لماذا فشلت أمريكا في إنهاء حرب غزة؟
نادراً ما ينجح الضغط على إجبار المتحاربين على التفاوض، بل يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية.
وفي 31 مايو/أيار، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مقترح من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب في قطاع غزة، يتضمن وقفا مؤقتا لإطلاق النار وتبادل محدود للرهائن وتدفق المساعدات، ثم تبدأ المفاوضات بعد ذلك، وفي حال نجاحها ستؤدي إلى المرحلة الثانية، التي تتضمن وقفا دائما للقتال، وربطها بالانسحاب الكامل وتبادل كامل للرهائن، وستشهد المرحلة النهائية بدء جهود إعادة الإعمار في غزة، وتبادل رفات الرهائن "الإسرائيليين".
وعلى الرغم من الضجة التي واكبت المقترح، فإنه كان مجرد واحد من العديد من الاقتراحات التي قدمت منذ بدء الحرب، حيث رفضت "إسرائيل" وحماس في السابق خططا مماثلة قدمتها مصر وقطر.
ومثل المقترحات الأخرى فشلت خطة بايدن. وعلى الرغم من أن مبادرات الوساطة هذه لم تنجح في إحلال السلام، فإنها تمثل محاولات لإنهاء المعاناة المستمرة الناجمة عن الحرب، فلا ضرر في المحاولة.
يشير التاريخ إلى أن مثل هذه التدخلات الدبلوماسية غالباً ما تؤدي إلى عواقب سلبية هائلة، إذ لم تتمكن القوى الخارجية من فرض وقف دائم لإطلاق النار دون دعم من المتحاربين أنفسهم، وربما الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الجهود الخارجية لتسهيل الدبلوماسية يمكن أن تجعل الحروب أسوأ، ومن ثم يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الضغط على حماس و"إسرائيل" لتغيير سلوكهما في زمن الحرب، بدلاً من السعي إلى فرض مفاوضات حين لا يعرب أي من الطرفين عن اهتمامه بالتوصل إلى تسوية.
الخوف من التفاوض
ويشعر القادة بالقلق في كثير من الأحيان من أن تفسر الرغبة في التفاوض باعتبارها علامة ضعف، أو فتور العزيمة أو فتور الاهتمام بالسعي من أجل السلام، ومثل هذا التفسير من الممكن أن يؤدي إلى تدهور الروح المعنوية في الداخل أو تحفيز العدو على القتال بشراسة أكبر لأنه يعتقد أن النصر، أو على الأقل تحقيق المزيد من المكاسب، بات وشيكا.
ولعل أبرز مثال على ذلك هو الخوف الذي عبر عنه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابق ثم السفير إلى فيتنام الجنوبية ماكسويل تايلور في عام 1965.
حذر تايلور واشنطن من المسارعة للجلوس إلى التفاوض لأن ذلك قد يدفع هانوي وبكين إلى تفسير ذلك باعتباره "علامة ضعف"، وأعرب المسؤولون الفيتناميون الشماليون عن مخاوف مماثلة، حين أخبروا السفير النرويجي لدى بكين في عام 1967 أنه كلما أبدت هانوي أي اهتمام بالمحادثات، أطلقت الولايات المتحدة العنان لهجمات جديدة، وبالتالي لم تبدأ محادثات السلام إلا في عام 1968، بعد أن شعر الجانبان بأنهما أظهرا قوتهما من خلال العمليات الخاصة بكل منهما.
لعبة ماكرة
ثمّة افتراض خاطئ آخر حول المفاوضات، وهو أنها تتم دائما بحسن نية، فحتى إن لم تتوصل أطراف الصراع إلى تسوية فمن المفترض أنهم بذلوا محاولة صادقة للتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين، لكن الواقع أكثر تعقيداً، إذ يمكن للأطراف المتحاربة أن تتفاوض بسوء نية، وغالباً ما تفعل ذلك، من خلال الظهور بمظهر المهتمين بالتوصل إلى تسوية بينما تهدف في الواقع إلى إفشال المحادثات، ويمكن للمتحاربين غير الصادقين أن يستغلوا الوقت المكتسب من الحديث لإعادة تسليح أنفسهم وإعادة تجميع صفوفهم، أو لإلقاء اللوم السياسي عن الحرب أو للدعاية، ومن ثم تصبح المفاوضات وسيلة لخوض الحروب، وليس فقط لإنهائها.
الطريق إلى اللامكان
ويعتقد المتحاربون أن اتفاق السلام سيصمد إذا كان أحد الطرفين على الأقل أضعف من أن يقاتل أو حين يعتقد الطرفان أن أي محاولة للتراجع عن الاتفاق ستؤدي إلى عواقب وخيمة، لكن أيا من هذين الشرطين لم يتحقق حاليا في غزة.
لم تحقق عملية رفح التي بدأت في أوائل شهر مايو/أيار الماضي، والتي كانت تهدف إلى القضاء على حماس، هدفها. وما زالت حماس تبدو راغبة في مواصلة القتال، كما أن مطلبها المتصلب بالانسحاب "الإسرائيلي" الكامل من غزة، حتى في شهر يوليو/تموز، يشهد على هذه الحقيقة، والواقع أن الهجمات "الإسرائيلية" ضد المدنيين الفلسطينيين كانت سبباً في زيادة الدعم السياسي لحماس، وهو الدعم الذي قد يزداد قوة في واقع الأمر، وبالتالي يقلل من احتمالات التزام أعضاء الحركة بالاتفاق.
امنحوا السلام فرصة
على الرغم من قدرة العديد من الدول والمؤسسات الدولية التأثير على الحرب الحالية، فإن الولايات المتحدة تتمتع بالنفوذ الأكبر، فلدى واشنطن بدائل عدة لاستراتيجيتها الحالية المتمثلة في الضغط من أجل إجراء محادثات يمكن أن تؤثر بشكل أكثر أهمية على مسار الصراع.
أولاً، يجب على بايدن تغيير المسار من خلال الإعلان والتعبير عن الاستعداد للمعاقبة على الفظائع التي ترتكب في مجال حقوق الإنسان وانتهاكات قوانين الحرب، وكما أشارت أونا هاثاواي سابقا في مجلة فورين أفيرز فإن واشنطن ستستفيد من تراجع هجومها ضد المحكمة الجنائية الدولية والضغط بقوة على إسرائيل للتحقيق في أخطاء جنودها ومعاقبتهم.
كما ينبغي على بايدن أن يفعل ذلك، وعليه أن يزيد التهديدات بإيقاف أو حجب عمليات نقل الأسلحة إذا لم يتغير سلوك "إسرائيل". هذا لن ينقذ حياة المدنيين فحسب، بل سيعمل أيضًا على بناء الثقة ببطء في قدرة الولايات المتحدة على أن تكون حكما محايدا في اتفاقية وقف إطلاق النار المستقبلية.
ويجب على الولايات المتحدة -وكذلك مصر وقطر وغيرهما من الوسطاء المحتملين- أن تكون على استعداد لتقديم خدماتها حين تطلبها الأطراف المتحاربة، لكن الجهود المستمرة للتحريض على المحادثات أو الإصرار على شروط لا تتماشى مع المواقف الفعلية للأطراف المتحاربة يجب أن تنتهي.
إذا عقدت المفاوضات فإن احتمال نجاحها سيعتمد إلى حد كبير على النشاط الميداني الأخير، الذي كشف عن تفوق أحد الطرفين وقبول الطرفين المتحاربين لحقيقة أن التسوية ستكون قابلة للتنفيذ.
وخلصت المجلة إلى أن قيمة الأطراف الثالثة ليست في قدرتها على خلق السلام، حيث لا يوجد سلام، بل بالأحرى يمكنهم المساعدة على ترتيب السلام، وعلى الحد من خطر ظهور المتحاربين ضعفاء أو تعرضهم للاستغلال أثناء التفاوض، حين يكون الجانبان على استعداد للنظر في ذلك.
aXA6IDMuMTQuMjQ5LjEwNCA= جزيرة ام اند امز