عبر لوبيات ضغط أمريكية.. أردوغان ينشد "البراءة" من الفشل والفساد
ذراع تركية جديدة تمتد نحو المنظمات الأمريكية، يفرضها هذه المرة السقوط المدوي للأداء الحكومي بمواجهة فيروس كورونا القاتل
أفلس الإعلام الموالي للحكومة التركية، وسقطت الأبواق المطبلة لها بجميع اختبارات المصداقية، فكان لا بد من اللجوء إلى منظمات خارجية لتصنع منها أنقرة ما يشبه لوبيات الضغط لتلميع صورتها المنهارة.
ملايين الدولارات تنفقها أنقرة لصالح منظمات أمريكية في محاولة لتبييض وجهها الملطخ بفضائح الفساد والرشوة والفشل.
ذراع تركية جديدة تمتد نحو المنظمات الأمريكية، يفرضها هذه المرة السقوط المدوي للأداء الحكومي بمواجهة فيروس كورونا القاتل، والحصيلة المروعة بصفوف المواطنين، والتي تتجاوز بأشواط الأرقام الرسمية المعلنة.
تبييض الفشل
موقع "أحوال تركية" قال إن مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، استضافت مؤخرا وزير الخارجية التركي مولود تشاووس أوغلو، ووفرت له منبرا حرا لاستعراض "إنجازات" بلاده على مستوى السياسة الخارجية، وتقديم مداخلة "على المقاس" شملت النواحي الإيجابية لدبلوماسية أنقرة، في ترويج مفضوح لحكومة البلد الأخير.
ووفق المصدر نفسه، فإن المداخلة جرت في شكل محادثة افتراضية مباشرة هذا الأسبوع، وتجاوزت ما تفرضه مثل هذه الاستضافات من ضرورة تقييد الحديث بسقف العلاقات العامة للحكومة التركية، لتتحول إلى "منتدى أحادي" غلب عليه الزيف والمعطيات الكاذبة والأرقام المفبركة.
و"المجلس الأطلسي"؛ مؤسسة بحثية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية، تأسست العام 1961، وتوفر منتدى للسياسيين ورجال أعمال ومفكرين عالميين.
وتدير المؤسسة 10 مراكز إقليمية وبرامج وظيفية تتعلق بالأمن الدولي والازدهار الاقتصادي العالمي، ويقع مقرها الرئيسي بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
الموقع التركي أشار إلى أن المؤسسة تلقت دعما ماليا من عدد كبير من المؤسسات التابعة للحكومة التركية، بينها كلية الجيش وشركات حكومية كبرى.
اللافت أيضا أن المداخلة ضبطت أجندتها على مقاس الهدف التركي المحدد منها، وافتقدت التوازن المتعارف عليه في النقاش، وطرح الرأي والرأي المخالف، دون إغفال مواطن الضعف والهنات.
فلقد تجنب المضيفون الموضوعات الصعبة بما في ذلك سجل تركيا الضعيف في مجال حقوق الإنسان، وبدلاً من ذلك، حصل تشاووش أوغلو على منبر ثمين للتحدث بإيجابية عن السياسة الخارجية لأنقرة، واغتنم فرصة لإلقاء لوم قطع العلاقات الدولية بشكل مباشر على شركائها السابقين في أوروبا والولايات المتحدة.
ونشرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، باليوم نفسه، افتتاحية بقلم ساشا توبريتش، نائب الرئيس التنفيذي الأول لمركز الأبحاث عبر الأطلسي في الولايات المتحدة، أشادت بجهود الحكومة التركية لمساعدة دول العالم بمواجهة كورونا، وبمسارها "التضامني" عبر إرسالها لمجموعات الاختبار والأقنعة والملابس الواقية إلى 30 دولة.
إشادة بدت مسقطة على أرضية هشة تشكلها حقائق يفجرها الإعلام التركي المعارض ومنظمات دولية، ممن تشير إلى الأداء الفاشل لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمواجهة الجائحة، وإلى حقيقة أن "المساعدات" المقدمة لبعض البلدان ليست سوى واجهة اعتادت أنقرة الركوب عليها لاختراق سيادة الدول.
تشكيل الرأي العام
مقال عتّم على الحقائق، واستعرض رغبة تركيا في الحصول على "شهادة براءة" دفعت أجرها مسبقا للترويج لنفسها، وتلميع صورة حكومتها ورئيسها، بعدم تلطخت وجوههم بالفساد والدم داخل تركيا وخارجها، قبل أن تفاقم الجائحة من سقوطهم المدوي أمام الرأي العام وأوساط المجتمع المدني المحلي.
فمداخلة تشاووش أوغلو أو مقال توبريتش لا تعد سابقة في سياسة أنقرة لتوجيه وتضليل الرأي العام المحلي والخارجي، وإنما هي من الوسائل المعتمدة لديها عبر استقطاب منصات إعلامية وشخصيات مؤثرة في الولايات المتحدة، ضمن أدوات تمكن من الاستفادة منها واستخدامها "دليلا" لنشر أكاذيبها حول سياساتها.
الموقع التركي نقل عن نيكولاس دانفورث، أحد زملاء "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" (مؤسسة أمريكية للسياسة العامة)، قوله: "يبدو من المؤكد أن الحكومة التركية دفعت لشخصٍ ما لكتابة مقالة افتتاحية في صحيفة أمريكية تشيد باستجابتها لأزمة فيروس كورونا، حتى يمكن للصحف التركية أن تستخدمها كذريعة في ادعائها بأن الأمريكيين يشيدون باستجابة الحكومة التركية لفيروس كورونا".
وأضاف دانفورث: "إذا كان هذا ما حدث، فإنه يكشف مرة أخرى إفلاس الصحافة الموالية للحكومة التركية وكذلك الصحف الأمريكية الراغبة في التلاعب بالأمور"، منتقدا مقال توبيريش في السياق الأوسع لجهود الضغط التي تبذلها تركيا.
جماعات ضغط
في نوفمبر/تشرين ثان 2019، نشرت جريدة "زمان" التركية مقتطفات لدراسة كشفت أن أردوغان أنفق ملايين الدولارات لجماعات الضغط الأمريكية من أجل تبييض وجهه من فضائح الفساد والرشوة التي طفت إلى السطح سنوات قبل ذلك.
دراسة أعدها الكاتب والصحفي الأمريكي الشهير آدم كلاسفيلد، ذكرت أن عددا كبيرا من جماعات الضغط الأمريكية والجمعيات الخيرية تلقت الملايين من أنقرة مقابل تحسين صورة أردوغان في العالم الغربي.
وأشارت الدراسة إلى أن تركيز تركيا على التواصل مع جماعات الضغط الأمريكية تضاعف انطلاقا من 2014، التاريخ الذي ظهرت فيه تسجيلات صوتية لأردوغان وهو يأمر فيها ابنه بلال بإخفاء مليارات الدولارات التي حصل عليها عن طريق غسيل أموال سوداء.
كما لفتت إلى أن فضائح الفساد والرشوة التي طفت إلى السطح في 2014، شكلت ضربة قاصمة لسمعة أردوغان، فكان من الضروري أن يلجأ إلى جماعات ضغط أمريكية لإنقاذ صورته المتهاوية.
aXA6IDMuMTQ1LjE3LjIwIA== جزيرة ام اند امز