إن جو بايدن - كما هو معلوم - رئيس لأمريكا منذ سنتين ويتابعه حتى الآن قرابة الـ ٢٧ مليوناً على منصة تويتر، بينما دونالد ترامب الرئيس السابق، والمُحَارَب من المؤسسات والساسة والإعلام الحر، وخلال أقل من يوم من إعادة حسابه، الذي لم يغرد منه حتى اللحظة، يتابعه
لعل الكلمات التي من الممكن قولها أمام هذه المعادلة الأمريكية الجديدة، هي " أنك تستطيع أن تهزم كل شيء إلا الحقيقة “، فـ ترامب حقيقة سياسية واجتماعية، اتفق البعض معها أو اختلف، وهو الحاضر في قوة، ضمن دهاليز السياسة الأمريكية حتى يومنا هذا.
وترامب قبل أيام، أعلن رسمياً ترشحه للرئاسة في انتخابات عام 2024, لكن بإستراتيجية مختلفة تماماً، ربما بدأها باستبعاد ابنته الشهيرة إيفانكا وزوجها رجل الأعمال المعروف وكبير مستشاري ترامب السابق جاريد كوشنر، ولذا قد لا يعود ترامب لتويتر لعدة أسباب، من أهمها أنه من الصعب أن يتخلى عن التطبيق الذي أسّسه بعد طرده من تويتر، خصوصا أنه تاجر، ويتنافس مع تاجر آخر، هو إيلون ماسك مالك تويتر الجديد.
وترامب - بحسب وصف مقربين منه له - نرجسي وصعب المزاج، وأن يعود لتطبيق طرده سابقاً، وقد يطرده من جديد مستقبلاً، أمر ربما يكون معقداً للغاية في ظل تجاذبات سياسية وإدارية وحتى اقتصادية، تعيشها منصة تويتر نفسها.
وبعدد انتهاء التصويت الذي طرحه ماسك، حول إعادة حساب ترامب، والذي شارك فيه أكثر من ١٥ مليوناً، وجاء لصالح ترامب ، طرح سياسي جمهوري أمريكي سؤالاً كبيراً قال فيه : هل أدركتم الآن أن اليسار المتطرف لا شيء ، دون دعم النخب والإعلام الحرّ له ؟ لأن الخلاصة أن استفتاء ماسك يثبت عطب التصويت بالبريد في انتخابات 2020 و2022.
وإن إعلام الولايات المتحدة الأمريكية، الذي حاول جزءاً منه تجاهل الحالة "الترامبية" السياسية، هو نفسه منقسم على نفسه، كما هي أوضاع الحزبين الجمهوري المعارض - إذا صح التعبير - والحزب الديمقراطي الحاكم، والخاسر لأغلبية مجلس النواب بعد الانتخابات النصفية الأخيرة
وعليه فإن مستقبل الحزب الجمهوري، كحزب سياسي عريق، مرتبط بتحديد معايير الزعامة، والعجز الحاصل داخله، مرتبط بحكم العجائز، كما قالت قناة فوكس نيوز المحسوبة نوعاً ما على التيار الأمريكي المحافظ.
والحزب الديمقراطي المتعثر في وضع حد لسيطرة الرئيس السابق باراك أوباما، في ظل وجود رئيس ضعيف ومريض صحياً مثل بايدن، هو حزب يعاني من مشكلات داخلية تفوق الوصف والكلام، ولهذا فإننا نشاهد التخبط الحاصل في أداء أمريكا في مختلف الملفات.
فعلى صعيد الحرب الأوكرانية، هناك جديد مفيد، برز من خلال زيارة جيك سوليفان " مستشار الأمن القومي الأمريكي " إلى كييف قبل أيام فجأة وعلى عجل، وفضح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي لطبيعة الزيارة وأهدافها، بقوله: واشنطن تضغط علينا من أجل العودة لطاولة المفاوضات مع موسكو دون قيد وشرط.
وهذا مثال صريح على ضبابية التوجهات الأمريكية في ملف شائك مثل الملف الأوكراني، إذا ما توقفنا عند تعنت أمريكا السابق في التعاطي مع روسيا، ثم حصل هذا التطور القائم على أسس الدفع نحو فتح باب التفاوض من جديد بين موسكو وكييف.
ولعل ترامب كان صادقاً، حين قال في بداية الحرب الأوكرانية: لو كنت رئيساً لمنعت وقوع هذه الحرب بأي طريقة، لأن مهمة أمريكا كـأقوى دولة في العالم، إيقاف حرب كبيرة من الممكن أن تحصل، وليس تركها تقع ثم دعم طرف على حساب طرف آخر.
ومن المهم القول، بأن ترامب سواءٌ حصل على ترشيح الحزب الجمهوري له أو لم يحصل، هو وجه أوضح لأمريكا الجديدة، أمريكا المصابة بأزمة تحديد الأولويات، وعدم القدرة على قيادة العالم، في وقت تعتمد فيه سياسة استرضاء الأعداء واستعداء الحلفاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة