موجات طالبان الصادمة.. 4 عوامل تفسر الوضع الأفغاني
قال المحلل الأمريكي للأمن القومي رافي خطاب، إن انسحاب واشنطن من أفغانستان شجّع حركة طالبان على الاستيلاء على أكثر من 120 مقاطعة.
كما استولت طالبان، نظرا للانسحاب العسكري الأمريكي، على المعابر الحدودية الرئيسية في أفغانستان، ونقاط العبور مع طاجيكستان وتركمانستان في الشمال، وإيران في الغرب، وباكستان في الجنوب، مما أدى إلى فرض حصار اقتصادي حول البلاد.
وكما هو متوقع أدى رحيل الجيش الأمريكي من أفغانستان إلى خلق حالة من الفراغ الأمني، مثلما حدث في العراق في عام 2011، مما تسبب في تدهور الوضع في البلاد، بسرعة مثيرة للقلق.
أضاف، رافي خطاب، في تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، أن خسارة مثل هذا الكم الهائل من الأراضي لصالح طالبان في غضون ستين يوما فقط من القتال ترسل "موجات صادمة" في أنحاء العالم، وتذكرنا بالفوضى المروعة التي شهدها العراق في عام 2011 على أيدي عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وذلك بعد أن سحب الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما قوات بلاده من هناك.
وأوضح خطاب، الذي عمل من قبل لدى الحكومة الأمريكية في أفغانستان لعدة أعوام، أن كابول تواجه اليوم، مع المنطقة، "أزمة إنسانية". ومن الناحية التحليلية، هناك أربعة عوامل تكتيكية وعملياتية واستراتيجية وسياسية، تفسّر الخسارة الهائلة للأراضي لصالح طالبان.
وأشار إلى أن تركيز القوة بصورة غير متوازنة تعد أول هذه العوامل حيث كان المعقل التقليدي لطالبان دائما بداية من عام 1994، هو الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية لأفغانستان على الحدود المضطربة مع باكستان. وبالتالي، تم نشر قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية بكثافة في هذا الجزء من البلاد، مما ترك الأجزاء الشمالية والوسطى والغربية من أفغانستان، معرضة للخطر.
وفي الوقت نفسه، كشف خروج الجيش الأمريكي من البلاد نقاط ضعف كبيرة في الأجنحة الشمالية لقوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، وأفسح المجال أمام طالبان لاستغلالها، ونتيجة لذلك، شهد شمال أفغانستان أول موجة من خسارة المناطق لصالح طالبان.
ولفت إلى أن عدم وجود قيادة وسيطرة بصورة مستقرة هو العامل الثاني، حيث كان وزير الدفاع الأفغاني قد غاب عن مسرح الحرب في البلاد خلال الأشهر العشرة الماضية.
وقد أبقى الرئيس الأفغاني أشرف غني، منصب وزير الدفاع شاغرا، عن عمد، بينما كانت الحرب تحصد أرواح عشرات الأفراد من قوات الجيش والمدنيين كل يوم.
وفي ظل هذه الخلفية، قام الرئيس غني بنفسه بتولي مسؤولية الحرب، بصورة أساسية، وقام بإدارة الجيش مع عدد قليل من المساعدين المدنيين من داخل القصر الرئاسي، حيث كان المساعدون السياسيون المبتدئون، وليس الاستراتيجيين العسكريين من ذوي الخبرة، يقومون بإملاء التكتيكات والعمليات واللوجستيات والانتشار والاستراتيجية، بحسب خطاب.
ومما فاقم من الأمور ، قيام الرئيس غني في أثناء هذه الفترة الحرجة، بإقالة وزير الداخلية الأفغاني، ما أدى إلى ترك وزارة الأمن الثانية في البلاد، والمسؤولة عن قوات الشرطة الوطنية الأفغانية شبه العسكرية، بدون قيادة. وبالتالي، غابت القيادة والسيطرة على المستوى الاستراتيجي.
ورأى المحلل الأمريكي أن الاقتتال السياسي وضعف القيادة يعد العامل الثالت، حيث ساهم الانقسام العميق داخل القيادة السياسية الأفغانية في تدهور الوضع بصورة كبيرة، وهي نقطة أكدها الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارا في خطابه المتعلق بانسحاب قوات بلاده من أفغانستان، في الثامن من يوليو/تموز عام 2021.
يشار إلى أنه عندما قرر بايدن سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول سبتمبر/أيلول القادم، لم يكن مساعدوه المقربون ومستشاروه، شأنهم شأن كثيرين آخرين، يتخيلون أن تتعثر أفغانستان بهذه السرعة، كما أنهم لم يتوقعوا أن تحقق طالبان مكاسب عسكرية كبيرة بهذه السرعة في أنحاء أفغانستان بحسب التقرير الذي نشرته مجلة "ناشسونال إنترست".
وكانت إدارة بايدن لديها أسباب وجيهة لافتراضاتها، فرغم كل شيء، ساعدت الولايات المتحدة في تدريب وتجهيز وتمويل أكثر من 340 ألف جندي من قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، ولم تدخر شيئا لدعم أفغانستان خلال العقدين الماضيين. ومع ذلك، استمرت بوادر هذا الانهيار منذ إجراء الانتخابات الرئاسية المزورة في عام 2014.
واستمر الاقتتال السياسي الحاد بعد إجراء انتخابات رئاسية مزورة أخرى، تضمنت تزويرا كبيرا لأصوات الناخبين في عام 2019، وبعدها أعلن كل من المتنافسين الرئيسيين، أشرف غني وعبدالله عبدالله، نفسهما رئيسا للبلاد، وعقد كل منهما مراسم متزامنة لأداء اليمين في كابول.
وفي أعقاب الأحداث الدرامية لتزوير الانتخابات بأفغانستان في عام 2014، والتي هددت بانهيار نظام البلاد، تدخلت الولايات المتحدة لإنقاذ الموقف.
وتوسط وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، لتشكيل حكومة وحدة وطنية بموجب اتفاق بين معسكري غني وعبدالله. إلا أن غني قام على الفور بانتهاك شروط الاتفاق، واستغل كل فرصة لتقويض عبدالله ومكتبه وهزيمتهما.
وقد تسبب الاقتتال السياسي الداخلي الناتج عن ذلك في حدوث فوضى عارمة في البلاد، وعندما كرر السياسيون الأفغان نفس أحداث التزوير في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، فقدت الولايات المتحدة صبرها وبدأت في التفكير في الانسحاب من البلاد تماما، بحسب خطاب.
والمحلل الأمريكي، نوه إلى أن عدم كفاية الدعم الجوي واللوجستي يمثل العامل الرابع حيث تعد المناطق الريفية ذات الإمدادات المحدودة، أسهل بالنسبة لطالبان للاستيلاء عليها، كما تعتبر حمايتها أكثر صعوبة بالنسبة لقوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، بسبب بُعدها، واللوجستيات غير الموثوق بها، ووعورة التضاريس، حيث يعد الأمر أكبر من قدرات قوات الدفاع الوطني الأفغانية.
يشار إلى أن استراتيجية طالبان في التركيز على الاستيلاء على المناطق الريفية لها هدفان، تكتيكي واستراتيجي. أولا هم يركزون على كسب المعارك في المناطق النائية ذات الدفاع غير الكافِ، حيث تكون ساحة المعركة كبيرة جدا وعدد قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية قليل جدا.
ومن الناحية الاستراتيجية، تخلق هذه المكاسب التكتيكية حالة واسعة من الخوف العام، وذعرا في أنحاء البلاد، وتتسبب في فقدان الروح المعنوية بين وحدات قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، وتهدد أمن الطرق السريعة وأنظمة الإمداد في البلاد.
aXA6IDE4LjE5MS4yNy43OCA= جزيرة ام اند امز