إلى أين تمضي الولايات المتحدة الأمريكية في العامين القادمين، وبعد انتخابات نصفية للكونغرس، عمقت الشرخ السياسي بين الأمريكيين، وبعضهم بعضا؟
أخفق الجمهوريون في إدراك حلمهم في الموجة الحمراء العملاقة، ولم يقدر للديمقراطيين أن يحافظوا على مكتسباتهم عبر العامين المنصرمين، الأمر الذي يعكس من دون أدنى شك حالة عدم الرضا لدى الناخبين عن الحزبين، لا سيما فيما يتعلق بالاقتصاد والسلامة العامة.
على عتبات لجان الاقتراع، بدا من الواضح جدا أن الناخب الأمريكي اكتشف انقضاء عامين من رئاسة ديمقراطية، أخلفها الحظ، فلم تقض على جائحة كوفيد 19، ولا جمعت شمل البلاد، وبالقدر نفسه باءت خططها لإنفاق 1.9 تريليون دولار، من أجل معالجة التضخم بالفشل، كما تدفق المهاجرون عبر الحدود، وواجهت المدن الأمريكية ارتفاع معدلات الجريمة والتشرد، وظلت قضية الانسحاب الفوضوي من أفغانستان تهمة التصقت بالديمقراطيين، ومن غير المؤكد أنها ستزول عن ثوبهم حتى نهاية ولاية بايدن.
على الجانب الجمهوري، أظهرت نتائج الانتخابات، وعيا من رجل الشارع الأمريكي، ربما أكثر من نظيره لدى السياسيين، فعلى الرغم من الحشد المعنوي والنفسي لمدة عامين، وبحجة سرقة انتخابات 2020، فإن التصويت جرى في هدوء، ومن غير إراقة دماء كما توقعت أصوات أمريكية زاعقة، ورايات جمهورية ترامبية فاقعة.
بدت النتيجة الأولية المتمثلة في مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون ولو بفارق ضئيل، في مقابل مجلس شيوخ يحتفظ فيه الديمقراطيون بالكلمة العليا بفارق أكثر ضآلة، وكأنها محاولة لوضع قطبي السياسة الأمريكية، أمام لحظة اختيارات مصيرية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية برمتها، وإن امتدت لمدة عامين، ومع انتخابات الرئاسة 2024 سيكون كشف الحساب هو المعيار الفصل، في تحديد من يحكم في البيت الأبيض، ومن يسيطر على هذه الغرفة أو تلك من غرف الكونغرس.
ما بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، لن يكون بردا وسلاما على إدارة بايدن، والتي قُدر لها الإفلات من القدر التاريخي الموعود به كل رئيس أمريكي في منتصف ولايته الأولى، أي فقدان السيطرة على الكونغرس بغرفتيه.
من الطبيعي أن يضع الجمهوريون العصا في دواليب الديمقراطيين، وهو ما تبدى بالفعل في الأيام الأولى من وضوح الرؤية.
البداية وكما توعدت الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، ستكون من عند ملفات هانتر بايدن، ابن الرئيس بايدن، والدور الذي لعبه والده في تسهيل صفقاته التجارية مع أوكرانيا والصين وغيرها من الدول الآسيوية، حين كان نائبا لأوباما.
أما الملف الثاني فيتصل بأفغانستان، حيث مايكل كول كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، والذي سبق أن طرح تقريرا أوليا يحقق في أسباب الانسحاب النهائي من كابول، لم يخف رغبته في فتح القصة مجددا، وإجراء تحقيقات معمقة، بما في ذلك استدعاء لبعض مسؤولي إدارة بايدن في مجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية الأمريكية.
وإلى أبعد من ذلك، يمكننا المضي قدما، لا سيما بعدما هدد بعض الجمهوريين بإقالة الرئيس بايدن، وربما كبار مسؤوليه، عطفا على ذلك، فقد أوضح عدد منهم بأنهم يخططون لاستخدام فواتير الإنفاق التي يجب تمريرها كوسيلة ضغط لانتزاع التنازلات التشريعية، ووعدوا بسياسة حافة الهاوية السياسية التي قد تؤدي إلى إغلاق الحكومة أو حتى التخلف عن سداد الديون على نحو محفوف بالمخاطر.
من جانب الديمقراطيين، والذين يسيطرون على مجلس الشيوخ، ستكون لديهم المقدرة على انتقاء العناصر القيادية للبلاد، والتي تتسق ورؤاهم وتوجهاتهم، بمعنى أن الوزراء والسفراء والقادة، وأي أصحاب منصب مرتفع ومتقدم في البلاد، سيمر عبر توصياتهم وموافقاتهم، كما أن أي اتفاقيات جديدة للبلاد خارجها ستخضع لرغباتهم، وللمرء أن يتخيل البصمة التي يمكن للجناح اليساري التقدمي في الحزب، أن يتركها على سماوات الحياة السياسية الأمريكية عينها.
تبدو أزمة الحياة الحزبية السياسية في الداخل الأمريكي عميقة جدا، حتى بين أعضاء الحزب الواحد، وليس بين الحزبين الكبيرين فحسب.
على سبيل المثال، وبالنظر إلى الحزب الجمهوري، نجد أنه يعاني من انقسام واضح بل وفاضح، بين جناح تقليدي مغرق في تكلسه وانسداده السيكولائي التاريخي، وبين جناح آخر لا شغل شاغل له سوى التخلص من ترامب، إلى الدرجة التي تروج فيها الشائعات حول كون بعض الجمهوريين قد قاموا بدعم منافسين ديمقراطيين، في مكايدة سياسية للرئيس السابق ترامب الذي دعم هؤلاء المرشحين، فيما الهدف الرئيسي لهم، هو قطع الطريق على ترامب وأحلامه في العودة إلى البيت الأبيض مرة جديدة.
ولعل حال الديمقراطيين ليس أفضل كثيرا، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار توجهات الجناح اليساري التقدمي، ورؤاه التي باتت تزعج الكثير من الأمريكيين أنفسهم، ومن قبل أن تكون أحد أسباب اضطراب علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها التاريخيين.
هل من خلاصة؟
أمريكا على موعد مع شقاق وفراق ومعارك سياسية ومجابهات حزبية، شديدة الوقع، قد تشبه آلام ما قبل الولادة، بحثا عن فجر ديمقراطي جديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة