الدعوات الرامية إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي تكتسب زخما أكبر مع كل أزمة تعصف بالمجتمع الدولي، إلا أنها تصطدم بجدار أصم كلما تعارضت مع مصالح واحد من "الخمسة الكبار" الذين يملكون حق الفيتو.
هذا يعني أنه مجلس لهؤلاء الخمسة بالدرجة الأولى. لأن توافقهم هو أساس كل شيء آخر. والأمن هو أمنهم هم أولا.
لقد نشأ هذا المجلس في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليعكس توازنات عالم لم يعد موجودا، ولكن بقيت القوى الخمس الكبرى لتمثل أشباحه فقط.
هذه القوى ظلت تحمل مفاتيح القرار الدولي وتغلق على نفسها الأبواب، رغم أن هناك قوى دولية أخرى قد نشأت، مثل ألمانيا واليابان، ورغم أن هناك تكتلات دولية قد ظهرت لتعبر عن إرادة مشتركة لمجموعة من دول العالم الأخرى.
ولقد تم رفض فكرة توسيع المجلس باستمرار لمنع دخول أعضاء جدد في نادي الخمسة الدائمين من حملة "حق النقض". كما تم رفض الدعوات كلهن لإلغاء هذا "الحق". وظلت أفكار الإصلاح تواجه طريقا مسدودا، لأنها منوطة برضا "الخمسة الكبار" ولأن معارضة أي واحد منهم، لأي سبب كان، ستكون كفيلة بإحباط الدعوة حتى ولو أجمعت عليها كل دول العالم الأخرى.
الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها، بقيت عاجزة عن أن تفرض قرارا أو تصورا، وظلت قراراتها تكتسب، من الناحية الفعلية، مكانة استشارية وغير ملزمة. وظل العديد من الأزمات جرحا مفتوحا يهدد الأمن والسلام الدوليين، ويستثير الحوافز لاندلاع الحروب.
ولولا بعض القيمة التي فرضتها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، في الواقع العملي، لما بقي لتوافقات الجمعية العامة أي تأثير إذا ما تصادمت مع إرادة أي واحد من حملة مفاتيح "نادي القرار الدولي".
هذا الواقع يعني أن الإصلاح لن يتحقق، لأن هؤلاء "الخمسة" لا يريدون في النهاية أن يخسروا امتيازات العرقلة والتعطيل. ولأنهم لا يريدون أن تصبح مصالحهم الاستراتيجية رهنا بأي إجماع دولي لا يكونون هم من يقف وراءه.
ولكن العبقرية الإنسانية لن تعجز في النهاية عن العثور على طريق يطمئن مصالح الخمسة الكبار، ويحفظ لهم امتيازاتهم، مقابل أن يرخوا الحبل قليلا لصالح إضفاء روحية جديدة لصناعة القرار الدولي، ومشاركين آخرين.
""حق النقض" قد يبدو هو العقدة. ولكن وضع قيود أو شروط لاستخدامه، أو وضع إطار لتعطيله، وفقا لإجماع أممي أوسع داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن أن يفتح الطريق ليس لإصلاح مجلس الأمن الدولي وحده فحسب، وإنما لإصلاح الأمم المتحدة نفسها أيضا، وذلك بتطوير روح الشراكة والمسؤولية بين كل دول العالم، ومجموعاتها الكبرى.
ليس من المناسب لمصالح أي دولة "عظمى"، على سبيل المثال، أن تجد نفسها على نقيض مع رؤية يجمع عليها ثلثا الجمعية العامة، أو ثلاث مجموعات دولية كبرى.
يمكن لهذه المجموعات، لتعزيز مكانتها في صنع القرار الدولي، أن تتخذ إجراءات مشتركة ضد الطرف الذي يستخدم امتياز العرقلة والتعطيل ضد ما تعتقد أنه المسار الصحيح لحفظ الأمن والسلام الدوليين، وهو هدف أساسي من أهداف ميثاق الأمم المتحدة.
هذا الميثاق نفسه، يمكن أن يكتسب قوة تنفيذية، أو ملزمة، بدلا من كونه مجرد إطار "أخلاقي" عريض للسياسات الدولية. ووحدها المجموعات الدولية الكبرى، هي التي يمكن أن تضفي تلك القوة على الميثاق.
حق النقض يمكن أن يقترن أيضا بدعم ثلاث مجموعات دولية لكي يصبح نافذا. وذلك مثلما أنه يمكن لثلاث مجموعات أن تبطله.
الخمسة الكبار، الذين ظلوا يعولون على أوزانهم الخاصة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، حتى وإن رفضوا الامتثال لحقيقة أن عالم الحرب الباردة الذي قادوه لنحو نصف قرن، قد تبدد الآن، فإنهم ملزمون برؤية التغير الذي طرأ على العلاقات الدولية وتحالفاتها.
الانفتاح الاقتصادي العالمي، وسلاسل الإمداد نفسها التي صارت تربط بين أجزاء العالم المختلفة، تقول بحد ذاتها، إن أوزان "الكبار"، حتى وإن ظلت كبيرة ومؤثرة، إلا أنها لم تعد أوزانا منفردة.
هناك، في عالم اليوم، منظومة كاملة من المجموعات الدولية. وهي في علاقاتها الداخلية أكثر تمثيلا لمصالح شعوبها ورؤاهم المشتركة لمعاني الأمن والسلام والحقوق المشروعة.
هذه المجموعات توفر لنفسها أطر عمل مشتركة بديلة تدفع إلى التخلي عن الانجرار وراء التأثيرات الفردية لدول بعينها. وهي تمتلك القدرة على أن تكون ذات وزن وتأثير خاص بها. ومن المنطقي تماما بالنسبة للدول الكبرى أن تصغي لها، بل وحتى أن تشارك فيها وفي صنعها. وهذا ما تفعله الولايات المتحدة على سبيل المثال لبناء روابط بين بعض دول شرق وجنوب آسيا.
بمعنى آخر، فإن الدول الكبرى لن تصبح معزولة بوجود هذه المجموعات، وسوف تجد فيها شريكا مهما لمصالحها الخاصة. سوى أن النتيجة هي إضفاء طابع أكثر جماعية، أو أكثر ديمقراطية، على صناعة القرار الدولي.
العالم، حينها، سيكون ممثلا بطريقة أفضل في مجلس الأمن الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة