الشاعر السوري لقمان محمود: أكتب بلغتين بحثا عن أجنحة
الشاعر السوري لقمان محمود يؤكد أن الرواية صارت نوعا من الكتابة التي تخضع للطلب، خصوصا مع وجود جوائز سنوية، دفعت إلى التسابق والتنافس
قال الشاعر الكردي السوري لقمان محمود إنه لا يميل إلى تفضيل الشعر على الرواية أو العكس في سياق "حكم القيمة"، وإنما ينظر إلى أنّ كلا الفنين الشعري والروائي يتمتعان بنقاط قوة ونقاط ضعف، مشيرا إلى أنه يكتب باللغتين العربية والكردية بحثا عن مزيد من الأجنحة التي تطلقه إلى آفاق أوسع.
وولد الشاعر والناقد لقمان محمود في مدينة عامودا السورية عام 1966، وهو عضو نقابة صحفيي كردستان، وصدر له العديد من الأعمال الشعرية والنقدية، ومنها "أفراح حزينة"، "خطوات تستنشق المسافة"، "عندما كانت لآدم أقدام"، "دلشاستان"، "إشراقات كردية"، "ترويض المصادفة"، و"شرارة الأناشيد القومية في الغناء الكردي لغرب كردستان".
في حواره مع "العين الإخبارية" قال لقمان إن الرواية صارت نوعاً من الكتابة التي تخضع للطلب، خصوصاً مع وجود جوائز سنوية، دفعت إلى كتابة الرواية للتسابق والتنافس.. وإلى نص الحوار:
كيف كانت ظروف كتابة أحدث أعمالك "زعزعة الهامش- نصوص"؟
كلما تراكمت فيّ التجارب اختلفت رؤيتي للكتابة وللحياة، فاليوم وبمساعدة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الكتابة نوعاً ما متحررة من الكثير من شروط الماضي، بشكل يقربنا إلى الحرية في التناول والطرح والمتابعة، فأي تجربة كتابية لا بد أن تكون عرضة لتحوّلات مختلفة تفرضها طبيعة تطور الشاعر ونضجه.
وبالنسبة لـ"زعزعة الهامش" فقد جاء كامتداد طبيعي لحياتي ومواقفي الرافضة للتدجين على مستويات النص الإبداعي والسياسة والفكر والمنفى، وكأن المنفى ضربة أخرى قوية للكردي، كي ينهار من جديد.
ماذا أضافت سنوات الغربة والمنفى في السويد إلى موهبتك الشعرية؟
خبّأتُ الأمل "طويلاً" في قلبي كي لا يشعر بالحرج، فالتعلق بالصورة المتخيَّلة والراسخة بفعل الاستهلاك الجمعي يناسب الكسالى أكثر، وأرى أن الغربة أضافت إلى موهبتي الشعرية البراءة الحقيقية البسيطة والعميقة في آن واحد.
هل نحن في زمن الشعر أم زمن الرواية؟
أرى أنّ السعادة الحقيقية مع الكتابة تكمن في الجهد المبذول فيها. أي أنني لا أميل إلى تفضيل الشعر على الرواية أو العكس في سياق حكم القيمة، بل أنظر إلى أنّ كلا الفنين الشعري والروائي يتمتعان بنقاط قوة ونقاط ضعف، فأمام شيوع الرواية تحوّل بعض الشعراء إلى كتابتها بسبب الاحتفاء الإعلامي والنقدي من جهة، وبسبب الكسب المادي والمعرفي من جهة أخرى. فالرواية صارت نوعاً من الكتابة التي تخضع للطلب، خصوصاً مع وجود جوائز سنوية، دفعت إلى كتابة الرواية للتسابق والتنافس.
وأمام هذا المد الخرافي للرواية خبا - بعض الشيء- ضوء "الشعر"، لكنه يبقى الشكل الأكثر كثافة في التعبير عن قضايا الإنسان الكبرى وعن تجربته الوجودية العميقة، وسيبقى القول الأصعب لكثافته، وقوته التصويرية، ففي عصرنا الرقمي تغيرت الكثير من الأشياء في حياة الأفراد والجماعات، منها ممارسات القراءة بشكل عميق، وهذا ما يعزز فينا توقاً للتشارك في شيء غامض وجمعي يدعى الشعر لأنه يُعيد البصر إلى الكلمات العمياء.
تعيش بين ثقافتين: العربية التي تكتب بها والكردية التي تنتمي إليها.. إلى أي مدى أثّر ذلك في إثراء تجربتك الأدبية؟
إنها قضية معقدة، ولكن بشكل عام، كل لغة هي باب جديد ينفتح على الحياة وعلى العالم، فالأدب يحاول أن يجعل العالم أجمل وأكثر سلماً، كي تتعايش الثقافات واللغات في جو من الوئام والمحبة، بدلا من المنع والسجن والقتل والإبادة، وأنا أكتب باللغتين العربية والكردية بحثا عن مزيد من الأجنحة التي تطلقني إلى آفاق أوسع.
لكل شاعر مرجعياته التخيلية والجمالية لبناء عالمه الإبداعي، كيف تؤسس قصيدتك؟
يبدو أن عصرنا الحالي بات يخضع تماماً لمنطق السرعة، ولم يعد بإمكان الوقت أن يساعدنا في شيء، فالشعر هو النشاط الإنساني الأكثر تطلّباً للعزلة بين كلّ الفنون، وهذه العزلة التي أرتاح إليها في كتابة الشعر، هي وحدها ينابيعي ومجاري أنهاريَ الشعرية.
هل يعطيك السفر متسعا أو رغبة في الكتابة؟
حتى لا أقع في تبسيط مفهوم السفر وأهميته، أقول إن العادة والتكرار يستهلكان ويضعان الإنسان في سياق الروتين والمألوف، فمن لا يُحسنُ عملَ شيء خارج فضاء الأدب والفنّ والثقافة والحريّة سيبقى عاجزاً عن الكتابة بسبب ضغوطات الحياة اليوميّة المنبثقة من ألم الواقع وشجونه.
السفر يُحسّن من صحة الإنسان النفسية والجسدية، ويُعزّز الحسّ الإبداعي من خلال التعرّف على أماكن وثقافات جديدة، فالسفر لا يعطي رغبة في الكتابة فقط، بل يعطي مساحة شخصية نحاول من خلالها العثور على السعادة والحب، بعيداً عن الضغوطات اليومية، التي تلقي بظلالها على الروح وعلى الوعي وعلى الكتابة بشكل عام.
aXA6IDE4LjIyMi4xMjEuMjQg جزيرة ام اند امز