بناء على ما يتم نشره من دراسات وتقارير حول الاهتمام العالمي للقارة الأفريقية وأنها باتت محل تنافس دولي من الجميع،
فإن تخصيص، مركز "تريندز للبحوث والاستشارات" ندوة لمناقشة جهود ومبادرات السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي إنما هو تجسيد عملي لاهتمام دولة الإمارات بالقارة الأفريقية، والحرص على تطوير وتعزيز الروابط الإماراتية-الأفريقية في كل المجالات.
ربما قائل بإن، قارة أفريقيا دائماً محل اهتمام العالم، خصوصاً القوى الكبرى فيه. وأن التاريخ يشهد أيضاً أن القارة السوداء كانت دائماً مستهدفة ومطمعاً بأشكال مختلفة. باستغلال ثرواتها، ثم بتوظيف أراضيها في صراعات ونزاعات بين القوى الاستعمارية. لكن الجديد كما أراه هو اهتمام المجتمع البحثي والأكاديمي الإماراتي بالقارة السوداء.
أجد أنه من الضروري اتباع قواعد التخطيط العلمي في تأسيس مستقبل واعد ومشرق للعلاقات بين الجانبين في مختلف مساراتها. حيث تتطلع دولة الإمارات إلى إحداث نقلة نوعية في أوجه التعاون الإماراتي-الأفريقي. وكان واضحاً في المحاور الأربعة للندوة أن المجتمع الأكاديمي والبحثي العالمي وليس الإماراتي فقط يتابع عن كثب معطيات الواقع في أفريقيا عموماً وفي منطقة القرن الأفريقي خصوصاً.
بدا من الأوراق أن لدى الباحثين والمفكرين معرفة واسعة ووعي ليس فقط بأبعاد الحاضر لكن أيضاً بالمستقبل ومقتضياته انطلاقاً من أن تهديد استقرار منطقة القرن الأفريقي لا يؤثر فقط على دولها وإنما كذلك على الدول المجاورة لها.
الاهتمام العالمي بأفريقيا تكاد تكون مسألة أزلية، أما الذي تغير في الموضوع أبعاد هذا الاهتمام ودوافعه. حيث بدأت دول العالم تقبل على أفريقيا لتأمين تدفق الموارد الأولية بشكل آمن ومستدام. بالإضافة إلى دافع آخر مستجد، هو مواجهة التهديدات والتحديات النابعة من أفريقيا. مثل الهجرة غير الشرعية والتصحر وانتشار الأوبئة والمجاعات. ومن ثم، تطورت أبعاد أهمية إفريقيا لدى العالم من الاستفادة بمواردها إلى الاحتماء من المخاطر المحتملة الصادرة عنها.
الإمارات تتبنى مقاربة مختلفة إلى أفريقيا، فهي لا تركز على المنفعة المجردة لأنها لا تنطلق من استراتيجيتها على أطماع، ولا تتبنى مقاربة الوقاية من الهجرة لأنها لا تعاني منها فهي مؤمنة نفسها، وإنما تتبع: مقاربة الشراكة الاستراتيجية.
التوجه الإماراتي نحو أفريقيا محكوم بدافع واحد أساسي هو تطبيق التعايش الإنساني وتعميم سياسة الانفتاح البشري المتبادل. وهو ما تتفرع عنه مسارات عمل متنوعة وشاملة في الوقت ذاته. فمبدأ التعايش الإنساني يستوجب بالضرورة التكاتف والتعاون في التركيز على المصالح ومواجهة المخاطر والتهديدات. وعندما كانت التنمية بمعناها الواسع هي الطريق السهل والمباشر لتطبيق هذه المبادئ الحاكمة للسياسة الإماراتية، فإن التنمية الشاملة هي الإطار الذي تعمل من خلاله دولة الإمارات من أجل صالح أمن واستقرار أفريقيا.
والسياسة الإماراتية التي تتمتع بحس استشرافي وعمق في الرؤية، أدركت مبكراً مدى أهمية تسوية النزاعات والعمل على خلق بيئة مستقرة سياسياً وجيواستراتيجياً قبل أن يكون الحديث عن التنمية.
ووفق ذلك، تبنت دولة الإمارات زمام المبادرة نحو إرساء السلام والأمن والاستقرار في مناطق النزاع والتوتر في القارة بشكل عام، وفي القرن الأفريقية على وجه الخصوص. سواءً على المستوى الوطني كما بالنسبة للحالة الصومالية التي ظلت تعاني من التفكك والاضطراب منذ عقود، قبل أن تتجه فعلياً نحو الاستقرار واستعادة تماسكها كدولة بفضل الدور السياسي الفعال والمحوري الذي قامت به الإمارات. وكذلك على مستوى التوترات بين الدول الأفريقية وبعضها، فكان للدور الإماراتي الأثر الحاسم في تسوية النزاع بين إثيوبيا -وإريتريا.
ولابد من التذكير بأن دولة الإمارات وهي تقوم بدورها الرائد نحو نزع فتيل هذه الخلافات وتهدئة تلك النزاعات، إنما تتحرك من وازع الضمير الإنساني المجرد، فهي بالمعايير العملية البحتة ليست متضررة ولا مُهددة بأي شكل. لكنها تعتبر عدم الاستقرار أو معاناة أي شعب من أوضاع اقتصادية سيئة أو مشكلات سياسية أو أزمات بيئية، مصدر تهديد عام وشامل للإنسانية والعالم ككل. ومن ثم فبحكم امتلاكها قدرات وإمكانات كبيرة ومتنوعة وتوافرها على الرؤية الموضوعية تتصدى لتلك المسؤولية بكل حماس.
يقدم المنظور الإماراتي للتحرك الشامل متعدد المسارات مثالاً نموذجياً على طريقة التعامل المفترضة والسليمة مع أوضاع ومشكلات ومستقبل قارة عانت لقرون طويلة في السابق وآن لها أن تنهض وتتقدم. والواقع يؤكد منذ سنوات صحة ودقة هذا المنظور ونجاح تلك التحركات، وكانت النتيجة الماثلة هي الثقة الكبيرة والمقبولية الواسعة التي تتمتع بها دولة الإمارات لدى مختلف دول العالم، خصوصا في أفريقيا، شعباً وحكومات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة