مناضلة جزائرية ترفض منصبا رفيعا من تبون.. ما السبب؟
حاربت فرنسا بشراسة، نجت من الإعدام وتفادت الإعلام، ألهمت بيكاسو وفلاسفة في القرن الـ20، وهي اليوم ترفض منصباً رفيعاً.
هي المناضلة الجزائرية "جميلة بوباشا" التي عادت لتصنع الحدث وتعود للواجهة بعد عقود من الاختفاء وسنوات من النضال من أجل تحرير بلدها من نير الاحتلال الفرنسي، عقب رفضها منصباً رفيعاً عُرض عليها من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
- "جبهة التحرير" يتصدر تجديد مجلس الأمة بالجزائر
- "لصون كرامتهم".. صرف إعانة بطالة للشباب في الجزائر: كم تبلغ؟
وأصدرت، الأربعاء، المناضلة الجزائرية "جميلة" صاحبة الـ84 عاماً بياناً اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيله، أعلنت فيه رفضها منصب "نائب في مجلس الأمة" (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) بعد أن تم اختيارها من قبل رئيس البلاد عبد المجيد تبون ضمن ما يعرف بـ"الثلث الرئاسي".
وعقب انتخاب أعضاء المجلس الأسبوع الماضي من قبل أعضاء المجالس المحلية، يمنح الدستور الجزائري صلاحية لرئيس البلاد بتعيين ثلث أعضاء الغرفة التشريعية، ويتم اختيارهم عادة من بين الشخصيات الوطنية أو الدبلوماسية التي قدمت إسهامات لبلدها.
وأكدت المناضلة "جميلة بوباشا" في بيانها على أنه في "أعقاب المعلومات التي أذاعها التلفزيون الجزائري في نشرة الأخبار عن قائمة الثلث الرئاسي في مجلس الأمة التي جاء فيها اسمي من بين الشخصيات التي تم اختيارها لمنصب عضو في مجلس الشيوخ".
وتابعت: "أود أن أوضح رأيي في هذا الموضوع، بأنني رفضت هذا الاقتراح الذي قدمته لي الجهات الرسمية، شاكرة إياهم على الثقة التي وضعوها بي".
وبررت المناضلة موقفها المفاجئ بتوضيح للرأي العام الجزائري قالت فيه: "لقد خدمت بلدي مع إخواني وأخواتي كمجاهدين واستأنفت حياتي منذ ذلك الحين كمواطنة وأريد أن أبقى كذلك".
ومنذ استقلال الجزائر عام 1962، بقيت المناضلة جميلة بوباشا بعيدة عن الأضواء وعن وسائل الإعلام، وهذه المرة الأولى التي تعرض فيها السلطات الجزائرية على "جميلة" منصباً رسمياً في البلاد.
وأكد مراقبون بأن رغبة الرئيس عبد المجيد تبون في تعيينها عضوا بمجلس الأمة هدفه "إعادة الاعتبار لها" بعد عقود من التهميش، وكذا في إطار السياسة الجديدة التي تبنتها الجزائر منذ تولي تبون الحكم بإعادة تصحيح أخطاء مع شخصيات ثورية وعسكرية وسياسية.
ويحفل تاريخ جميلة بوباشا بالبطولات، رغم أن اسمها ليس معروفاً عند كثير من الجزائريين بالمقارنة مع أسماء أخرى مثل جميلة بوحيرد وغيرها، فمن هي "الجميلة" الأخرى التي رسمت مجدا آخر في تاريخ الجزائر؟ وذاع صيتها خارج البلاد وكانت ملهمة رسامين وفلاسفة.
من هي جميلة بوباشا؟
جميلة بوباشا مناضلة ومقاومة جزائرية ضد الاحتلال الفرنسي (1954 – 1962)ـ ولد في 9 فبراير/شباط عام 1938 بمنطقة "بولوغين" في العاصمة الجزائرية.
تكونت جميلة في مستشفى "بني مسوس" بضواحي الجزائر العاصمة كممرضة مطلع خمسينات القرن الماضي، وهو المستشفى الذي كان تحت سلطة وإدارة الاحتلال الفرنسي، الذي رفض منحها "شهادة تكوين" بحكم "دينها وعرقها" وفق ما أكدته شهادات تاريخية سابقة.
مع اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي في نوفمبر/نشرين الثاني 1954، انضمت جميلة لـ"جبهة التحرير" الذي كان يمثل الجناحين العسكري والسياسي للثورة وممثلا للشعب الجزائري في المحافل الدولية، وهي في سن الـ17 من عمرها.
وتجندت جميلة في صفوف الجناح العسكري كـ"فدائية لزرع القنابل والمتفجرات في المناطق التي تخضع لسلطة المعمرين"، ولجأت إلى تغيير اسمها إلى "خليدة".
بعد 6 أعوام من النضال، وقعت المقاومة جميلة بوباشا في قبضة جنود الاحتلال الفرنسي مع والدها في 10 فبراير/شباط 1960، وتم وضعها في سجن عسكري.
وذكرت شهادات للمناضلة جميلة، بأن جنود الاحتلال وضعوها تحت التعذيب وأجبروها على الاعتراف بزرع قنبلة في مطعم جامعة الجزائر العاصمة، ونتيجة لفرضها مارس عليها الاحتلال أبشع أنواع التعذيب، لكنها رفضت تقديم معلومات عن مكان تواجد الثوار.
قصة "الشابة" سرعان ما انتشرت في العالم، وتحولت إلى قضية رأي عام حتى في فرنسا الذي صُدم بهول ما تعرضت له شابة من اغتصاب وتعذيب، وكانت قصتها سبباً في تفجر فضائح تعذيب النساء في الجزائر بهدف ترهيب الجزائريين ووأد ثورتهم.
سنة 1961، أصدر القضاء العسكري الفرنسي حكماً بإعدام جميلة بوباشا، إلا أن تفجر فضيحة تعذيبها أجبر سلطات الاحتلال على إلغاء الحكم والإفراج عنها في 7 مايو/أيار، بعد أن شهدت العديد من سفارات فرنسا في العالم حراكاً شعبياً كبيرا من خلال مظاهرات ضغط وتنديد.
وعقب نيل الجزائر استقلالها، رفعت المناضلة جميلة بوباشا دعوى قضائية ضد فرنسا قدمت خلالها أدلة وتفاصيل تعذيبها من قبل جيش الاحتلال الفرنسي، في الوقت الذي وقعت فيه الحكومة الفرنسية خمسينيات القرن الماضي على 3 اتفاقيات دولية بـ"تدين التعذيب".
ملهمة بيكاسو
رغم ابتعادها عن الأضواء، إلا في تاريخ الجزائر "جميلة" أخرى لم تسهم فقط في تحرير بلدها أو صناعة مجده التاريخي، مثل جميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي وغيرهن، كون سمعة وشهرة جميلة بوباشا وصلت إلى مشاهير العالم من الفن التشكيلي والكتاب.
وكان الرسام العالمي "بابلو بيكاسو" من أكثر المعجبين بالمناضلة الجزائرية جميلة، وتأثر بقصتها، وأعجب بصلابتها وشجاعتها، ولم يترك ذلك دفيناً في داخله، بل ترجمه في لوحة فنية تشكيلية أهداها لكتاب مخصص عن المناضلة الجزائرية جميلة بوباشا.
كتاب ألفته محاميتها الفرنسية والتونسية الأصل جيزيل حليمي والفرنسي سيمون دي بوفوار عام 1962 بعنوان "جميلة بوباشا..قصة تعذيب فتاة جزائرية صدمت الرأي الفرنسي الليبرالي".
ولم تكن لوحة بيكاسو كبقية اللوحات التي رسمها، فقد رسمها بـ"قلم الفحم" ووصل سعرها إلى 400 مليون دولار في المزادات العلنية للمصنفات الفنية.
وعام 2007، تم عرض اللوحة الفنية في الجزائر في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية".
كما كان الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي من أكثر المتعاطفين مع المناضلة الجزائرية جميلة بوباشا وكذا الزعيم الصيني ماوتسي تونج.