الانتخابات النصفية بفلوريدا.. كيف تحولت ولاية الشمس المشرقة لـ"حمراء"؟
في نوفمبر/تشرين الثاني 1999، حبست الولايات المتحدة أنفاسها وترقبت نتائج انتخابات الرئاسة في فلوريدا، لأكثر من شهر، لمعرفة اسم الرئيس الأمريكي الـ43.
حينها تسببت ولاية الشمس المشرقة "فلوريدا" في تعليق نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية برمتها.. فما قصة هذه الواقعة التاريخية؟
وامتدت المعركة الانتخابية بين بوش الابن، وآل جور، وقتها إلى ساحات المحكمة الفيدرالية العليا، والتي أسفرت في نهاية المطاف عن فوز بوش الابن بعد فرز يدوي شاق لملايين الأصوات، على منافسه الديمقراطي بفارق 537 صوتا فقط من إجمالي 5,8 مليون ناخب.
بينما تفوق آل جور في عدد الأصوات الشعبية، وفاز في ولاية إلينوي وحدها بفارق 606 آلاف صوت، لكن فارق الـ500 صوت في الولاية المطلة على الساحل الأطلنطي للولايات المتحدة حسمت المعركة الرئاسية لصالح بوش الابن.
كانت انتخابات الرئاسة الأمريكية 2000، أكثر معارك التصويت إثارة للجدل في فلوريدا، جنوب شرق الولايات المتحدة، ومن هنا اكتسبت شهرتها كأشهر ولاية متأرجحة أو بنفسجية، حيث غلب الانقسام الشديد على أغلب نتائج انتخابات الولاية، بفارق أقل من 1٪ من الأصوات في أغلب الأحيان.
وبعد أن كان الجميع ينتظر النتائج النهائية من فلوريدا بعد انتهاء الفرز في الولايات الأخرى، حيث تنص قوانين فلوريدا على ضرورة إعادة فرز الأصوات في حال كان الفارق في حدود 1%، وهذا ما كان يؤخر عادة نتائج الولاية.
لكن مؤخرا يبدو أن فلوريدا باتت أكثر ميلا للحزب الجمهوري، وبفوارق واضحة حيث ظهر هذا جليا في نتائج انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، التي ربما كانت المرة الأولى التي لا تتم فيها إعادة الأصوات، بعد الفوارق الكبيرة في النتائج، حيث غطى اللون الأحمر أغلب أنحائها تقريبا.
"العين الإخبارية" رصدت من فلوريدا: كيف انتهت أسطورة أشهر ولاية متأرجحة في الانتخابات الأمريكية؟
أسباب متنوعة
الدكتور توماس سميث، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب فلوريدا، أرجع التقدم الجمهوري الأخير في ولاية فلوريدا إلى أسباب متنوعة، أهمها الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها حاكم الولاية رون دي سانتيس، والذي يحظى بشعبية متزايدة على مستوى الولايات المتحدة كلها كنجم صاعد بين الجمهوريين.
وقال سميث لـ"العين الإخبارية"، إن ثاني أهم الأسباب، هو ضعف أداء الديمقراطيين أنفسهم، فمن الملاحظ أن الفجوة في الحماس بين أنصار الحزبين أخذت في الاتساع خلال السنوات الأخيرة، وحتى اللحظة ليس من الواضح ما إذا كانت الإخفاقات الكبيرة الأخيرة، لا سيما في انتخابات حاكم الولاية، تتعلق بسياسة الحزب الديمقراطي نفسه في فلوريدا أو بحملة المرشح الديمقراطي تشارلي كريست الهزيلة.
وكان حاكم الولاية الجمهوري دي سانتيس، قد حقق فوزا مدويا ضد منافسه الديمقراطي كريست، بنتيجة اقتربت بـ60 ٪ من الأصوات؛ إذ حصد 4,614,050 مقابل 3,105,721 صوت لكريست، حيث غطى اللون الأحمر كافة أنحاء الولاية، حتى بعض المدن الكبرى التي تمثل معاقل ديمقراطية تقليدية كمدينة تامبا.
كما حصد مقعد الشيوخ بالولاية الجمهوري ماركو روبيو بـ 58% من الأصوات، ضد منافسه الديمقراطي، في حين اكتسح الجمهوريون انتخابات النواب ونجحوا في زيادة حصتهم من مقاعد فلوريدا إلى ٢٠ بعد أن كانت 17 في مجلس النواب الأخير، في حين اكتفى الديمقراطيون بحصد 8 مقاعد فقط.
وخلال انتخابات 2018، فاز السناتور ريك سكوت، على السناتور الديمقراطي بيل نيلسون، بفارق 10300، في حين فاز حاكم الولاية رون دي سانتيس بمقعد الحاكم في ولايته الأولى بعد أن أطاح بمنافسه الديمقراطي، إندرو جيلوم، بفارق 36000 صوت تقريبا.
وأشار سميث إلى أنه بالرغم أن الولاية اكتست باللون الأحمر خلال الأعوام العشرة الأخيرة، إلا أنها شديدة التنوع ومن الصعب التنبؤ بوتيرة واحدة لسلوك الناخبين، خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع التغيرات الديمغرافية التي تشهدها.
تقسيم الدوائر
ومن جهة أخرى، اعتبر ريك كريسمان، عمدة مدينة سان بطرسبرج السابق، وهي إحدى كبرى مدن ولاية فلوريدا، أن نتائج الانتخابات الأخيرة يعود جزء كبير منها إلى عملية إعادة تقسيم الدوائر والتلاعب الذي حدث، وتدفق السكان الجدد للولاية من ولايات أخرى والذين كانوا بالفعل جمهوريين مسجلين، فضلا عن جهود الحزب الجمهوري لتسجيل الناخبين، على حد قوله.
ولفت إلى الأموال الجمهورية التي انهالت على الولاية بشكل كبير وهو ما أدى إلى فجوة تمويل كبيرة، قائلا: "يتعين على الحزب الديمقراطي القيام بالكثير من العمل إذا أراد أن يصبح منافسًا في ولاية الشمس المشرقة، بدءًا من القيام بعمل أفضل في التواصل، وتسجيل الناخبين، وترشيح مرشحين أفضل".
وأوضح القيادي الديمقراطي لـ"العين الإخبارية"، أن معركة الانتخابات الرئاسية 2024 ستكون صعبة للغاية، لا سيما في ولاية فلوريدا والتي تلعب عادة دورا حاسما في ترجيح كفة المرشح الفائز بالانتخابات الرئاسية.
وتابع: "ربما تكون هي المرة الأولى التي يسعى فيها مرشحان من الولاية على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري، ترامب ودي سانتيس، مرجحا خوض الرئيس السابق الانتخابات كمنافس ثالث حتى في حال عدم نجاحه في الترشح عن الحزب الجمهوري".
من بين كل الولايات الأمريكية الـ50 تكتسب ولاية فلوريدا، جنوب شرق الولايات المتحدة، أهمية خاصة فالولاية ثالث أكبر الولايات من حيث الأصوات في المجمع الانتخابي، وتمتلك 28 صوتاً، بعد كل من كاليفورنيا ذات الـ55 صوتاً، والتي تعدّ محسومة للمرشح الديمقراطي، وتكساس ذات الـ38 صوتاً، والمحسومة مسبقاً للمرشح الجمهوري.
تغير ديمغرافي
وما بين هذا وذاك، رأت الدكتورة كاثرين ديبالو، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة فلوريدا، أن التقلب الشديد الذي تشهده الولاية، مع التغير الديمغرافي الذي حدث في ولاية الشمس المشرقة، وموجة الهجرة الكبيرة لها من الولايات الأخرى من كبار السن والمتقاعدين، فضلا عن نمو الجالية اللاتينية ولا سيما المنحدرين من أصول كوبية، في الجنوب، كلها عوامل ساعدت في إعطاء الحزب الجمهوري ميزة نسبية ضد غريمه الديمقراطي.
وتابعت، ديبالو لـ"العين الإخبارية"، أنه من الواضح أن الحزب الجمهوري، قد شكُل قاعدة ارتكاز قوية في ولاية الشمس المشرقة، فهو يسيطر على أغلب مقاعد الكونجرس في الولاية ويسيطر على منصب الحاكم وأغلب المناصب التنفيذية المهمة.
ولفتت إلى أن فلوريدا أيضا هي محل إقامة الرئيس السابق دونالد ترامب، وعدد من قادة الحزب الجمهوري الأقوياء، ولذلك فإن الجمهوريين يتقدمون بثبات، فمنذ انتخابات 2014 والتي فاز بها الرئيس باراك أوباما لم يفز أي مرشح ديمقراطي، حتى في تلك الأخيرة والتي فاز بها بايدن في نهاية المطاف.
aXA6IDE4LjIyNC41My4yNDYg جزيرة ام اند امز