القضية أن الله سبحانه وتعالى ورسالته ودينه الإسلام وغير الإسلام أكبر وأعظم من هذه الترهات جميعها.إ
...«سكوت.. حنصور»، هكذا أعلنها أحد الأشخاص كونه كان يعتزم التقاط صورة جماعية مع أحد الأصدقاء، بينما كانت الصورة عبارة عن ذكرى لسهرة جميلة مع العائلة بالنسبة لآخر، لكن للأسف لم تكن الذكرى لتُحفظ إلا في منشورات وسائل التواصل، أو مادة إنسانية تلعب عليها وسائل الإعلام تحت مسمى «آخر سيلفي لضحايا تفجير باريس أو إسطنبول».
فقد حكم هذا الإرهابي على العالم بأكمله بأن تكون صورتهم ذكرى لرحيلهم، وأجبرهم على الخضوع لأفكاره، فبين يديه حزام ناسف، وفي وجدانه قناعة أن فعلته ما هي إلا جهاد في سبيل الله، وأن رسالته لهذا العالم، «سكوت حنفجر»، بعد أن نادى متحمساً «الله أكبر».
«الله أكبر».. لا أستبعد أن يشعر أحدهم بالخوف من أن تنفجر الصحيفة، التي يطالع بها القارئ الغربي كلماتي حال ترجمتها إلى لغتهم، فللأسف تحولت الجملة العظيمة «الله أكبر» لكلمات ذات دلالة ثانية، فأصبحت عنواناً وافتتاحية لأي عملية إرهابية متطرفة، أو عنواناً في أحد الصحف، لتصف دوافع أي إرهابي.
هذا مس لاعظم كلمات الإسلام في تكبيرة الإحرام لإقامة الصلاة، والمناجاة للخالق سبحانه وتعالى وهو بدأ منذ أحداث 11 سبتمبر، حيث ظهر في التسجيلات الملتقطة من الصندوق الأسود للطائرة المختطفة وجود عبارة «الله أكبر»، التي كان يرددها الخاطفون استعداداً وعزماً، لإنهاء مهمتهم بنجاح.
جميع التنظيمات الإرهابية من تنظيم القاعدة وصولاً إلى داعش استخدمت هذه الكلمات العظيمة قدراً ومعنى وكأنها محفز أو مبرر لعملية القتل، وقد شاهدنا الكثير من الفيديوهات، التي أظهر بها تنظيم داعش إجرامية أفعاله سواء بإعدام الناس أو حتى تلك التي دمروا بها المعالم الأثرية، وكيف كانوا يرددون «الله أكبر» قبيل تنفيذ كل عملية.
تخيلوا معي واسترجعوا في ذاكرتكم كيف سينطق لاعب كرة القدم جملة «سجلت هدفاً» أمام الجماهير، التي تتابعه وأمام زملائه ومدربه بعد أن صام عن التسجيل مباريات عدة، وقد تناقلت وسائل الإعلام هذه الحالة ووصفتها بالتحدي الكبير، هذه الحالة مشابهة تماماً لنبرة الحديث التي يتفوه بها الإرهابيون جملة «الله أكبر»، وكأنهم يوجهون رسالة لربنا عز وجل، ها نحن ننفذ ما أمرتنا به، نحن إليك قادمون بنصرنا، وبعزة إسلامنا.
الحكاية أعمق بكثير من مجرد هذه الكلمات، فقضيتنا ليست «الله أكبر»، التي يتفوه بها هؤلاء المجرمون إنما القضية أن الله سبحانه وتعالى ورسالته ودينه الإسلام وغير الإسلام أكبر وأعظم من هذه الترهات جميعها، والإيمان الذي يشعر به هؤلاء ما هو إلا حالة مزيفة صورت في عقولهم على أنها الحقيقة، فلم يعد باستطاعتهم أن يروا غيرها.
إن هذه الكلمات العظيمة لا تستخدم في العمليات الإرهابية فقط، إنما أصبحت كبسة الزر لانطلاق أي صاروخ أو طلقة من فوهة بندقية، ويا ليتها كانت باتجاه عدو حقيقي إنما هي موجهة باتجاه فصيل أو جماعة أو حزب أو تنظيم مخالف لصاحب هذا الفكر، «فالله أكبر» أصبحت حواراً لمشاهد مكررة لاقتتال الطوائف الدينية بين بعضها البعض.
هؤلاء القتلة لم يكتفوا بتشويه صورة الإسلام العامة، بل راحوا يشوهون أدق تفاصيله، فبعد أن كان اللباس الإسلامي واللحية اقتداء برسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصبح عبارة عن صورة لإرهابي، وباتت اليوم كلمات الحق وجمل مفصلية في حياتنا كوننا مسلمين «الله أكبر» أيضاً مشكوك بها، وغير مرحب بها لدى الشعوب والطوائف من الأديان، والثقافات الأخرى.
الإرهاب شوه صورة الإسلام ونحن شوهناها بصمتنا العجيب، ولا أتحدث عني وعنكم، فنحن لا نمثل إلا قلماً وورقة، نحاول إيصال رسالتنا من خلالها، إنما أتحدث عن تلك المؤسسات الدينية، التي ما إن تهمس همسة حتى تتهافت منابر الإعلام، لتسجل وتنشر همسها، ورغم ذلك ما زالت ساكنة صامتة مغيبة وغائبة عن المشهد، وكأن الأمر لا يعنيها، وأن القضية لا ترتبط معها بصلة.
نحن اليوم لسنا بحاجة إلى المزيد من المساجد ولا بيوت تحفيظ القرآن بقدر ما نحن بحاجة إلى بيوت تعلم السلام على أنه رسالة من الإسلام، وتبين للناس أجمعين أن جملة «الله أكبر» هذا معناها الصحيح، وهنا يكون موضعها الحقيقي، وليس ما وصلهم من تصرفات بعض ممن لا يمثلنا، ولكنه يستغل اسمنا، ويتخذ من مفصليات ديننا الحنيف مبرراً وشكلاً لأفعاله.
الإرهاب انتحل شخصية الإسلام بكامل صفاتها وتصرفاتها، وبما أننا نملك الوثيقة الأساسية والأصلية لشخصيتنا الإسلامية، فلنصورها ونقدمها كونها بياناً وتبياناً نثبت من خلالها أننا نتبرأ من هذا الالتصاق، والربط بين الإسلام والإرهاب، وإن كنا نقول ونردد ونتخذ منها شعاراً لنا «الإرهاب لا دين له»، فلنعلنها أن «الإرهاب لا حياة له»، ومهمتنا نحن كوننا مسلمين وكوننا حاملي لرسالة الإسلام «السلام» للأجمعين، وللناس كافة أن نتحمل هذا الحمل، ونمد أيدينا ليس بالسلام فقط، بل بالإسلام، ليصبح من بعدها عنواناً للسلام.
الفكر الإرهابي لا يمكن أن نلغيه بيوم وليلة، فالفكر يحتاج لفكر بديل يأتي محله، فلا يمكننا أن نمحو التطرف من عقول البشر، ونتركها خاوية، بل علينا استبدال التطرف بفكر متصالح متعايش مع الآخر، ومن هنا ستكون البداية لأن نقول «الله أكبر» ونحن فخورون بأنها تعبير لتوحيدنا لله عز وجل، وبيان عظمة الله، الذي هو سبحانه أكبر من كل شيء، والقادر على كل شيء.
"الله أكبر" عليكم أيها المرهبون المرجفون المجرمون، فقد حولتم أطهر كلماتنا لكلمات مشوهة، وطالما بين يديّ قلم، وفي مخزوني كلمات، فسأظل أكتب عن إجرامكم، والله من وراء القصد.
نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة