مع الفوز الكبير للرئيس السيسي في انتخابات رئاسة مصر بات من الطبيعي أن يُطرح سؤال حول طبيعة المهام العاجلة للرئيس في الولاية الثانية،
مع الفوز الكبير للرئيس السيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر بات من الطبيعي أن يُطرح سؤال حول طبيعة المهام العاجلة للرئيس السيسي في الولاية الثانية، خاصة في سياقها الداخلي، وفي الإقليم خاصة أن الرئيس السيسي أسس دعائم حكمه في الولاية الأولى على ما يعرف باسم شرعية الإنجاز، والتي كانت مدخلاً لكثير من الخطوات التنفيذية التي سنّها الرئيس السيسي طوال فترة حكم الولاية الأولى.
سيظل توفير الأمن والاستقرار على رأس الأولويات الوطنية المصرية، والتي سيعمل عليها الرئيس السيسي، خاصة أن عملية القوات المسلحة 2018 ستستمر إلى حين إنهاء الإرهاب بالكامل ليس في سيناء فقط، وإنما في ربوع الوطن بأكمله
مبدئياً يأتي الحديث عن طموحات وأولويات الولاية الثانية على سيناريوهات متعددة تتعلق بترتيب وهندسة شكل النظام السياسي في مصر في المرحلة المقبلة؛ علي اعتبار أن الرئيس السيسي سيقضي مدة الولاية الثانية فقط وفقاً لنص الدستور، ومن ثم فإن الحديث المبكر عن زيادة مدة الولاية، أو تغيير نص الدستور، وفتح المدة الزمنية غير وارد تماماً، وهو ما أقره الرئيس السيسي شخصياً، وعبّر عنه في أكثر من مرة، مؤكداً أنه سيلتزم بالنص الدستوري برغم المطالبات الشعبية والجماهيرية من داخل مجلس النواب بإعادة النظر في هذا الأمر، خاصة مع النسبة الكبيرة التي حازها الرئيس في الانتخابات الأخيرة، وتتيح واقعياً طرح هذا الملف على أرضية المصلحة الوطنية العليا، والتي تتطلب مراجعات بعض نصوص الدستور الذي كُتب كما قال الرئيس السيسي بنوايا طيبة..
إن الحديث عن تشكيل ظهير سياسي أو حزب للدولة سابق لأوانه برغم التحركات التي أبداها بعض نواب كتلة ما يعرف باسم دعم مصر والمؤكد، ووفقاً لنص الدستور فإن الرئيس السيسي يحظر عليه تشكيل حزب رسمي، وإن كان المسار الطبيعي الذي ستمضي فيه الدولة في الولاية الأولى هو إتاحة الفرصة لهيكلة وضع الأحزاب السياسية في مصر، وإعادة طرح فكرة دمج أو ائتلاف أو تجميع الأحزاب ذات المرجعيات الواحدة وبناء نظام حزبي متماسك، وهو ما سبق وأن طالب به الرئيس السيسي، ولم يلتفت إليه أحد وتوهم البعض أن الرئيس يريد سياسة الحزب الواحد، ولعل فوز المستشار بهاء أبوشقة برئاسة حزب الوفد مؤخراً سيدفع بإقدام الأحزاب للبدء وإحداث حراك سياسي حقيقي في الهيكل الحزبي، تمهيداً لإجراء انتخابات المحليات في 2019، والاستعداد المدروس والمخطط لانتخابات مجلس النواب 2020، والسؤال هل يتم ذلك من خلال دعوة مباشرة من الرئيس السيسي، أم أن الحكومة الجديدة التي ستشكل بعد أداء اليمين الدستورية ستُكلف بهذا الأمر، وفي كل الأحوال ستبدأ الخطوة بدعم رئاسي أو حكومي، وفي ظل الحاجة الحقيقية لبدء هذا المسار الذي سيدفع بتغيير حقيقي على مستوى الحياة الحزبية بأكملها، وهو مطلب ينشده الجميع.
إن تصويب مسار العمل السياسي في مصر سيتطلب حواراً سياسياً ومجتمعياً مع ترتيب جدول أعمال للوطن بأكمله، وهو ما سيعمل عليه الرئيس السيسي في الولاية الثانية، حيث سينتقل من مرحلة تثبيت دعائم الدولة المصرية لتفعيل دور المؤسسات الرسمية سواء مجلس النواب، أو الحكومة الجديدة التي سيُعاد النظر في بعض عناصرها وفقاً لحاجة العمل، وطبيعة المرحلة المقبلة خاصة بالنسبة لقطاعات التعليم والصحة والاستثمار والتخطيط والثقافة والتنمية، وسيكون التركيز بالأساس على بناء المواطن، وتحديد ما يحتاجه ليس فقط في مجال الاحتياجات الخدمية، وهو ما سيكون مطروحاً في خطاب التكليف لرئيس الحكومة الذي سيختاره الرئيس السيسي، ويضع فيه الرئيس الأولويات والمهام السياسية والاقتصادية المنشودة، والتي ستركز على تحقيق المتطلبات الآنية للمواطن وإشراكه، وتفعيل دوره سياسياً ومجتمعياً.
سيظل توفير الأمن والاستقرار على رأس الأولويات الوطنية المصرية، والتي سيعمل عليها الرئيس السيسي خاصة أن عملية القوات المسلحة 2018 ستستمر إلى حين إنهاء الإرهاب بالكامل ليس في سيناء فقط، وإنما في ربوع الوطن بأكمله، وهي مهمة ستظل قائمة ومستمرة طوال الولاية الثانية، وستحتاج إلى ظهير شعبي حقيقي داعم ومؤثر، كما لن تكون هناك استجابة لبعض المطالب التي تدعو لفتح ملف الإرهاب والتنظيمات الإرهابية من منظور مجتمعي وفقاً لفكرة المواءمة والتوافق، أو الدعوة الخبيثة للمصالحة على أرضية جديدة في ظل استمرار جماعة الإخوان المسلمين في نهجها وعدم إبداء أية مراجعات حقيقية في المواقف، والممارسات الإجرامية التي قاموا بها طوال سنوات ما بعد ثورة 30 يونيو، ومن ثم لن يكون هناك حديث عن إجراء مصالحة، أو توافق مع الجماعة الإرهابية طوال الولاية الثانية، وستستمر شرعية نظام الحكم تستند على أسس من الشعبية الجارفة للرئيس السيسي، والتي حظي بها في الانتخابات الأخيرة، والتي ستكون منطلقاً مباشراً لإجراء ترتيبات سياسية متعددة الاتجاهات والمسارات في الفترة المقبلة وبدون ضغوطات داخلية ملحة.
إن هناك خطوات استهلالية سيطرحها الرئيس السيسي في خطابه الشامل في الجلسة المقبلة لانعقاد مجلس النواب بعد أداء الرئيس اليمين الدستورية، والمتوقع أن تكون في بدايات يونيو المقبل، وستتضمن إجراءات محددة وستحتاج إلى إجراءات تنفيذية تطول شريحة الشباب تحديداً، والتي حرص الرئيس على استدعائها للحضور السياسي في الفترة السابقة، من خلال مؤتمرات الشباب والتي شارك فيها العشرات، وهو الأمر الذي سيتكرر في الفترة المقبلة مع احتمال تغيير شكلها خاصة أن هناك ترتيباً لعقد المنتدى الدولي في نوفمبر المقبل، والذي سيكون سنوياً، مع البدء في تطوير بعض البرامج التي تدرس في البرنامج الرئاسي مع اتباع أكبر قدر من الشفافية في الطرح والمشاركة، وكذلك لرجال المال والأعمال والمستثمرين، والنخبة المدنية المدعوة بقوة لأداء دور جديد في الولاية الثانية يتجاوز الدور النمطي، وتقديم الرؤى التنظيرية فقط إضافة للتجاوب لعقد بعض المؤتمرات المتخصصة في مجال الإعلام والاقتصاد والاستثمار، ومن خلال فرق عمل متخصصة.
إقليمياً ستفرض التطورات الجارية في الإقليم نفسها على الولاية الثانية خاصة مع ما يخطط أمريكياً للتعامل مع الملف الفلسطيني عبر طرح رؤية انفرادية لإتمام التسوية العربية الإسرائيلية علي حساب الشعب الفلسطيني، كما ستستمر مصر في مواجهة التحديات الواردة من الجبهة الليبية عبر استمرار حضورها المباشر واتصالاتها مع الفعاليات الليبية، والتنسيق مع كل من تونس والجزائر، واستمرارها في خطوة تجميع القوى الليبية المختلفة، وخطواتها لتشكيل الجيش الوطني الليبي وهي مهمة عسيرة، كما سيظل التنسيق مع روسيا بالأساس في الملف السوري، ومن خلال دور متوقع لمصر في إعادة تأهيل الجيش السوري بعد وقف إطلاق النار وبدء تفاهمات حقيقية متماسكة، كما ستطرح الولاية الثانية أولويات مهمة لصانع القرار المصري تجاه منطقة الخليج العربي تحديداً باعتبار أن الأمن القومي الخليجي يتماس ويتلاقى مع الأمن القومي المصري، ومن ثم سيستمر الحضور الاستراتيجي المصري في الإقليم بل، وسيتكثف في الفترة المقبلة في مواجهة التحديات التي تفرضها التدخلات غير المشروعة لإيران وتركيا في شؤون بعض الدول العربية.
سيكون أمام مصر في الولاية الثانية الإقدام على مواقف واضحة لدعم التوجهات العربية، ومن ذلك الوقوف أمام محاولات إعادة بناء المنطقة وفقاً لحسابات دولية، وستكون مشاركة مصر في القمة العربية المقبلة في الرياض منطلقاً لتحديد الأولويات المصرية العربية في مواجهة المشروعات الدولية، والتي تتجاوز حديث الصفقات والتسويات المنقوصة، والخطوات التدريجية.
سيكون مطلوباً من مصر في الولاية الثانية للرئيس السيسي تحويل المواقف والتوجهات الثابتة والداعمة خليجياً وعربياً إلى إجراءات هيكلية، وفي إطار بناء تحالف استراتيجي طويل المدى، وبما يخدم المصالح العربية ويقف في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه النظام الإقليمي العربي في معطياته..
تبقى إشارة أخيرة مهمة سترتبط بتوجهات الولاية الثانية، وأولوياتها الداخلية والعربية وفقاً لما عرضناه، والتي ستشتبك بالضرورة مع بعض الأولويات المصرية في النطاق الدولي، والتأكيد على الخيارات المصرية تجاه الولايات المتحدة من جانب وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، خاصة أن الرئيس السيسي سيحدث بالفعل توازناً حقيقياً في نمط العلاقات المصرية مع كل من روسيا، ولاعتبارات استراتيجية وسياسية محددة، ومع الولايات المتحدة التي ستحرص على استمرار شراكتها مع مصر، باعتبارها دولة محورية في الإقليم، واستقرارها يمثل ركيزة حقيقية للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بصرف النظر عن احتمال استمرار التجاذب في بعض الملفات الثنائية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة