انطلق العرس المونديالي من قلب دولة قطر الشقيقة في النسخة الثانية والعشرين من "كأس العالم 2022"، من ملعب البيت بشمال الدوحة،
لأول مرة تنظم الحدث الرياضي العالمي دولة عربية، ولأن الحدث مهم للغاية كان من الطبيعي تكاتف الأشقاء العرب جميعًا لإنجاحه، وأن تظهر قطر بمظهر مشرف، وكان حضور القادة العرب بيوم الافتتاح تأكيدا على روح التعاون ورغبتهم في مساندة الشقيقة لتحقيق نجاح غير مسبوق في هذا المضمار.
المونديال والمؤامرة على قطر
غير أن ما يكدر صفو هذا العرس الرياضي دخول تنظيم جماعة الإخوان على الخط، فقد تبنت الجماعة الإرهابية سياسة التملق لـ"قطر" في ثوب حملة الدفاع عنها، على الرغم من أن الجماعة الإرهابية لم تسهم في الترويج للحدث أو في تنظيم فعالياته، إلا أن دخولهم على خط كأس العالم كان لإثبات قدراتهم الترويجية أمام المسؤولين في قطر، عسى أن ينالوا استحقاقًا بالرعاية، ومن ناحية أخرى مهاجمة دول التحالف الرباعي.
بدأت الجماعة الإرهابية جملتها لتملق الشقيقة العربية وكأنها تتعرض لمؤامرة كونية، فاعتبروا أن كل من أظهر سلبيات التنظيم أو انتقد بعض الإجراءات كأنه متآمر على قطر، ربما يعود هذا لفهم الإخوان الانتقادات أو رصد السلبيات أساسا، فهم يفهمون أن كل من يقوم بعرض سلبية غرضه الهدم، ومنبع هذا اللبس يعود إلى أن الإخوان أنفسهم لا يمارسون الانتقادات إلا بغرض الهدم والسخرية وفق مؤامرة منهم، كما فعلوا مع مؤتمر المناخ في مصر ومع أي حدث يمكن أن تنظمه دولة لا تؤيد الإخوان، وبالتالي لا يمكنهم فهم الأمر على طبيعته أبدًا، ولأنه ليس هناك سبب لأن يتآمر أحد على دولة تنظم الحدث الرياضي العالمي، خلق الإخوان مؤامرة عالمية من العدم، يشترك فيها كل العالم ضد قطر لإفشال المونديال، زاعمين أن سبب المؤامرة إسلامية دولة قطر!
وبدأ الإخوان معركتهم الموهومة للدفاع عنها وعن الإسلام، وصور الإخوان قطر كأنها المدافع الأوحد عن الإسلام، وحاملة راية التوحيد التي ستدخل المشجعين إلى دين الله، وبدأت صفحاتهم تنشر أعداد المشجعين الذين أسلموا في أول أيام المونديال، فهذا حاتم الحويني كتب على صفحته أنهم 857، ومحمد ناصر المذيع المتحالف مع الإخوان أكد أنهم 8577، كل هذا لدغدغة عواطف المتابعين.
للأسف.. لم ينتبه الأشقاء في قطر أن دخول الإخوان على خط كأس العالم قد تعود بنتائج عكسية عليهم تمامًا.
استراتيجية اختلاق الأعداء
قام الإخوان بتقسيم أنفسهم قسمين، قسم مهمته أن يقوم باتهام قطر بكل النقائص على السوشيال ميديا مثل (إنها ستسمح بشرب الكحوليات وستقبل الشواذ وممارساتهم في شوارع الدوحة عقب كل مباراة) والقسم الآخر مهمته الدفاع عنها بأنها ستقوم بعرض الإسلام لرواد الفنادق وأنها استقدمت الداعية ذاكر نايك لتلك المهمة وإلقاء محاضرات إسلامية على هامش فعاليات المونديال، ويظل الاتهام والدفاع محصورًا في هذه النقطة، ويصبح الكشف عن أي سلبية تنظيمية يصب في خانة الهجوم على الإسلام أو كأن صاحبه يطالب بإباحة الشواذ أو شرب الكحوليات، خطورة هذا المسلك الإخواني هو إشعال نار التعصب الديني المخلوط بالتعصب الكروي، مما يدفع إلى توقع مشاحنات أو على الأقل وسم قطر بأنها وكر للإرهابيين.
خطورة خلط الدين بالرياضة
الإخوان كعادتهم في خلط الدين بأي شيء، خلطوا بين الرياضة كفعل إنساني يجتمع عليه البشر باختلاف ألوانهم وألسنتهم ودياناتهم، وبين الإسلام كعقيدة يؤمن بها مع الدولة المنظمة، واستباقاً لا انتقادا ضد أي ممارسات قد يقع فيها المشجعون، من شرب للكحوليات أو بعض الممارسات غير المقبولة في المنطقة العربية، مكمن الخطورة في هذا الخلط أنها قدر لا يفهم على أنه حيلة دفاعية ضد هجوم التيارات المتزمتة والمتشددة في عالمنا العربي، بل قد يفهم على أنه تعصب من الدولة المنظمة مما يشجع المتطرفين من الديانات الأخرى بإظهار شعائرهم والتعصب لها، هنا تفقد الرياضة أهدافها والحدث مضمونه، فالرياضة تجمع لا تفرق، تجمع الإنسانية بغض النظر عن الدين والعرق واللون، والتعصب يكرس الفرقة والاختلاف والنزاع والهجوم والكراهية.
الإخوان والكيل بمكيالين
كشفت حملات الإخوان الدعائية عن امتهانهم الكذب وافتقارهم الموضوعية، وأنهم يميلون بمكيالين، فإذا كان الحدث تنظمه دولة بينهم مصلحة مالية كرسوا كل جهودهم للدفاع المستميت عنها، وإذا كانت دولة ترفض ممارساتهم استماتوا في الهجوم عليها، وإبراز كل السلبيات والتشفي بها، وتشويه كل إنجاز والأذهان، وترسيخها قيما وأفكارا متناقضة، لم يتركوا حدثًا ولا فعالية تمت في مصر إلا قاموا بث الكذب والتحريض عليها، وصدعونا بمقولتهم الدائمة (ألم تكن بطون فقراء المسلمين أولى بتلك الأموال).
ولكي نكتشف حجم تناقضات الإخوان فلنسأل أنفسنا ومن واقع متابعة منهج الجماعة في انتقاد أي حدث في مصر، ماذا كان ستقول فضائيات الإخوان لو أن مصر هي التي نظمت كأس العالم؟
من المؤكد كانوا سيلقون الضوء على آلاف العمال الذين ماتوا أثناء تشييد الملاعب (قالت الجارديان البريطانية إنهم 6500 عامل) حسب البيانات التي قدمتها سفارات الهند وباكستان ونيبال وبنغلاديش وسيريلانكا، كانوا أفردوا ساعات للكشف عن ظروفهم المعيشية الصعبة، وكانوا استضافوا أسر هؤلاء العمال، وركزوا على بكاء أطفالهم ليستدروا عطف المشاهدين، كان سينطلق معتز مطر ومحمد ناصر وصفحات الإخوان المنتشرة على السوشيال ميديا بأن رقم 220 مليار دولار التي أنفقت على المونديال كانت بطون فقراء المسلمين أولى بها، كان سيتم اتهام الحكومة المصرية بالإنفاق السفيه.
من المؤكد كان سيخرج علينا خبراؤهم الاقتصاديون ويستعرضون لكم المشاريع التي كان من الممكن يمكن أن يتم الإنفاق عليها بدلا من كرة القدم التي تفرق ولا تجمع، أما كانوا سيقولون لمتابعيهم أن 220 مليار دولار كانت كافية لصناعة محطة فضاء عربية؛ لأن محطة الفضاء الدولية وهي أكبر مشروع علمي في التاريخ الإنساني تكلفت 150 مليار دولار، وأن تكلفة المحطة النووية الفرنسية التي تجعل منها دولة عظمى 14 مليارا، وأن تكلفة تليسكوب جيمس ويب الذي يكتشف الكون حاليا لا يتجاوز 10 مليارات دولار!
أما كانوا سيعترضون على بناء 100 فندق ومدينة كاملة لحدث عمره أقل من شهر؟ أما كانوا يبدعون أن تلك الأموال كانت كافية لاستصلاح أراضٍ للمسلمين في أفريقيا، أو بناء منازل للمشردين في تشاد والنيجر وبنين وجنوب السودان.
أما كانوا سيعقدون مقارنات بين تكلفة دوريات كأس العالم، والتكلفة الحالية والمبالغ فيها، مع الدندنة حول العائد من حدث تكلف 220 مليار دولار وسيعود بـ 18 مليار فقط كعائد للدولة المنظمة، مع ذكر أن تكلفة كأس العالم في البرازيل 15 مليار والعائد كان 17 مليار، وأن تكلفة كأس العالم في روسيا 11 مليار والعائد 18 مليار، كل هذه الاعتراضات والدعاية المضادة لو لكانت دولة أخرى غير قطر هي التي نظمت الفعالية، أما إن كان المنظم قطر فالمبررات موجودة والدفاع حاضر، والاتهامات مشهرة ضد الخصوم، فلماذا قطر؟!
الإخوان تتملق قطر لما بعد كأس العالم
هذه الخطط الإخوانية لا علاقة لقطر بها، لكن أعضاء الجماعة هم الذين يمتهنون أنفسهم ويقتلون أنفسهم في الدفاع عن قطر عسى أن تتبنى قضيتهم عقب كأس العالم وأن تنهي التقارب بينها وبين دول التحالف الرباعي السعودية والإمارات ومصر والبحرين، فحسب خبراء أن التقارب القطري ورفع أيديهم عن حماية الإخوان كان مؤقتا من أجل تهدئة الأحوال مع دول الجوار لتمرير الحدث العالمي الذي تنتظره قطر منذ سنوات.
من المؤكد أن قطر لن تنخدع بحملة التملق الإخوانية، فقد جربوا دفئ عودة العلاقات ومناصرة أشقائهم بعد مناصرة الجماعة الإرهابية، وما جر ذلك عليهم من شقاء، حمى الله الأمة العربية شر هذه الجماعة الإرهابية، وأدام الود والصفاء بين كل الأشقاء العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة