أمريكا في النيجر.. من شريك لـ«منبوذ» والسر في 17 مارس
من شريك مهم في عمليات واشنطن لمكافحة الإرهاب في المنطقة، إلى تدهور كبير في العلاقات، تحول مثير في العلاقات بين أمريكا والنيجر، منذ يوليو/تموز 2023.
تدهور جاء على خلفية الإطاحة بالرئيس بمحمد بازوم المنتخب ديمقراطيا، وتعيين الجنرال عبد الرحمن تشياني رئيسًا للمجلس الوطني لحماية الوطن، مما دفع بالأخير لتعليق اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة في 17 مارس/آذار الماضي، إثر زيارة قام بها مسؤولون أمريكيون كبار إلى العاصمة نيامي.
وقال متحدث باسم المجلس العسكري -آنذاك- إن القرار اتخذ بعد أن حذر الوفد الأمريكي النظام العسكري من الشراكة مع روسيا وإيران.
فما الذي أخطأت فيه أمريكا؟
يقول موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت» الأمريكي المعني بالدراسات الاستراتيجية، إن الخطأ الأمريكي في أماكن مثل النيجر، يتمثل في التركيز بشكل كبير في خطابه معها (نيامي) على مواجهة النفوذ الروسي، والذي بات ملهما ومصدرا للسياسة الأمريكية وصنع القرار واشنطن.
واعتبر الموقع الأمريكي، ذلك التركيز بمثابة «الخطأ»؛ كونه «يسيء فهم حجم ونطاق الوجود الروسي، والأهم من ذلك، أنه يتجاهل أنماط الحكم القديمة، وينكر دور الأفارقة في الحركات والكتل السياسية الناشئة المؤيدة للسيادة»، مشيرًا إلى أنه «لا الولايات المتحدة ولا روسيا في وضع يسمح لهما بإجبار الأفارقة على اختيار أحد الجانبين، ما يعني أن الجهود المبذولة للقيام بذلك لن تؤدي إلا إلى التوبيخ».
وتسعى الحكومات الأفريقية إلى تحقيق التوازن بين القوى الخارجية مع الاحتفاظ بالقدرة على العمل مع كل منها، بحسب الموقع الأمريكي، الذي قال إن النخب المحلية تستفيد تاريخيا من هذه العلاقات غير المتكافئة في كثير من الأحيان مع الدول القوية لتعزيز وضعها المحلي.
ورغم أن «العلاقة في أفريقيا الناطقة بالفرنسية، بين المسؤولين الفرنسيين والشركاء (المستبدين) الأفارقة أصبحت حميمية في كثير منها، فإن النيجر أصبحت استثناء إلى حد ما بين أقرانها، عندما سعت إلى إقامة علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة»، بحسب الموقع الأمريكي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة وروسيا لا تمتلكان سياسة لمعالجة العواقب الإنسانية والاقتصادية والأمنية المترتبة على رحيل فرنسا عن منطقة الساحل، ما يفسر، جزئيا، التركيز على السرديات الأيديولوجية، مؤكدًا أنه بدون استراتيجية واضحة، فإن «روسيا تستجيب بشكل انتهازي للأحداث على الأرض، وحققت نجاحًا أكبر من أمريكا في تصدير الأمن إلى أفريقيا مؤخرًا، إلا أنها تفتقر إلى الخبرة والقدرات المماثلة في المجال الإنساني».
ويقول خبير أمني روسي في المنطقة: «نحن نفهم كل شيء من خلال الفيلق الأفريقي. يمكننا تعزيزها وتوسيعها وإعادة توجيهها. هناك الآن بعض جوانب القوة الناعمة، لكننا الآن بحاجة إلى القيام بأشياء جادة، وهذا يتطلب الكثير من الوقت والمال والأشخاص».
مشاعر معادية
وعلى الرغم من أن واشنطن تنازلت تاريخياً عن أولويات السياسة في أفريقيا الناطقة بالفرنسية لفرنسا، فإن المشاعر المعادية لفرنسا لم تترجم إلى الغضب من أمريكا وخاصة في النيجر، فلا تزال العلاقات العسكرية الوثيقة والقيادة في المجال الإنساني لها وزنها.
إلا أن زيارة الوفد الأمريكي إلى نيامي في شهر مارس/آذار الماضي - بقيادة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في وقائد أفريكوم الجنرال مايكل لانغلي - أحدثت ضرراً كبيراً؛ فموضوع المحادثات ـ تحول النيجر نحو روسيا وإيران ـ كان «مهيناً»، بحسب الموقع الأمريكي.
ومن المفارقات أن محاولة الوفد الأمريكي لمواجهة النفوذ الروسي في النيجر دفعت المجلس الوطني إلى البحث عن علاقات مع روسيا، يقول موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت» الأمريكي، مشيرًا إلى أن تركيز الولايات المتحدة على روسيا يتجاهل حقيقة مفادها أن الأفارقة، وليس الروس أو الأمريكيين، هم الذين يقودون التحولات السياسية الكبرى في منطقة الساحل.
فعلى سبيل المثال، كان تشكيل تحالف دول الساحل بمثابة مشروع بدأته مالي وبوركينا فاسو والنيجر أولا وقبل كل شيء لمواجهة التهديد العسكري من الكتلة الإقليمية، المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إلا أن ترحيب روسيا بهذا التطور لا يعني أن موسكو ألهمته.
مفاجأة للمعسكرين
وبحسب «ريسبونسبل ستيت كرافت»، فإن الإطاحة بالرئيس بازوم كانت غير متوقعة في موسكو كما كانت في واشنطن. واعترف دبلوماسي روسي في المنطقة بأن «الانقلاب كان مفاجأة دون أي ميزة واضحة».
وكانت وسائل الإعلام الغربية لا تزال تتكهن بوجود يد روسية، فيما كان هناك اعتقاد ضمني بأن النفوذ الروسي يزدهر في حالة عدم الاستقرار ويمكن أن «يمتد» عبر الحدود، إلا أنها تتجاهل وضعا أساسيًا، مفاده أن وصول روسيا إلى مالي لم يكن نتاجًا لحرب المعلومات - بل كان نتيجة للتعاون بين المستشارين الروس في مالي وضباط عسكريين ماليين تدربوا في روسيا، والتي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفيتية.
ويقول الموقع الأمريكي، إنه بينما مهّد الماليون، وليس الروس، الطريق سياسياً، وعملوا على تأمين تأييد النقابات العمالية وغيرها من أصحاب النفوذ في باماكو، إلا أنه لا يوجد تاريخ مماثل في النيجر المجاورة؛ فالولايات المتحدة تحتكر العلاقات مع ضباط النيجر، إضافة إلى أن موسكو ليس لديها سفارة في نيامي.
و«نظرًا لافتقارهم إلى علاقات قوية ومثبتة، يشعر الدبلوماسيون ومسؤولو الأمن الروس بأنهم لا يملكون قراءة جيدة عن المجلس العسكري، علاوة على ذلك، ليس لدى المسؤولين الروس مقياس يذكر للمزاج السائد داخل الجيش النيجري على نطاق أوسع»، يقول ضابط عسكري نيجري رفيع المستوى، مشيرًا إلى أن «الضغوط الرامية إلى الانفصال عن الولايات المتحدة تأتي من الداخل، وليس من روسيا».
ومع شعورها بالحذر، حاولت اللجنة الوطنية للأمن القومي جذب انتباه الكرملين، لكن دون جدوى حتى الآن، فعندما زار وفد من المجلس الوطني النيجري، موسكو في يناير/كانون الثاني، لم يتمكنوا من عقد اجتماع مع فلاديمير بوتين أو حتى وزير الخارجية سيرغي لافروف. ومع ذلك، كانت نيامي من بين أوائل الدول التي هنأت بوتين على فوزه في الانتخابات.
مرحلة انتقالية
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن الوضع في النيجر يعكس مرحلة انتقالية غريبة بين «الحرب على الإرهاب» التي تخوضها واشنطن و«منافسة القوى العظمى»، أي التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، حيث يجد الخصوم الجيوسياسيون أنفسهم في نفس الجانب ضد تنظيم القاعدة، والجماعات المسلحة التابعة لتنظيم داعش.
وينظر الكرملين إلى تدخله في منطقة الساحل ويضعه في إطار مكافحة الإرهاب ــ وهي حقيقة من المرجح أن تستمر في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة في موسكو، وتلقى في الوقت نفسه صدى أفضل بكثير لدى زعماء منطقة الساحل مقارنة بالتنافس الجيوسياسي.
هل هناك وقت لإصلاح «الخطأ»؟
فإذا كانت الولايات المتحدة لا تشارك في الحرب ضد الإرهابيين، فلماذا هم هنا؟ سأل ضابط نيجري، مضيفًا: لتتبع واحتواء الروس؟ هذا ليس عملهم. نحن نحترم أمريكا، ونحن بحاجة إلى مساعدتهم. لكن هذا لا يعني أننا مستعدون للاستماع إلى اللوم والاتهامات من أشخاص غير أكفاء.
ومع مرور بعض الوقت على زيارة الوفد الأمريكي وتجميد الاتفاق العسكري بين النيجر والولايات المتحدة، يبدو أن التوتر الأولي الناجم قد هدأ، فيما لا تزال هناك فرصة لأن تكون الإدانة بمثابة تكتيك قوي لإجبار واشنطن على الحوار.
وفي الوقت نفسه، يواصل تحالف دول الساحل الثلاثي (AES ) حشد قواته، حيث تعرب تشاد الآن عن اهتمامها بالانضمام، فيما النيجر جزء لا يتجزأ من هذا التحالف الجديد، الذي يعد أقرب إلى الولايات المتحدة وأبعد عن روسيا مقارنة بمالي وبوركينا فاسو.
وحذر الموقع الأمريكي، الولايات المتحدة من خسارة موطئ قدم لها في التحالف، وهو أمر محتمل للغاية، مشيرة إلى أن أمرًا كهذا سيؤدي إلى «إرغام الأفارقة على اختيار أحد الجانبين».
وأكد أنه على المدى الطويل، إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا ترغبان في مواصلة محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، فسوف تحتاجان إلى إيجاد طريقة، إن لم تتعاونا، على الأقل لتجنب الصراع والتكيف مع وجود بعضهما البعض، مشيرًا إلى أن عدم حدوث ذلك، سيدفع بهما إلى الخارج.
aXA6IDMuMTUuMTcuNjAg جزيرة ام اند امز