منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض كانت إدارته أقرب للخليط غير المتجانس، لم يكن لها ملامح محددة وتوجه معين
منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض كانت إدارته أقرب للخليط غير المتجانس، لم يكن لها ملامح محددة وتوجه معين؛ الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في أن تكون التوجهات الأمريكية وبخاصة تجاه الشرق الأوسط أكثر غموضاً، لكن حركة التغييرات التي أجراها الرئيس ترامب في الإدارة الأمريكية مؤخراً، بإقالة ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو خلفاً له وزيراً للخارجية، وتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأمريكي تأتي لكي ترسم ملامح الإدارة الأمريكية، والتي تشهد عودة الصقور إلى الواجهة السياسية الأمريكية.
عودة الصقور إلى الواجهة السياسية الأمريكية، ومعرفة خلفيات القيادات الجديدة في الخارجية الأمريكية والأمن القومي، سوف تساعد في معرفة التوجهات الأمريكية وتعاملها مع ملفات الشرق الأوسط، فعند الحديث عن وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو نجد أنه من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني وإغلاق سجن غوانتنامو ، وأما مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون يعد من المؤيدين لاستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية وإيران. من هنا نجد أن التوجهات السياسية لهذه الشخصيات بالتحديد تأتي لكي تنسجم بشكل كبير مع رؤية الرئيس دونالد ترامب الأمر الذي يعني أن إدارة ترامب بدأت تتحدد ملامحها وتوجهاتها. فهي باتت تجنح إلى الخيارات العسكرية أكثر من الخيارات الدبلوماسية، وهو ما يعني أننا أمام إدارة تميل أكثر إلى ترجيح القوة العسكرية وتحجيم الدبلوماسية بما يمكن أن نسميه إن صح التعبير (عسكرة الدبلوماسية).
أما عند الحديث عن تعامل السياسية الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط نجد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ وصولها إلى البيت الأبيض، كان تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط يعتمد بنسبة كبيرة على صياغة خطابات التهديد في مقابل عدم وجود فعل على الأرض، ربما الأمر يعود إلى الانقسام الحاصل داخل الإدارة الأمريكية، وبخاصة بين الخارجية التي كان يرأسها ريكس تيلرسون وبين الرئيس ترامب، حيث بات واضحاً أن الطرفين لم يكونا على وفاق تام، وهو ما أحدث فجوة واسعة بين البيت الأبيض والخارجية الأمريكية الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في أن يجعل البوصلة الأمريكية تجاه ملفات الشرق الأوسط تدور في إطار فارغ من الرؤية والأهداف.
أما عند الحديث عن السياسية الأمريكية، وبخاصة عقب حركة التغييرات التي أجراها الرئيس ترامب في الإدارة الأمريكية مؤخراً نجد أنها تميل أكثر للتعامل مع الملف الإيراني، ربما من خلال النظر إلى تصريح الرئيس ترامب مؤخراً، والذي كان مضمونه (سترون ما سأفعله تجاه إيران بعد شهر) مما يكشف أن إدارة ترامب بدأت عملها للتو على صياغة استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران خصوصاً بعد أن بات الرئيس الأمريكي يمتلك الأرضية الخصبة من توافق الروئ والأهداف لصياغ استراتيجية طال انتظارها كثيراً.
أما عن ملامح هذه الاستراتيجية فلا يمكن التنبؤ بسقف عالٍ ولذلك فهي قد تقوم على ثلاث قواعد أساسية الأولى وهي: الاستمرار في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، ربما ما يجعل من هذه الخطوة تؤتي ثمارها هو الضغط الحاصل على النظام من قبل الشارع الإيراني الذي يشهد موجة من الاحتجاجات المنددة بسياسات النظام، وتردي الحالة الاقتصادية، وأما القاعدة الثانية فهي: القيام بتعديلات على الاتفاق النووي يساهم في تصحيح الأخطاء التي صنعتها إدارة أوباما، والتي أطلقت الذراع الإيرانية في المنطقة، وأما ما يجعل إلغاء الاتفاق النووي مستبعداً هو أن أمريكا تعد طرفاً في اتفاق سداسي، وهو أيضاً ما يجعل واشنطن تتمسك بهذا الاتفاق ففي تقديري أن الاتفاق يعد جزءاً من ترتيبات الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت عن استراتيجيتها العام 2009، وهي الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والاستدارة نحو شرق آسيا، والتي ستكون محطة الصراع والتنافس الدولي ولمواجهة القوة الصينية الصاعدة. ولذلك تدرك واشنطن أنها في طريق تنفيذ هذه الخطوة فهي لا تريد إعادة حالة الشد والجذب مع الإيرانيين، والتي كانت سائدة ما قبل توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية.
من جهة أخرى نجد أن القاعدة الثالثة في الاستراتيجية الأمريكية المنتظرة، وهي سوف تطال حلفاء إيران في المنطقة، تنظيمات مسلحة أم دول؛ فهذا باعتقادي أنه، إذا ما تم، فسوف يساهم إلى حد كبير في عز ل إيران، وهذا ما يجعلنا نتداخل مع ملف أزمة قطر خاصة وأنها تعد حليفاً لإيران، ويشهد التعاون والتنسيق بينهما تطوراً ملحوظاً وبخاصة في الآونة الأخيرة، ولعل تجديد الحرس الثوري الإيراني دعمه للنظام القطري مؤخراً سيكون بمثابة القشة التي سوف ترفع من مستوى الغضب الأمريكي تجاه قطر، الأمر الذي سوف يجعل الدوحة تعيش في مأزق لا سيما أن آمال الدوحة التي كانت تعوّل على موقف أمريكي بجانبها قد تبخرت، خصوصاً بعد التغييرات الأخيرة في الإدارة الأمريكية وخروج ريكس تيلرسون الذي كانت مساعيه على رأس وزارة الخارجية تهدف بشكل كبير لتخفيف الضغط الأمريكي على قطر وإيجاد حل وسط لأزمتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة