"الربيع الغربي".. هل جعلت أمريكا من أوكرانيا "سوريا أوروبا"؟
قصتان مأساويتان تفصلهما 11 عاما، لكن تتشابه فيهما الضحية، والمحرك الأساسي، وربما الحبكة الدرامية، مع اختلاف الموقع والظروف وهوية البطل.
فسوريا وأوكرانيا بلا شك، من أكثر البلدان في العالم حاليا تعرضا للدمار والنزوح في الأعوام الـ11 الماضية، ودفع الثمن شعوب أرادت الحياة فلم تنل غير الموت واللجوء والتشرد.
هذا التشابه في الواقع والمآلات، قاد البعض إلى القول إن أوكرانيا "سوريا جديدة" في قلب أوروبا، وقصة معاناة جديدة لكن قاسية على الغرب الذي لم يشعر بعمق الأزمة السورية في وقتها، لأسباب عدة بينها البعد الجغرافي والانفصال الديمغرافي، وفق مراقبين.
تشابه لا تطابق
وكما فعلت أمريكا في الشرق الأوسط في 2011 وفي ظل إدارة الديمقراطيين أيضا، من دعم الاحتجاجات وتغيير أنظمة في عدة دول عربية ودعم جانب دون آخر عسكريا وماديا، يرى المراقبون أنها تحاول حاليا أيضا بطريقة مشابهة وليست متطابقة تكراره في أوكرانيا.
ففي 2011، لم تلق الولايات المتحدة بثقلها في دعم حوار أو حل سياسي، أو مخرج يبقي الأرض بلا تجريف، والبيوت بلا دمار، وإنما دعمت أطرافا على حساب أخرى، ما أدى في النهاية إلى حرب أهلية طاحنة أهلكت الحرث والنسل.
ووفق مراقبين، فإن ما فعلته الولايات المتحدة في سوريا من دعم طرف على حساب آخر تسبب في أزمة ممتدة منذ أكثر من 11 عاما ولا تزال تدفع ضريبتها دمشق حتى الآن.
هذا يتشابه إلى حد ما، وإن كان ليس متطابقا، مع النموذج الأوكراني، حيث لم تعمل الولايات المتحدة، وفق المعطيات الظاهرة، على التوصل إلى حل، أو رسم مخرج يحمي المدنيين من ويلات الحروب، وإن كان الأمر أيضا مرتبطا بنفس الدرجة بالإرادة والموقف الروسي.
الحرب في أوكرانيا، مثل سابقتها في سوريا، حركت أزمة لجوء كارثية شردت أكثر من 5 ملايين شخص في دول الجوار الأوروبي المباشر، وتشابهت صور الهاربين من البرد، والمدثرين باللاشيء في العراء، تماما مثل ما حدث في الأزمة السورية.
الأزمتان تلاقتا في نقطة أخرى، هي مسألة المرتزقة والمتطوعين الذين امتلأت بهم الأراضي السورية قبل سنوات ما أدى في النهاية لظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو الوضع نفسه الذي تعيشه أوكرانيا في ظل توافد ما يطلق عليهم "المتطوعين" أو المحاربين المتقاعدين وغيرها من المسميات.
أما الجانب الاقتصادي، فلا يختلف الأمر كثيرا في أوكرانيا عن سوريا، بعد أن أدت الحرب الطاحنة إلى تدمير الجانب الأكبر من البنية التحتية خاصة في مدن شرق أوكرانيا، ما يحتاج لسنوات طويلة لإعادة إصلاحه.
"خطر الرومانسية"
في أواخر أبريل/نيسان الماضي، حاول تقرير لمجلة فورين بولسي رسم بعض الشبه بين أوكرانيا وسوريا، وقالت إن الغرب "تعامل برومانسية واستعجال مع الأزمة في أوكرانيا وقت اندلاعها"، وتدفقت الأسلحة والمتطوعين على كييف، وقوبلت عملية عسكرة شعب يبلغ تعداده 41 مليون نسمة بحفاوة كبيرة.
وتابعت: "هذا يعيدنا إلى ما حدث في سوريا قبل 11 عاما"، مضيفة "من خلال إغراق أوكرانيا بالسلاح والمقاتلين الأجانب، يمكن للقادة الغربيين أن يمهدوا الطريق لصراعات مستقبلية"، تماما مثل سوريا.
صحيفة بولتيكو الألمانية توقعت الشهر الماضي، أن تستمر الحرب في أوكرانيا لعقد، وتصبح البلاد "سوريا جديدة" في أوروبا الشرقية.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، "تقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن الصراع قد يستمر لعقد.. في الواقع، ليس هناك ما يشير إلى أن أيًا من الطرفين سيكون مستعدًا لمفاوضات سلام جادة في أي وقت قريب".
وتابعت: "بدأ الصراع العسكري المستمر، يبدو وكأنه سوريا في أوروبا الشرقية.. يقف الناتو حازمًا وموحدًا، والأوكرانيون، على الرغم من شغفهم وانضباطهم، منتشرون بشكل ضئيل للغاية في الدفاع عن كييف وغيرها من النقاط الرئيسية".
الدور الأمريكي
لكن بولتيكو وفورين بولسي، تجاهلتا رؤية عدد من المراقبين يلقون باللوم على واشنطن في خلق "سوريا جديدة" في قلب أوروبا، بسبب الرغبة في توسيع حلف شمال الأطلسي، وفرض الأمر الواقع، وتهديد روسيا في جوراها المباشر.
ولا ينسى هؤلاء المراقبون ما حدث في سوريا قبل أعوام، وأن الولايات المتحدة دعمت طرفا على حساب آخر، رغم المعرفة المسبقة بقوة العلاقات الاستراتيجية التي تربط موسكو ودمشق
وفق المراقبين، فإن واشنطن أخفقت في تنفيذ مخططاتها في الشرق الأوسط من خلال ما أطلق عليه "الربيع العربي"، لاسيما في ظل دعمها الواضح لجماعة لإخوان الإرهابية إبان عهد إدارة باراك أوباما والتي كان الرئيس الحالي جو بايدن أحد وجوهها.
وبعد "ثورات تصحيحية" في مصر وتونس والسودان، تراجع الإخوان واختفوا من المشهد، فيما بدأت سوريا العودة رويدا رويدا مع القضاء على "داعش" وسيطرة الجيش السوري على المزيد من الأراضي التي خسرها من قبل على يد المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها، وفق المراقبين.
هل بدأت السورنة؟
بدوره، قال الخبير الإيطالي، دانييلي روفينيتي في حديث لـ"العين الإخبارية": "لوقت طويل كان هناك حديث عن سورنة الصراع الأوكراني، ولا ينبغي استبعاد أن تكون هذه العملية بدأت بالفعل".
وتابع: "هناك مقاتلون أجانب وهناك العديد من الشروط تهيئ لحدوث هذا الانحراف السيئ في الأشهر المقبلة".
وأشار إلى أنه "من بين أمور أخرى، نرى أيضًا أن موقف الروس مشابه للموقف الذي تبنته موسكو في سوريا، وهذا قد ينتج تصلب القوات الأوكرانية"، متابعا "لا يمكن استبعاد أن تنتج الحرب تمردا وظواهر مثل العصابات، في حال استمرت حالة الجمود الراهنة".
ومنذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط الماضي، توافد على أوكرانيا عشرات الآلاف من المتطوعين الغربيين الذين فتحت بلدانهم باب انضمامهم إلى القوات الأوكرانية في الحرب الجارية حاليا، فيما تتحدث تقارير عن وجود مقاتلين أجانب في الجانب الروسي أيضا.
توأم داعش؟
الفوضى الذي فرضت على سوريا في السنوات التي أعقبت 2011، خلقت وحشا روع العالم لفترة طويلة، وضرب بقسوة في مدن عربية وإسلامية، وأيضا في قلب الغرب؛ برلين وباريس ولندن وغيرها.
هذا الوحش لا يزال يصارع الموت، رغم الضربات السورية والروسية، وتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، ولا يزال ينفذ الهجمات هنا وهناك، ما يجعل خروج أي تنظيم مشابه، أو حتى منح التنظيم القديم ملاذا جديدا، قصة رعب حقيقية.
هذا وجه تشابه قوي بين ما يدور في أوكرانيا، وما دار في سوريا قبل أكثر من عقد، حيث يخلق البعض الفراغ الأمني لتنظيمات متطرفة، ثم يدفع الثمن دما ورعبا فيما بعدـ إذ يتخوف مراقبون من إنتاج المقاتلين الأجانب الذين تضج بهم أوكرانيا حاليا، رعبا جديدا.
وحول استغلال التنظيمات الإرهابية للفراغ الأمني في أوكرانيا، يقول الخبير في موقع "ديكود٣٩" الإيطالي، ماسيميليانو بوكوليني، لـ"العين الإخبارية"، "من الناحية النظرية، يمكن ذلك، ولكن من الناحية العملية، فالأمر صعبً لأن الأراضي الأوكرانية والحدود مليئة بعملاء المخابرات من جميع دول الحلف الأطلسي، وسيتم اكتشاف هذه التحركات".
فيما قال روفينيتي: "هذا سيناريو معقد للغاية.. نعلم أن داعش مثل العديد من التنظيمات الإرهابية الأخرى تستفيد من تدهور الأوضاع الأمنية، وتعمل على تنظيم الخلايا وتدشين حملات تجنيد في مثل هذه الظروف".
لكنه استبعد أن يصل الأمر إلى مستوى ما حدث في سوريا، في ظل اختلاف الحافز والديناميكيات والتركيبة الديمغرافية بين البلدين، وسيقف الأمر عند استغلال الفراغ الأمني.
تلاقي المآسي
وكان تقرير للجنة الأمم المتحدة "الإسكوا" وجامعة "سانت أندروز" كشف في 2020، عن خسائر اقتصادية فادحة تفوق 442 مليار دولار تكبدتها سوريا من جراء الحرب التي دمرت البنية التحتية.
وتابع التقرير أن 11.7 مليون شخص بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، مضيفا أن "3 ملايين من الأطفال السوريين تقريبا خارج المدارس، لافتا إلى أن هناك نحو 5.5 مليون لاجئ مسجلين في دول الجوار السوري.
وفيما يتعلق بأوكرانيا، لا تختلف الأرقام كثيرا، فأكثر من 5.2 مليون لاجئ مسجلين في الوقت الحالي في دول الجوار؛ خاصة بولندا والمجر ومولدافيا.
فيما تفيد الإحصاءات الرسمية الأوكرانية، بأن خسائر البلاد من الحرب حتى الآن، تصل إلى 600 مليار دولار بما يشمل خسائر البنية التحتية والاقتصاد والمحاصيل المدمرة وتوقف المصانع وغيرها من أعراض الحرب، ما يعكس أيضا تشابها مع سوريا.
aXA6IDMuMTQ5LjIzLjEyMyA= جزيرة ام اند امز