المتابع بدقة لقنوات الإخوان وصفحات التواصل الاجتماعي المرئية التابعة لهم والتي تروج لدعايتهم السوداء الكاذبة، يلاحظ عليها وبغض النظر عن تعدد الموضوعات التي تتناولها والأشخاص الذين يقدمونها ويتحدثون فيها، أن لها عدداً محدداً من الخصائص التي تتسم بها جميعا
ونبدأ في هذه المقالة الأولى بعرض الخصائص البنائية لهذه القنوات والتي تتعلق بالقائمين عليها ومقدميها واتجاهات دعايتها السوداء الكاذبة وتمويلها.
الخاصية الأولى، هي أن الغالبية الساحقة من القنوات والصفحات يديرها ويقدمها مصريون، يتوزعون بكثافة بين دول ثلاث هي بريطانيا وتركيا وقطر، بينما يحل بعضهم الأقل في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. والواضح هنا أن تنقل هؤلاء الأشخاص ومنصاتهم الإعلامية بين البلدان الثلاثة الرئيسية قد شهد خلال الشهور الأخيرة تزايداً واضحاً لهم في بريطانيا وتضاؤل تدريجي في تركيا وتراجع كبير في قطر، وذلك بالتوازي مع تطور العلاقات بين الدولة المصرية وحكومات هذه الدول الثلاث.
الخاصية الثانية مرتبطة مباشرة بالأولى، حيث تتركز الأغلبية الساحقة من دعاية وأكاذيب هذه القنوات والصفحات على مصر ودولتها ونظامها السياسي وكل ما يجري بها من شئون. وعلى الرغم من تعمد هذه القنوات والصفحات الإساءة لبعض الدول والحكومات العربية الشقيقة المعادية لتنظيم الإخوان، إلا أن هذا يأتي في معظم الأحيان في سياق هجومها على مصر ونظامها السياسي، ونادراً ما يخصص أي منها فقرات خاصة بهذه الدول والحكومات. وتبدو هذه الخاصية والسابقة عليها منطقيتان في التركيز على مصر في الهجوم والدعاية الكاذبة، في ظل أنها بلد المنشأ للتنظيم الإخواني منذ قرابة قرن من الزمان، وأنها هي التي أطاحت بحكمهم بثورة 30 يونيو 2013، وأنهت تقريباً مشروعهم ليس فيها وحدها، بل امتد هذا إلى كل بلدان العالم العربي بدون استثناء من الخليج العربي للشمال الإفريقي وحتى المشرق العربي والدول العربية في الشرق الإفريقي.
لم ينس الإخوان وأنصارهم و"الملتحقة" بهم الدور المصري في التدمير شبه النهائي لمشروعهم طويل الأمد والنفس، وإصابة تنظيمهم الذي كان مضرب الأمثل في القوة والتماسك بكل هذه الشروخ والانشقاقات التي لم يمروا بها من قبل على مدار السنوات والعهود، فظلت مصر – نظاماً ودولة – هي الهدف الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، في دعايتهم السوداء.
الخاصية الثالثة لهذه المنصات تتعلق بالهوية السياسية والفكرية للقائمين عليها. فالواضح هو أن الغالبية الساحقة من القائمين على القنوات الفضائية الرئيسية ومقدمي برامجها الرئيسية، ليسوا من المنتمين لتنظيم الإخوان تاريخياً – وبالطبع بعضهم كذلك – بل يأتون من منابع أخرى لا علاقة لها بتيار الإسلام السياسي عموماً. ويتغير الحال قليلاً فيما يخص صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تزيد فيها نسبة المنتمين للتنظيم الإخواني عن هؤلاء الموجودين على الشاشات الفضائية. ولعل أكثر الأوصاف دقة وتطابقاً مع حالة هؤلاء غير المنتمين للتنظيم الإخواني والذين يقومون بدور ماكينة الدعاية السوداء له، هو وصف "الملتحقة"، والذي يجمع بين صفة الالتحاق والتبعية والارتزاق، ويفسر حالة الاندماج والتماهي التي حلت بهم جميعاً مع تنظيم الإخوان الذي لم ينتموا يوماً إليه، وجهدهم الفائق في السعي لتحقيق أهدافه السياسية والدعائية عبر منصاتهم.
وتتعلق الخاصية البنائية الرابعة والأخيرة بالإمكانيات المادية والمالية المتوفرة لهذه المنصات، فمن الواضح لأي مبتدئ متخصص في الإعلام وخصوصاً التليفزيوني أن قنوات الإخوان تتكلف أموالاً طائلة سواء كأجور لعشرات العاملين بها أو مصروفات ملكية أو تأجير مقراتها أو مصروفات تشغيلها من معدات وتأجير مساحات على الأقمار الصناعية أو غيرها. ومن الواضح أن أي من هذه القنوات لم ولن يجرؤ على إعلان مصادر تمويلها، والواضح تماماً أنها مصادر "مشبوهة" لا تحتمل سوى أحد مصدرين أو كليهما: تنظيم الإخوان أو أجهزة مخابرات تابعة لبعض الدول. ويبقى التحدي مشرعاً في وجه القائمين على تلك القنوات ومقدمي برامجها: أعلنوا عن حجم مصروفاتكم ومصادر تمويلكم إذا كانت لديكم الشجاعة.
ونستكمل في مقالنا القادم بإذن الله بقية خصائص هذه المنصات والمنابر فيما يتعلق بمضمون ما تقدمه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة