قناوى Diffusion" و"زيدة" الجزائريتان، والإنجليزيين جيل سيرفات ودان ارمبراز، والأوغندي جيوفري أوريما وفرقة "onb".
أما آخر ألبوم سجله الراحل إيدير فقد كان في أبريل/نيسان 2019 بعنوان "هنا وهناك"، أدى فيه أغاني ثنائية مع عدد من الفنانين العالميين، بعضها باللغة الفرنسية.
"أفافا ينوفا".. قصة "سندريلا الجزائر" المترجمة لـ23 لغة
قد تكون صدفة أن تكون أول أغنية يؤديها الفنان الأمازيغي إيدير هي أفافا ينوفا أو "أبي أينوبا" عام 1973، فكانت أول أغنية يسجلها في مشوراه الفني باستوديوهات التلفزيون الجزائري.
ظهرت مع هذه الأغنية موهبة إيدير في التلحين، فسجل أغنية أفافا ينوفا بلحنه وصوته، وأعطاها نوعا مميزا جدا في الموسيقى، استمد كلماتها من التراث الأمازيغي الجزائري، وجعلها أغنية عالمية حتى قبل ظهور فن الراي الجزائري، وكانت بذلك أول أغنية من شمال أفريقيا تصل إلى العالمية.
عام 1976، أطلق الفنان إيدير أول ألبوم له، تضمن الأغنية الأولى له والأكثر شهرة في الجزائر وخارجها، وهي أفافا ينوفا، لتكون بداية للفنان نحو إطلاق ألبومات أخرى اكتسح بها سوق الأغاني في الجزائر، ونافس من خلالها كبار فناني الأغنية الأمازيغية في الجزائر.
ويزخر التراث الفني الجزائري بالكثير من الأساطير المنبعثة من عمق التاريخ الأمازيغي في الجزائر، وقصة أغنية أفافا ينوفا واحدة من تلك الأساطير الأمازيغية التي لم يحدد تاريخها بالضبط، لكنها تمتد لعشرات القرون.
كثير ممن قرأ القصة، شبه بطلتها بساندريلا، فكانت أغنيته عن "ساندريلا الجزائرية الأمازيغية"، وهي أسطورة تحكي قصة فتاة أمازيغية تدعى "غريبا" ووالدها العجوز ووحش في الغابة، وهي قصة مليئة بعبر التضحية والعطاء اللامحدود.
وقد يكون سر نجاح أغنية "أفافا ينوفا" أو "أبي إينوفا" كلماتها الممزوجة بين حوار يدور بين الابنة "غريبا" ووالدها "إينوفا"، وبين وصف لنمط معيشي في مجتمع أمازيغي، يعيش بين الجبال وتحت قسوة الطبيعة، زادها جمالا وشهرة صوت الفنان إيدير والموسيقى الهادئة التي اختارها، المستمدة من الطابع القبائلي الأمازيغي الجزائري.
وتعد "أفافا ينوفا" هي الأغنية الأمازيغية الوحيدة في شمال أفريقيا التي تم ترجمتها إلى 23 لغة، بينها العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والصينية والألمانية.
رمز أمازيغي.. بعيد عن السياسة
لم يكن الفنان القبائلي إيدير "فنان السياسة"، رغم الحراك الأمازيغي الذي انطلق في منطقة القبائل الجزائرية في سبعينيات القرن الماضي، ويقول المقربون منه "إنه أقل ميولا للسياسة"، وفضل الالتصاق بفنه، على الرغم من أنه كان صديقا للفنان السابق فرحات مهني صاحب النزعة الانفصالية.
لم يقاسم إيدير النظرة السياسية مع كثير من فناني القبائل، في فنه أو في مواقفه، وبقي بعيدا عن الأضواء السياسية، وفضل أضواء العالمية بعد أن نجح في إحياء التراث الأمازيغي الجزائري بأغانٍ ملتزمة، دعت كثير منها أجيال اليوم إلى التمسك بالأرض وبالهوية، تاركا مسافة شاسعة بين فنه وسياسة وطنه.
aXA6IDMuMTI4LjMxLjIyNyA= جزيرة ام اند امز