انهيار البورصات الكبرى يقدم مؤشرا مهما للحساسية العامة تجاه ما يجري، والتوقعات تذهب إلى أن مستوى غير مألوف من الركود
المليارات تتطاير. خمسون هنا. سبعون هناك. مئة هنالك. حتى بلغ الأمر بصندوق النقد الدولي أنه خصص تريليون دولار للتصدي لعواقب "كوفيد-19".
والمال ينفع. إلا أنه لا يحل المشكلة. مفعوله يشبه إلى حد بعيد، قناع الأكسجين في الطائرات لدى مرورها في مطبات جوية مخيفة. الغاية منها هي تهدئة الركاب، والإيحاء لهم بأنهم في مأمن من تلك المطبات. وهذا ليس هو الواقع.
المشكلة الاقتصادية العالمية الأهم حيال "كورونا"، ليست ما إذا كان بوسع العمال والموظفين والشركات أن تحصل على تعويضات أو قروض مؤقتة لتوفير السيولة اللازمة للإنفاق، وإنما في تعطل سلاسل التوريد والتصدير والإمداد. النشاط الاقتصادي برمته يبدو كأنه يقع على ركبتيه.
والأمر لا يتعلق فحسب بالدور الذي تلعبه مصانع الصين، ولا تلبية الاحتياجات الأساسية لمليارات البشر. إنه يتعلق بالشلل الذي يعطل الفاعلية الاقتصادية، ويدفع إلى الاستهانة بعناصر مهمة في النشاط الاقتصادي الدولي والإقليمي والمحلي على حد سواء. أصغر متغير تكنولوجي، أو عامل من عوامل النمو، كان يمكن أن يثير الكثير من التفاعلات، إلا أنه ينحسر الآن إلى الوراء ليبدو كأنه عديم الفائدة.
التنافس بين مختبرات العالم أمر مشروع. وقد يتمكن واحد منها في نهاية المطاف أن يعثر على سبيل، بينما يعثر الآخر على سبيل مختلف. وهذا أمر مشروع، بل إنه ضروري للغاية.
انهيار البورصات الكبرى يقدم مؤشرا مهما للحساسية العامة تجاه ما يجري. والتوقعات تذهب إلى أن مستوى غير مألوف من الركود قد يفرض نفسه على اقتصاديات العالم بأسره.
المال مفيد، إلا أنه لا يكفي. وليس توفره هو الحل.
الولايات المتحدة تنفق الآن عشرات المليارات على أجهزة الفحص لكي يعرف الناس ما إذا كانوا مصابين بالفيروس أم لا. إلا أن الكل يفهم، أو لا يفهم، أن النتائج التي تعطيها هذه الأجهزة مؤقتة فحسب. فالأشخاص الذين يثبت أنهم غير مصابين وقت إجراء الفحص، قد يصابون بعد نصف ساعة، أو حتى دقائق. سوف يحصلون على شعور مفيد بالراحة. ولكن إلى حد هزيل من الناحية الفعلية.
يقال: "ما نفع الركض، إذا كنت تركض في الاتجاه الخطأ؟". ويمكن أن يقال "ما نفع المال، إذا كنت تنفقه في غير مكانه؟".
هناك عنصران هما ما يتوجب التركيز عليهما أكثر من أي شيء آخر: عزل المجموعات السكانية الأكثر عرضة للمخاطر (كبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة). والبحث عن علاج.
الجهود التي تبذلها العديد من حكومات العالم، تبدو كأنها نتيجة من نتائج الاستجابة للذعر العام. ولا أحد يمكنه أن يلوم أحدا على ذلك. كلنا على أي حال نعرف ماذا تعنيه المطبات الجوية، ويتعين علينا أن نضع أقنعة الأكسجين. ولكننا نفعل ذلك الآن كأننا في سرب لا ينتهي من الطائرات وليس كأننا ركاب طائرة واحدة.
قدرة "كوفيد - 19" على التفشي مرعبة بحق. وهي وفرت دليلا جديدا على أننا نعيش في عالم واحد. وإننا بحاجة إلى فهم مشترك وإجراءات منسقة. وسواء أحصينا التكاليف، أم لا، فإن هذه مسألة ثانوية أمام الحاجة، المنسقة، للعثور على علاج.
التنافس بين مختبرات العالم أمر مشروع. وقد يتمكن واحد منها في نهاية المطاف أن يعثر على سبيل، بينما يعثر الآخر على سبيل مختلف. وهذا أمر مشروع، بل إنه ضروري للغاية. فكلما توفر المزيد من الخيارات والبدائل، أمكن افتتاح أفق جديد.
ما نحن بحاجة إليه، كموطني دول، هو أن نتوفر على التوجيه والحماية والرعاية الكافية والحزم المسبق، من أجل محاصرة المرض في أضيق نطاق ممكن. وهذا ما نجحت فيه الصين إلى حد معقول، وهو ما نجحت فيه دول أخرى، مثل الإمارات وألمانيا تبنت مقاربات حماية ورعاية مكثفة، سمحت بتقليص عدد الضحايا إلى أدنى حد ممكن.
ولكن ما نحن بحاجة إليه كبشر يعيشون على كوكب واحد، هو أن يجري هدم الجدران بين مراكز الأبحاث والمختبرات، وأن يتم تبادل المعلومات والتقنيات ونتائج التجارب على نحو يلغي دوافع المكسب الخاص الذي قد تنظر إليه هذه الشركة أو تلك من شركات إنتاج الدواء.
الخطر الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي أبعد بكثير من أي مكسب مادي يمكن أن تحققه أي شركة. والمسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق مؤسسات البحث، والعلماء الأفراد، أكبر بكثير من أي جائزة نوبل قد يحرص على كسبها أي أحد.
المال متاح. والمليارات تتناثر. ولكن يجب ألا يوجد إلا فائز واحد: أمة البشر. أو قل: ركاب الطائرة الواحدة.
سوف نفوز في النهاية. ولكن كلما تراجع عدد الضحايا، أصبح للمال معنى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة