معضلة باغرام.. كيف يستعيد ترامب القاعدة الأمريكية من «طالبان»؟

تمثل استعادة قاعدة باغرام الجوية الأمريكية قضية ملحة بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وطالما اعتبر الرئيس الأمريكي أن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021 كان من أسوأ اللحظات في تاريخ الولايات المتحدة.
ويتذكر ملايين الأمريكيين صور تلك الفترة للحشود المذعورة بمطار كابول، والمدنيين الذين تشبثوا بيأس بالطائرات العسكرية، ومذبحة "آبي غيت"، حيث أودى انتحاري بحياة 13 جنديًا أمريكيًا.. هذه الصور راسخة في وجدان الرأي العام لذا حظيت دعوة ترامب لـ"الانتقام" بدعم واسع النطاق، وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي.
وخلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى المملكة المتحدة، ربط ترامب الانسحاب الكارثي من أفغانستان بمطالبته لحكومة طالبان بإعادة قاعدة باغرام الجوية إلى الولايات المتحدة حيث أشار إلى أن القاعدة تُطل على منطقة شينجيانغ غرب الصين، وعلى برنامج بكين النووي وهو ما يعني أن الوجود الأمريكي في القاعدة لا يُقدر بثمن.
وكان ترامب قد أدلى بتصريحات مماثلة خلال حملته الانتخابية عام 2024 لكن تصريحاته الأخيرة حملت تهديدًا لطالبان بأنه إذا لم تُسلم قاعدة باغرام الجوية للولايات المتحدة، "فستحدث أمور سيئة" لم يوضحها.
من الواضح أن الهدف من طلب ترامب إعادة باغرام ليس مجرد محاولة لإعادة النظر في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لكن الوجود الأمريكي في القاعدة سيعيد صياغة موقف واشنطن في وسط وجنوب آسيا بشكل جذري حيث أن باغرام لا تتعلق بالسياسة الداخلية لأفغانستان، بل بمركز جوي متقدم يستهدف الصين وإيران وروسيا وآسيا الوسطى ككل.
وترفض طالبان تسليم القاعدة وأكدت الصين احترام سيادة أفغانستان وحذرت من أي خطوات قد تزعزع استقرار المنطقة. ولم تُصدر روسيا وإيران أي ردود رسمية حتى الآن لكن في ظل التنافس مع الولايات المتحدة وموقع القاعدة، فإنهما لديهما دوافع قوية لدعم رفض طالبان.
بُنيت قاعدة باغرام الجوية، التي تقع على بُعد حوالي 65 كيلومترًا شمال كابول، على يد الاتحاد السوفياتي خلال حربه في أفغانستان من عام 1979 إلى عام 1989 وبعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001، أصبحت القاعدة القلب اللوجستي للعمليات الجوية الأمريكية لعقدين من الزمن.
وأخلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن القاعدة بهدوء في أوائل يوليو/تموز 2021، قبل أسابيع من استيلاء طالبان على السلطة والانسحاب الفوضوي من كابول.
ونظرًا لموقعها، يمكن أن تُصبح القاعدة مكانًا مثاليًا كمركز للمراقبة والاستجابة السريعة مع إتاحة الفرصة للولايات المتحدة لإحياء جهود مكافحة الإرهاب.
ومن منظور جيواقتصادي، تقع أفغانستان على مفترق طرق العديد من مشاريع الربط غير الغربية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق الصينية، و"الشراكة الأوراسية الكبرى" الروسية والطرق الشمالية الجنوبية التي تربط بحر قزوين بالمحيط الهندي.
وتعمل بكين على إنشاء قناة بين كابول وإسلام آباد لدفع مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان عبر الحدود. في حين اعترفت روسيا بطالبان وبالتالي ضمنت دورها في إعادة تصميم قطاع النقل في آسيا الوسطى.
وفي ظل التنافس على الموارد المعدنية ينبغي ملاحظة مساعي الصين في استخراج النحاس والتي تمنح بكين قدرًا من النفوذ على كابول وعلى سلاسل التوريد الحيوية.
ويمكن لواشنطن تطوير مبادراتها المعدنية الخاصة في البلاد بما يعود بالنفع على الشعب الأفغاني وسيعزز الوجود الأمني الأمريكي في باغرام حرية التجارة في البلاد.
أمنيا، فإن المبررات الاستراتيجية لوجود قاعدة جوية أمريكية في باغرام واضحة مع ازدهار الشبكات المتطرفة منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان حيث تعمل القاعدة الآن بشكل واضح.
وحتى الآن، يبدو أن هدف ترامب الرئيسي هو إبرام صفقة مع طالبان لاستعادة باغرام وقد يكون هذا الخيار هو الأسهل على المدى القصير، إلا أنه سيكون خطأً فادحًا.
فرغم مليارات الدولارات التي تلقتها طالبان من الولايات المتحدة والمساعدات الدولية منذ 2021، إلا أن مواقفها السياسية ازدادت تشددًا، في حين أنها تسامحت مع الشبكات الإرهابية أو تعاونت معها.
وبالتالي فإن إبرام صفقة مع الجماعة أمر سيئ كما أن الاتفاق مع طالبان لتوفير الأمن للقاعدة سيؤدي إلى نتيجة كارثية في وقت تتوق فيه الجماعة وحلفاؤها لقتل أي أمريكي.
وهناك مُشكلة جغرافية أخرى في صفقة باغرام حيث تقع القاعدة في باروان، معقل السكان الأفغان من أصل طاجيكي والذين لديهم تاريخ طويل من معاداة طالبان التي حافظت على السيطرة على المنطقة منذ 2021.
وإذا كان أمن أمريكا على المدى الطويل في القاعدة يعتمد على المساعدة الأمنية من المجتمعات المحيطة، فإن طالبان ليست الضامن المناسب.
ولحل هذه المعضلة، كتب، عبد الله خنجاني، رئيس الشؤون السياسية في جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية المناهضة لطالبان في "ناشيونال إنترست" في أبريل/نيسان الماضي أن ترامب لا يحتاج إلى إضفاء الشرعية على طالبان للمساومة على باغرام، لأن الشراكة الأمنية مع الحركة غير آمنة وغير أخلاقية.
وقال إنه إذا أرادت واشنطن استعادة نفوذها في أفغانستان، فعليها بدلاً من ذلك أن تعمل مع المجتمعات المحلية المحيطة بباغرام ومع القوات المناهضة لطالبان.
لذا يتعين على إدارة ترامب تحويل اهتمامها من إبرام صفقة مع طالبان إلى تمكين الحركات الديمقراطية الموالية لأمريكا التي تعمل بالفعل في بروان وبنجشير وأنداراب والشمال ومساعدة جبهة المقاومة الوطنية والجماعات المتحالفة معها لتشكيل ثقل موازن لطالبان مما يضمن وجود شركاء آخرين للتفاوض معهم.
كما ينبغي للولايات المتحدة استكشاف إطار قانوني، على غرار اتفاقيات الوصول السابقة في المنطقة، بحيث يكون أي وجود أمريكي بالقرب من باغرام مشروطاً بموافقة السلطات المحلية الموثوقة.
أخيرا فإن السؤال المهم لا يتعلق بأهمية باغرام بل يتعلق بمعرفة الجهة الصحيحة التي يجب على ترامب التعاون معها للسيطرة على القاعدة.