منذ أيام توفي "عبد المجيد الزنيبات" المراقب العام السابق لجماعة الإخوان في الأردن، وهو من أعلام التيار الإسلاموي في العالم العربي ، ورغم ذلك لم ينعي تنظيم الإخوان بالأردن المعترف به من قبل التنظيم الدولي الرجل،
وكذلك الجماعة الأم في المهجر سواء جبهة لندن أو جبهة إسطنبول، وأيضًا تجاهل التنظيم الدولي نعي "الزنيبات" رغم أنه كان عضوًا في التنظيم من الفترة 1994 وحتى 2006، فالمراقب العام في أي قُطرٍ يعني أنه مرشد الإخوان بهذا الُقطر، أي أنه في أعلى درجة تربوية ممكن أن يصل إليها عضو الجماعة، وكذلك في أعلى درجة تنظيمية يطمح إليها إخواني، كما أن المنصب يجعله عضوا في التنظيم الدولي.
تجاهل مقصود
هذا التجاهل كان سببًا في توجيه انتقادات حادة لتنظيم جماعة الإخوان المصنفة إرهابية من قبل العديد من الحكومات في العالم، لعدم نعيها لمراقبها العام الأسبق في الأردن، فبرغم أي خلافات تنظيمية فالراحل له إسهامات في تأسيس الجماعة، التي من المفترض أنها تتخلق بالأخلاق الإسلامية، ولا تنسى فضل من كان بينهم وعلى وجه الخصوص لو أنه لم يغادر الفكرة وظل على انتمائه للإسلام السياسي ولأفكار حسن البنا وسيد قطب.
فحسب مراقبين، هذا التجاهل مقصود وليس مجرد سهو يمكن تداركه بنعيٍ متأخر ورسالة اعتذار، فالجماعة لا تمنح نعيها وتأبينها إلا لأعضائها فهم فقط الذين يتمتعون باستحقاقات الأخوة في الله، وترى أن حق تلك الأخوة لا يحصل عليه إلا من كان في صف الجماعة.
ويعود هذا لوصفهم الخاطئ لطبيعة العلاقة التي تحكمهم، فهم مصرون على أن الرابط الاجتماعي بين أعضاءهم هو خلق الأخوة الإسلامية التي أقرها الله بين عباده، في حين أن ما يربط بينهم هي علاقة الزمالة في التنظيم، والمخلوطة بقيم (الأخويات السرية) التي انتشرت في أوروبا في القرون الوسطى، إما لإعجاب المؤسس حسن البنا بها، أو لأنها تسربت إليهم من أعضاء كانوا على علاقة بتلك الأخويات السرية واقتربوا من الإخوان.
تقوم تلك الأخوية السرية على الالتفاف حول التنظيم السري، فكل من ينضم إليهم تمنحه الجماعة كل الحقوق، أما من لم ينضم معهم لأخويتهم السرية فلا حقوق له، وهذا بالضبط ما تقوم به الجماعة، وهو بالضبط ما ليس للإسلام علاقة به.
الاتهامات المتبادلة أول شواهد الأخوة المغشوشة
إن الأخوة التي يدعيها الإخوان، مغشوشة ومزيفة، فما شاهده الجميع أثناء الصراع الدائر بين جبهاتهم مؤخرًا يؤكد ذلك بلا شك، فقد انتهكوا أعراض بعضهم البعض، واتهموا بعضهم البعض بالسرقة والاختلاس والعمالة، حتى لإسرائيل، ولأجهزة استخبارات دول أجنبية وغيرهم من الأخلاق الفاسدة.
هذه هي أخوتهم المكذوبة، فمن كان عضوًا بالجماعة ويتمتع بدرجةٍ تنظيميةٍ عالية؛ حاز كل المميزات، ومن لم يكن في التنظيم فلا إخوة له ولا ميزات يستحقها، أما هؤلاء الذين غادروا التنظيم فلا كرامة لهم ويحق للجماعة انتهاك أعراضهم بالشائعات والاتهامات الباطلة دون أن يؤنبهم ضميرهم، وإذا لم تقم الاتهامات بدورها في هدم الشخص الذي غادر للتنظيم، مارسوا معه سياسة التجاهل وكأنه لم يكن له سابق عضوية معهم ولا رفقة ولا عطاء. فالجماعة لا تقر بأخوة الإسلام ولا بالإخوة الإنسانية العامة، هم فقط يقرون بأخوة التنظيم وعندما يغادرها أي عضو سواء بالفصل أو بالاستقالة، فلا حق له عندهم ولا تاريخ له معهم ، ولا يعترفون له بإسهامات في حقل العمل الإسلامي.
جريمة الزنيبات التي لا تغتفر
من المؤكد أن المراقب الأسبق للجماعة بالأردن يعد من رجال التيار الإسلامي المعاصر، فهو لا يزال يؤمن بأفكار حسن البنا وسيد قطب، كل جريمته أنه حاول حماية جماعة الإخوان بالأردن من خطر تصنيفها جماعة إرهابية، بعد أن تم تصنيف جماعة الإخوان بالقاهرة جماعة إرهابية، ونظرًا لأن القانون الأساسي لإخوان الأردن يقر ويعترف بأنهم فرع من إخوان القاهرة، فأراد الراحل حماية الجماعة( التنظيم، والأفراد، والأفكار) من أن ينالوا مصير الجماعة الأم.
فطلب من قيادات الجماعة وقتها أن يقننوا أوضاعهم ويفكوا الارتباط التنظيمي بالقاهرة، وأن يظل الرابط الفكري والتربوي والتاريخي كما هو.
رفض الإخوان في القاهرة تلك الخطوة، وكذلك التنظيم الدولي، والعديد من أعضاء الجماعة بالأردن، فما كان منه إلا أن قام بتأسيس جمعية للإخوان المسلمين بالأردن وضم إليها العديد من قيادات الجماعة واعتبر أنها هي الجماعة الرسمية والصحيحة والقيادة الشرعية التي يجب أن يتبعها الإخوان، وفك بالفعل الارتباط بالتنظيم الدولي وبالجماعة الأم، لهذا عاقبه الاخوان بتجاهل وفاته، فهم يرون أنه بمخالفتهم تنظيميًا لا يستحق أن ينعيه قادة جماعة الإخوان أو أن يصلوا عليه صلاة الغائب، فنعيه والصلاة عليه ستكون بردًا وسلامًا عليه في الأخرة، أو هكذا يظنون.
عبد اللطيف أبو قورة
هذا السلوك ليس جديدًا على الإخوان، تكرر هذا مع مؤسس جماعة الإخوان في الإردن، الشيخ عبد اللطيف أبو قورة الذي أسس فرع الجماعة بالأردن عام 1945 وانضم للهيئة التأسيسية الإخوانية بالقاهرة مع المؤسس حسن البنا، ثم في ظروف غامضة يقدم استقالته ، ولا أحد يذكر السبب ولا الملابسات والدوافع ، فبعد أن قدم ثمانية أعوام من عمره مع تلك الجماعة، يغادر الجماعة ويعمل في الحقل الإسلامي منفردًا، وحين يتوفي في يناير عام 1967، لم تقم الجماعة في الأردن بنعيه !
واستمر تجاهله عن عمد حتى عندما قرر الإخوان توثيق شخصياتهم وقادتهم مع بعض الشخصيات العامة الإسلامية، في الموسوعة المعروفة "بأعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" لمؤلفها المستشار عبد الله العقيل، تم تجاهل الرجل تمامًا وكأنه لم يكون مؤسس الجماعة وباني قواعدها في الأردن، ولا كأن له إسهامات بعد ذلك.
أحمد السكري وخطيئة النقد
كذلك لم تقم الجماعة بنعي رجل من أهم رجالها، على الإطلاق، وهو الأستاذ أحمد السكري شريك حسن البنا في تأسيس الجماعة إن لم يكن هو صاحبها الأول والحقيقي، المحرك الفعال لحركتها الدينية والسياسية، غير أنه ارتكب جريمة النقد لسياسات البنا تجاه أزمة زوج أخته عبد الحكيم عابدين الأخلاقية، فما كان من البنا إلا أنه ضحى به وقام بفصله، واتهمه الإخوان بكل نقيصة، ولما توفي في مطلع التسعينات لم تنعه الجماعة ولم يحضر أحد من قادة الجماعة عزاءه.
حسين كمال الدين
قيادي تاريخي أخر تجاهلت الجماعة نعيه، هو حسين كمال الدين أستاذ بكلية الهندسة، وأحد أربعة كان يثق فيهم البنا وكلفهم بإدارة التنظيم الخاص السري، وهو الذي كلفه البنا للسفر إلى العراق وتكوين فرع الجماعة هناك بالتعاون مع القيادي أحمد عبد الحميد إلى أن تسلمها منهم الشيخ الصواف، وتجاهل نعي الأستاذ الجامعي الذي توفي في نهاية الثمانينات يختلف عن النماذج السابقة، فقد ظل الرجل عضوًا في الجماعة ولم يغادرها لا مقالًا أو مستقيلًا ، بل سجن معهم وشاركهم كل محنهم وهي في عرف الجماعة عمل بطولي، إلا أنه لم يحظ رغم ذلك بنعي يليق بمكانته، ربما لسببٍ غامض قد يكون لاعتراضه على سياسة الجماعة في مرحلة السبعينات، أو إحياء النظام الخاص، أي ما كان السبب فمن الواضح أن حسين كمال الدين لم يعد في نظر الجماعة يستحق الأخوة الإخوانية.
النماذج الكثيرة والشواهد العديدة، تؤكدان أن جماعة الإخوان تروج لأخوة مغشوشة ومزيفة، لا تحمل تراحمًا ولا تكاتفًا، بل تحمل تربصًا وتشككًا ، وتهديدًا للقيم الإسلامية والإنسانية المعروفة والمتوارثة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة