حكايات جزائرية قديمة.. أسطورة "حب ودم"
تروي هذه الأسطورة منشأ تسمية ناس الأغواط لإحدى الواحات بـ"غدامس".. إنها في الحقيقة قصة أسطورة عن مواجهة بين الحب والحقد.
في إطار عرضها قصصاً "حصرية" من سلسلة "حكايا وأساطير التراث الشعبي الجزائري"، التي تعد من أكثر القصص المشهورة المستمدة من التراث الشعبي لمختلف المناطق الجزائرية، تقدم "العين الإخبارية" قصة جديدة وشائقة لإحدى الأساطير القديمة المرتبطة بأصل تسمية منطقة "غْدامس" الليبية، وعنوان القصة الأسطورة "حب ودم".
حكاية أسطورة "حب ودم"
تروي هذه الأسطورة منشأ تسمية ناس الأغواط (مدينة جزائرية تبعد عن العاصمة بنحو 400 كلم) لإحدى الواحات بـ"غدامس".
قلة من الناس فقط يعرفون القصة الرائعة لواحات غدامس المدينة التوأم لـ"رات" الواقعة على الحدود التونسية الليبية.
يحكي التراث أنه منذ زمن بعيد، بعيد جداً، لم يكن قصر الأغواط على الحال الذي نراه عليه اليوم، بل كان نتاج اتحاد عدة قصور كانت في بادئ الأمر مبعثرة على ضفاف وادي "مزي" مثل قصر "بومندالة"، و"بدلة"، و"قصبة بن فتاح" و"بن بوتة".
وجاء اتحادهم تحت راية واحدة بناء على نصائح سيدي "الحاج عيسى" الذي جمعهم على كلمة واحدة، ولم شملهم بعد أن حل الخلافات بينهم حتى يصبحوا قوة تستطيع رد عدوان البدو الرحل الطامعين في احتلال مواقعهم على ضفاف واد مزي الخصبة.
أثناء هذه الفترة عاش في قصر بن بوتة وليٌّ صالح يدعى "سيدي ناصر"، عرف بعلمه وطيبة قلبه وإشفاقه على الخلق، أما قبُّة ضريحه فتقع اليوم وسط مقبرة البلدية في قلب الواحة.
لشدة تقوى هذا الولي وهبه الله قدرات جعلت قلوب الفلاحين في بن توتة وما جاورها تهوى إليه، لتنهل من بركة دعائه وتشفي مرضاها على يديه بإذن الله، فكم من عاقر أنجبت بعد أن دعا اللهَ لها وكم من سقيم أجرى الله شفاءه على يديه فتضمر تشوهات الأحدب ويمشي الكسيح وينطق الأصم بإذن الله تعالى.
وأنعم الله على الأرض والحيوان، فازدهرت الأغواط بعد أن عمتها بركة الولي الصالح، وصارت فردوساً وجنة على الأرض بأنهارها وثمارها.
لكن هيهات أن تدوم كذلك إلى الأبد وشياطين الإنس تُبيت الشرور، والشيطان الذي حوّل الجنة إلى جحيم كان يدعى "علي بن بلاق" وهو ابن الشيخ "قصبة بن فتاح"، كان الولي لا يميل إليه، وهنا تشكلت العقدة التي جرت بعدها المآسي، فقد كان للولي "سيدي ناصر" ابنة وحيدة ذات جمال لا يضاهى، سعى في خطبتها الكثيرون، لكن "علي بن بلاق" كان أشدهم هياماً بها، تجرَّأ الفتى وطلب يد "جوهرة" من أبيها، غير أن جوابه كان الرفض القاطع:
- "يا لها من وقاحة"، قال الولي الصالح، وقد شحب وجهه من الغيظ والسخط واختنق غضباً، إذ اعتبر إقدام هذا الشاب بالذات على خطبة ابنته الغالية "جوهرة" إهانة له وأقسم أمام الوجهاء الحاضرين أن ابنته وقرة عينيه لن تكون إلا لـ"سعيد بن بو زار" وكان شاباً من "بن بوتة" يتمتع بخصال حميدة لم يجدها الولي في "علي بن بلاق".
جاء رد علي بن بلاق العاشق مخيفاً ومطعوناً بخنجر الغيرة حتى الأحشاء، وهائماً على وجهه بين الألم والغضب، قرر "علي" الانتقام لكرامته: "ستكون لي بالقوة".
وأصبح تحقيق مراده هوساً لا يحيا إلا من أجله، وفي ليلة زفاف "جوهرة" إلى "سعيد" دقت الطبول وتعالت زغاريد النساء تنافسها طلقات البارود، كان علي يظهر الفرح وهو يضمر الشر في توحش، فقد اقترب موعد الثأر.
اجتمع هو ورفاقه الأشرار وتسللوا إلى بيت العريس دون أن يتفطن إلى ذلك أحد، فقد تستر عليهم الليل متآمرا معهم، وبعد أن خلا بيت العرسان من العجائز اللاتي أوصلن العروس إلى بيت زوجها وغادر أهل الفتاة، تسارعت فجأة خطى غريبة، وما هي إلا لحظات حتى وجد العريسان في مواجهتهما "علي بن بلاق" وجماعته، كان الشرر يتطاير من أعينهم وفي الحال انتزع "ابن بلاق" جوهرة من سعيد ثم أوقعه أرضاً وشق صدره بخنجر ثم استدار إليها وقتلها بقسوة وظن أنه سينجو بفعلته، غير أن صراخاً تعالى في الخارج، إذ كان أهل الولي قد حاصروا القاتل الذي لم يجد مهرباً فدفعه جبنه إلى قتل نفسه.
وبعد هذه الحادثة الأليمة حصلت المعجزة التي منها وُلد اسم "غدامس".
في منتهى ألمه على فقد ابنته بهذه الطريقة الشنيعة، رفع الولي الصالح بكفه حفنة رمل، ثم نفخ فيها فتناثرت ذرات الرمل في الهواء، ثم اتجه إلى السماء ودعا ربه قائلا: "اللهم أنت العلي القدير، شتت شمل أهل بن فتاح كما تبعثرت ذرات الرمل هذه".
وقبل مطلع فجر اليوم التالي استجيب الدعاء، استحال قصر القاتل إلى أرض مقفرة لا حياة بها، اختفى الجميع، الصالح والطالح، البريء والمذنب، جميع سكان "قصبة بن فتاح" اختفوا، لقد رمت بهم قوة خارقة بعيداً عن وادي "مزي" إلى مكان كان في القدم آهلاً بالرومان وتابعاً لأراضي طرابلس بليبيا، وهو يقع على أطراف الهضبة الصخرية ذات اللون الأحمر القاتم التي سميت "حمادة الحمراء" بسبب لونها، هناك وجد الأغواطيون جماعة من سكان جنوب غربي ليبيا تم نفيهم هم أيضا من بلدتهم، لأنهم قتلوا أخا لهم.
سأل هؤلاء القوم الأغواطيين: من أين أتوا؟ ومن هم؟ وإلى أين يتجهون؟ فجاء جواب الأغواطيين غريباً:
"جئنا من وادي مزي، حيث كنا هناك البارحة نتناول غذاءنا..".
ذهل القوم وظنوا أنهم ينتمون إلى "خل السوف" أو الجن أو الشياطين.. وأضافوا: "تغذيتم البارحة؟" "غدامس؟" (أي غداء أمس). ومن هنا جاءت تسمية غْدامس الواحة التي بناها في الأصل الأغواطيون.
aXA6IDE4LjE4OC4xNDAuMjMyIA== جزيرة ام اند امز