بعد اتفاق العلا.. رؤية إماراتية شاملة لتعزيز التضامن الخليجي
رؤية إماراتية لتعزيز العمل الخليجي بعد "اتفاق العلا"، تستند إلى تجاوز خلافات الماضي، والعمل للمستقبل بنوايا صادقة وخطوات لبناء الثقة.
تلك الرؤية تستند إلى عدد من الأسس والقواعد ظهرت بشكل جلي خلال حوار الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، مع قناة "سكاي نيوز عربية"، مساء الأحد.
وحدد قرقاش، خلال الحوار، محاور رؤية إماراتية شاملة لتعزيز العمل الخليجي المشترك بعد طي صفحة الخلاف مع قطر بموجب اتفاق العلا خلال القمة الخليجية الـ41 التي عقدت في محافظة العلا شمال غرب السعودية 5 يناير/كانون الثاني الجاري.
ترتكز تلك الرؤية على خطوات لبناء الثقة مع تنفيذ جاد وشفاف وصادق لما تم الاتفاق عليه، بشكل يفضي إلى تأسيس قواعد صلبة تحقق انطلاقة جديدة لمجلس التعاون، تتجاوز خلافات الماضي، وتحصن مجلس التعاون ضد أي خلافات مستقبلية.
التنفيذ الصادق والجاد لتلك الرؤية بعد خلاف تجاوز أكثر من 3 سنوات، يتطلب بالضرورة بعض الوقت.
تدعم تلك الرؤية الإماراتية ثوابت تاريخية في تعزيز العمل الخليجي المشترك منذ تأسيس مجلس التعاون في قمة أبوظبي 1981 وحتى اليوم، وتعززها ثقة إماراتية بحكمة وقيادة السعودية وهو أمر لطالما أكدت عليه الإمارات.
بناء الثقة
وأكد الدكتور أنور قرقاش أن اتفاق العلا بين دول الخليج يفتح آفاقا جديدة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في تصريحات لفضائية "سكاي نيوز عربية"، إن قمة العُلا أنهت الخلاف مع قطر، مؤكدا الحاجة في الوقت نفسه إلى خطوات بناء الثقة.
وأوضح: "انتهينا من الخلاف، والإمارات من خلال إعلان العُلا ومن خلال الثقة بقيادة السعودية لهذا الملف أنهت هذا الخلاف".
وتابع: "أعتقد أن هناك حاجة لمخاطبة عواطف الناس وعقولهم. فما من شك أن شعوب الخليج تريد هذه المصالحة وأن تقلب صفحة الخلاف، ولكن العقول أيضا في خلاف ممتد مثل هذا تحتاج إلى خطوات بناء ثقة في المرحلة القادمة".
وأشار إلى أن "فتح الأجواء مع قطر خطوة إيجابية بصفته عامل بناء للثقة"، لافتاً إلى أنه "ليس في مصلحة الدول الأربع وقطر العودة للأزمة مجددًا".
وبين أن "عودة القاطرة الخليجية لزخمها المعتاد بدأ".
وأضاف قرقاش: "ثقتنا كبيرة بالدور السعودي في المنطقة"، لافتا إلى أن الأيام أثبتت أن السعودية لن تقدم على أي عمل إلا في مصلحة التضامن الخليجي والمنطقة.
وأكد أن "الإمارات مقبلة على اتفاق العلا بكل إيجابية ورضا".
وشدد على وجود تنسيق كامل بين أبوظبي والقاهرة والرياض بشأن اتفاق العلا.
وأشار قرقاش إلى أن هناك مسائل تحتاج للتعاون لأن تداعيات أي أزمة تأخذ فترة، مضيفا "العوامل الرئيسية موجودة في اتفاق العلا هي احترام السيادة والنظر إلى أي تهديد والموقف تجاه التطرف والإرهاب هذه كلها عوامل رئيسية موجودة كإطار جامع تجاه العلاقة للمستقبل".
كما أشاد قرقاش بالدور الذي قامت به الولايات المتحدة والكويت في تحقيق المصالحة الخليجية.
قواعد وأسس
تصريحات قرقاش المختلفة بعد قمة العلا كلها تصب في إطار تحقيق هدف واحد هو تعزيز التضامن الخليجي المشترك، مع التأكيد على الثقة المطلقة في الحكمة السعودية، والإعراب عن التقدير للدور الأمريكي والكويتي لطي صفحة الخلافة، والتأكيد على الشراكة الخليجية المصرية كأساس هام أيضا في تعزيز التضامن الخليجي العربي.
وحدد قرقاش ملامح رؤية إماراتية لتحقيق هذا التضامن بعد اتفاق العلا، تستند إلى النوايا الصادقة لتنفيذ الاتفاق، ثم البدء في خطوات لبناء الثقة، والتنفيذ الصادق والأمين والجاد والشفاف لما تم الاتفاق عليه، مع وضع مستقبل منطقة الخليج واستقرار وازدهار ورفاهية شعوبها نصب أعين الجميع.
وعلى طريق تنفيذ تلك الرؤية، جعلت الإمارات نفسها قدوة في تنفيذه، فأكدت مرارا وتكرارا ترحيبها بالاتفاق وتأكيدها الشروع في تنفيذه "بكل إيجابية ورضا".
وعلى أرض الواقع، أعلن خالد عبدالله بالهول وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي، الجمعة، أن دولة الإمارات ستبدأ بإنهاء جميع الإجراءات المتخذة تجاه قطر بموجب البيان الصادر في 5 يونيو/حزيران 2017، عقب توقيع "بيان العُلا".
وقال إن دولة الإمارات ستعمل على إعادة فتح كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة، وإنه تم توجيه الجهات المعنية في دولة الإمارات بهذه الإجراءات.
وأضاف أن دولة الإمارات ستعمل مع دولة قطر على إنهاء جميع المسائل العالقة الأخرى من خلال المحادثات الثنائية.
وتواصل الإمارات المضي قدما على طريق تحقيق الاتفاق بخطوات واثقة وصادقة وبشفافية تامة.
جهود استثنائية
تلك الإجراءات التي تستهدف تحقيق التضامن الخليجي الدائم استبقتها الإمارات بجهود استثنائية قامت بها خلال رئاستها لمجلس التعاون الخليجي على مدار عام 2020، للحفاظ على كيانه، وتعزيز مسيرته، رغم انتشار جائحة "كورونا" .
جهود تأتي ضمن مسيرة رائدة للإمارات في تعزيز التضامن الخليجي بدأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، منذ أول قمة خليجية يومي 25 و26 مايو/أيار في أبوظبي عام 1981.
وتتواصل حتى اليوم بقيادة وتوجيهات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
وإدراكا منها أن الأزمات مهما طالت فهي زائلة، وضعت الإمارات نصب أعينها مع تولي رئاسة الدورة الـ40 لمجلس التعاون 10 ديسمبر/كانون الأول 2019 الحفاظ على مجلس التعاون وتحقيق الأخوة الخليجية، فلم تؤثر الأزمة القطرية على أجندة وخطط واجتماعات مجلس التعاون، وعقدت جميع تلك الاجتماعات بمشاركة قطر، لبحث تحقيق التضامن الخليجي في مختلف المجالات.
ورغم انتشار جائحة "كورونا"، قادت الإمارات أكثر من 733 اجتماعا خليجيا، معظمها عبر تقنية الإتصال المرئي، لمواجهة تلك الجائحة وتداعياتها على دول مجلس التعاون، وتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك.
الجهود الاستثنائية التي تقوم بها الإمارات لقيادة مجلس التعاون الخليجي في تلك الظروف كانت محل تقدير وإشادة دائمين، على مختلف الأصعدة.
بيان العلا وإشادة بالإمارات
واختتمت القمة الخليجية 41 التي عقدت في العلا شمال غرب السعودية، بإصدار بيان ختامي مطول من 117 بندا، وإعلان حمل اسم "إعلان العلا".
وعبّر البيان الختامي عن "بالغ التقدير والامتنان للجهود الكبيرة الصادقة والمخلصة، التي بذلها الشيخ خليفه بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة، وحكومته، خلال فترة رئاسة الإمارات للدورة الأربعين للمجلس الأعلى، وما تحقق من خطوات وإنجازات هامة".
كما تضمن البيان الختامي قرارات مهمة لتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج، معظم تلك القرارات كانت ثمار الاجتماعات العسكرية والأمنية التي قادتها الإمارات خلال رئاستها للدورة الأربعين لمجلس التعاون.
من أبرز تلك القرارات موافقة قادة دول الخليج على تعديل المادة السادسة في اتفاقية الدفاع المشترك، وذلك بتغيير مسمى قيادة "قوات درع الجزيرة المشتركة" إلى "القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون".
كما صادق قادة دول الخليج ، بحسب البيان الختامي، على "قرارات مجلس الدفاع المشترك في دورته السابعة عشر، بشأن مجالات التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون".
وأكدوا على "دعم جهود التكامل العسكري المشترك لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس"، وأعربوا عن ارتياحهم للخطوات المبذولة في تفعيل عمل القيادة العسكرية الموحدة.
وكان مجلس الدفاع المشترك قد عقد دورته السابعة عشرة عبر الاتصال المرئي يوم 22 نوفمبر الماضي برئاسة محمد بن أحمد البواردي وزير الدولة لشؤون الدفاع الإماراتي.
واختتم أعضاء مجلس الدفاع المشترك بدول مجلس التعاون الاجتماع اجتماعهم بحزمة من القرارات والتوصيات أهمها المساهمة في دفع مسيرة التعاون والتطوير للارتقاء بالقدرات العسكرية وتسخير كافة الصعاب والتحديات لتحقيق الأهداف المشتركة للقوات المسلحة في دول مجلس التعاون، وبما يحقق مزيد من أوجه التعاون والمصالح المشتركة لدول المجلس، ويعزز التعاون العسكري المشترك، حفاظا على الأمن والاستقرار في دول مجلس التعاون.
وأشار البيان الختامي لقمة العلا إلى أن قادة دول الخليج صادقوا في القمة على قرارات وزراء الداخلية في اجتماعهم السابع والثلاثين، مؤكدا "على أهمية تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك لضمان أمن واستقرار دول المجلس".
وكان وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد عقدوا عبر الاتصال المرئي 27 أكتوبر الماضي، اجتماعهم السابع والثلاثين برئاسة الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بدولة الإمارات، واتخذوا قرارات من شأنها تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك، وتوحيد الجهود الخليجية المبذولة لمكافحة الجرائم والأعمال الإرهابية حفاظا على أمن وسلامة مواطني دول المجلس والمقيمين على أراضيها.