ألن جينسبرج.. شاعر أمريكي واجه الرأسمالية المتوحشة بـ"العواء"
قصيدة "عواء" للشاعر الأمريكي إروين ألن جينسبرج، تعد واحدة من أكثر القصائد العالمية شهرة، ونالت اهتمام عدد كبير من الشعراء العرب
تحل، الأحد، ذكرى رحيل إروين ألن جينسبرج (3 يونيو/حزيران 1926 - 5 أبريل/نيسان 1997)، أكثر شعراء أمريكا المعاصرين تأثيراً في العالم العربي، بسبب شيوع نبرة الغضب في شعره، ما جعله أحد أيقونات التمرد المؤثرة عالميا.
وربما كانت قصيدته "عواء"، واحدة من أكثر القصائد العالمية شهرة، والتي تمثل منعطفاً شعريا كبيراً، ونالت اهتمام عدد كبير من الشعراء العرب، لكن ظلت ترجمة الشاعر العراقي سركون بولص، هي الأهم، بسبب نجاحه في الحفاظ على طاقة الغضب في القصيدة، فضلاً عن الحفاظ على جماليات النص.
ولا تختلف مسيرة ألن جينسبرج عن غيره من الشعراء الذين ارتبط شبابهم بالنضال، لمواجهة الفاشية العالمية قبل انكسارها مع نتائج الحرب العالمية الثانية التي دخلت بهؤلاء إلى دوامة من دوامات عدم اليقين، رافقت شعرهم وشاعت فيه تأثيرات تيارات ما بين السوريالية أو أدب العبث.
وبخلاف رفضها للفاشية، اتسمت النصوص الأولى لهؤلاء الشعراء، بنزعة سوريالية ثم وجودية، تطورت إلى الماركسية الفوضوية فيما بعد، بفضل انخراط أصحابها في موجات الغضب السياسي التي شهدت صعوداً للحركات الطلابية والشبابية، تزامن مع فترة حكم الرئيس جون كنيدي، وشعارات مارتن لوثر الداعمة لحقوق ذوي الأصول الأفريقية في أمريكا.
وعبرت نصوص ألن جنيسبرج، ورفيقه الشاعر جاك كرواك، عن هذه الروح الناقدة للسياسات الأمريكية التي كانت تعمل على وأد حركات التحرر القومي في دول العالم الثالث، لذلك عارض النزعة العسكرية الأمريكية، ونشط لدعم الحركات النسوية والحقوقية، واشتهر مع رفاقه بالدفاع عن الحريات الشخصية.
ويرجح البعض أن يكون تمرد جينسبرج واضطرابه، نتيجة طبيعية لظروف العيش القاسية التي وجدها منذ طفولته، حيث ولد في مدينة نيوآرك في نيوجيرسي، كلقيط لأم يهودية.
ثم تولت عائلة روسية تربيته، وكانت لها انتماءات فكرية متناقضة، فالأم يسارية، وناشطة في الحزب الشيوعي، والأب محافظ وتقليدي، سعى لتربية الابن تربية دينية متشددة.
وسرعان ما تمكن جنيسبرج من مواجهة ذلك كله، والتمرد عليه، بعد أن أصيبت الأم بمرض عقلي ألزمها بالبقاء في مصحة عقلية لعدة سنوات.
ورغم أنه اهتم بالشعر بفضل والده، إلا أن التحول جاء خلال دراسته الجامعية، حيث تعرف على فريق من الشعراء المتمردين، رافقوا محاولاته الأولى لإنتاج نصوص طليعية، وبفضل تجمعهم تكونت النواة الأساسية لحركة "Beat Generation"، التي انطلقت من سان فرانسيسكو عام 1955.
وكان لهذه الحركة الأثر العميق في الثقافة الأمريكية، وهو أثر يكاد يماثل حركة 1936 في الأدب الإسباني، أو الحركة الدادئية والسوريالية في فرنسا.
وقدمت هذه الحركة نفسها كحركة أدبية مُضادة للسلطة ولنظام المؤسسات، ومدافعة عن الحريات الشخصية، لذلك لجأ رموزها إلى استعمال لغة الحياة اليومية في الشارع كلغة للتعبير الأدبي، وراج حديث عن جماليات القبح وضرورة إنتاج نصوص غاضبة تماثل ما ينطق به الشحاذون والمشردون في الشوارع.
لذلك استُعملت قصيدة "عواء" لألن جينسبرج، عام 1956 كـ"بيان" أو "مانفسيتو" للحركة، بسبب قوة مضمونها الغاضب، وسخريتها التي ضمنت لها الانتشار والذيوع، وكانت بنفس تأثير خطب جون كنيدي، وأغنيات البيتلز، وموسيقى الجاز، إذ هاجم عبر أبياتها الرأسمالية المتوحشة.
وأهدى الشاعر القصيدة لصديقه كارل سولومون، الذي كان نزيلاً في معهد الطب النفسي المشيخي في كولومبيا، وحفلت القصيدة بالإشارة لشخصيات وأماكن تمثل الدوائر الحميمة في ذاكرته، وذاكرة أبناء جيله.
وتوالت بعدها أعماله التي تؤرخ للمرحلة الأكثر خصوبة في الثقافة الأمريكية المناهضة لحرب فيتنام، وقاد بنفسه مظاهرات تندد بالحرب، وضمت رموزا من كبار مبدعي العالم، مروجاً لما أطلق عليه "نفوذ الزهرة"، حيث يسعى المبدعون عبر التظاهر إلى تعزيز قيم السلام والمحبة والتسامح.
ويرى أندرو هارتمان، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية إلينوي ومؤلف كتاب "حرب من أجل روح أمريكا"، أنه بفضل الأثر الذي تركته النزعات البوهيمية التي قادها كتاب طليعيون مثل الشاعر ألن جينسبرج، أو جاك كرواك.
وفي مراحل تالية، بدأت قصائد ألن جينسبرج تتجاوز الالتزام السياسي، وتستلهم ثقافات مختلفة، وتشيع فيه "روح عالمية" تعلي من قيمة التصوف.
واعتبارا من سبعينيات القرن الماضي، بدأت الثقافة الأمريكية الرسمية تستوعب جينسبرج، وتعترف به رمزا من رموزها، حيث نال الجائزة الوطنية للكتاب عام 1974.
وفي عام 1997 علم بإصابته بسرطان الكبد، فكتب 12 قصيدة قصيرة، وفي اليوم التالي دخل في غيبوبة ليموت بعدها بيومين.