في ذكرى رحيل صاحب الرباعيات.. صلاح جاهين "مصنع مواهب"
لا يزال أوبريت الليلة الكبيرة الذي كتبه جاهين ولحنه سيد مكاوي لمسرح العرائس إخراج صلاح السقا هو أشهر أوبريت للعرائس في مصر.
حلت، الثلاثاء، الذكرى الـ34 لرحيل الشاعر المصري صلاح جاهين (25 ديسمبر/كانون الأول 1930 - 21 أبريل/نيسان 1986) أحد أشهر الشعراء المصريين وأكثرهم شعبية في النصف الثاني من القرن العشرين.
ويمثل جاهين في تاريخ الثقافة العربية ظاهرة فنية متكاملة، فهو الشاعر ورسام الكاريكاتير والممثل وكاتب الأفلام والأوبريتيات الغنائية والفوازير والصحفي الذي تولى رئاسة تحرير مجلة "صباح الخير" إحدى أعرق المجلات المصرية وأكثرها شهرة.
واللافت أنه أدى كل هذه المهام بإجادة كاملة وبلغ فيها الذروة التي يندر لفرد واحد أن يبلغها وكأنه "مصنع مواهب بأكثر من خط إنتاج"، وتحولت صورته إلى أيقونة ارتبطت بها أجيال متوالية أحبت إنتاجه الإبداعي.
بدأ جاهين شهرته كشاعر شعبي يكتب بالعامية المصرية وكان قبل دراسته بكلية الحقوق يدرس في الفنون الجميلة ويكتب بالعربية الفصحى إلى أن وقع في يديه ديوان: "أحرار وراء القضبان" أول أعمال شاعر العامية الرائد فؤاد حداد الذي عده أستاذا له وغامر في البحث عنه والارتباط بمشروعه الفني.
وبفضل تأثير فؤاد حداد، بدأ جاهين يكتب بالعامية المصرية لكنه خلق لموهبته مسارا متفردا، فشاعرية حداد كانت تعتمد على معرفة وثيقة بالشعر العربي الكلاسيكي وتستفيد من الشعر الفرنسي في طفراته نحو التجديد والحداثة وبفضل معرفته بالفرنسية تمكن حداد من ترجمة أشعار شعراء المقاومة أراغون وبول إيلوار، ولفت نظر جاهين إلى طرائق مختلفة للكتابة.
ولأنه كان يفكر بوعي الرسام أنتج حداد قصيدة تعتمد على صور بصرية بالغة البساطة وفي نفس الوقت تماست هذه الكتابة مع تيار التجديد في قصيدة الفصحى التي كانت تعرف منعطفا جديدا مع ميلاد "قصيدة التفعيلة".
وجاءت سنوات الخمسينيات خلال القرن الماضي لتدمج جاهين ضمن جماعة المثقفين والكتاب الذين آمنوا بمشروع ثورة يوليو في التحرر من الاستعمار والسعي نحو العدالة الاجتماعية والتحق بالعمل كرسام في روزا اليوسف وزامل فيها يوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي ولويس جريس وكامل زهيري ورسامي الكاريكاتير الكبار أمثال أحمد حجازي وصلاح الليثي ونبيل السلمي ورؤوف عياد وبهجت عثمان ومحيي اللباد.
ثم عمل مع أحمد بهاء الدين في مجلة "صباح الخير" عند تأسيسها وصنع منها شهرته البالغة كرسام وشاعر واستطاع من خلال الصفحات التي أشرف على تحريرها اكتشاف عدد كبير من المواهب سواء في الكتابة الشعرية أو في الرسم، فهو الذي قدم عبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب وتولى نشر أعمالهما الأولى في دار نشر "بن عروس" التي أسسها لنشر شعر العامية.
وتولى جاهين رئاسة تحرير "صباح الخير" بعد أن انتقل أحمد بهاء الدين إلى مؤسسة دار الهلال، وكانت الأغنيات التي كتبها للأصوات التي كانت تشق طريقها مثل صباح ونجاة وعبدالحليم حافظ ومحمد قنديل بوابة عبرها إلى المواطنين العاديين الذي تعرفوا إلى اسمه وتابعوا أعماله في الرسم الكاريكاتير وكانت كلها تتسم بالشجاعة الفكرية والجرأة على إظهار انحياز واضح للمرأة ومواجهة دعاوى التطرف والانغلاق.
وانتقل بعدها للعمل كرسام للكاريكاتير اليومي في صحيفة الأهرام وعمل تحت رئاسة تحرير محمد حسنين هيكل وتحول باب الكاريكاتير إلى أكثر أبواب الصحيفة شعبية وظل جاهين يقدم رسوماته وأشعاره إلى أن أقعده المرض.
وفي هذا المناخ الحيوي الفاعل بالتحولات شارك جاهين كممثل في عدة أعمال منها فيلم "لا وقت للحب" مع المخرج صلاح أبوسيف بطولته فاتن حمامة عن قصة ليوسف إدريس وفي فيلم "اللص والكلاب" مع كمال الشيخ عن قصة لنجيب محفوظ و"المماليك" مع عمر الشريف.
وتوالى شغف صلاح جاهين بالسينما وشارك في كتابة عدة أفلام أشهرها "عودة الابن الضال"، و"أميرة حبي أنا " وكتب منفردا فيلم "خلي بالك من زوزو" أحد أشهر الأفلام المصرية، وبدأ معه ارتباطه الفني بالفنانة سعاد حسني التي كتب لها بعد أكثر من 15 عاما مسلسلها الأخير "هو وهي".
وكتب جاهين عملين من أبرز أعماله هما "الرباعيات" وملحمته الشعرية "على اسم مصر" وقدمت الأولى بألحان سيد مكاوي وصوت علي الحجار، وقدم النص الروائي الكبير يحيى حقي، أما الثانية فقد أداها بصوته الممثل يحيى الفخراني في تجربة مبكرة للكتب الصوتية.
ولا يزال أوبريت الليلة الكبيرة الذي كتبه جاهين ولحنه سيد مكاوي لمسرح العرائس إخراج صلاح السقا وعرائس ناجي شاكر هو أشهر أوبريت للعرائس في مصر.
تزوج صلاح جاهين مرتين، زوجته الأولى "سوسن محمد زكي" الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها أمينة جاهين وابنه الشاعر بهاء، ثم تزوج الفنانة "منى جان قطان" عام 1967 وأنجب منها أصغر أبنائه سامية جاهين عضو فرقة إسكندريلا الموسيقية.
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4yMjQg جزيرة ام اند امز