في ذكرى وفاته.. بدر شاكر السياب شاعر الفقد والنبوءات
بدر شاكر السياب من الشعراء الذين أحدثوا التحول الأهم في الشعر العربي الحديث، بالانتقال من البناء العمودي الكلاسيكي إلى الشعر الحر
يوافق الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول ذكرى وفاة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 1964.
وحوّلت الأحداث السياسية التي عاشها العراق في الـ30 عاماً الأخيرة "السياب" إلى "شاعر النبوءات"، ففي كل قصيدة كتبها يمكن العثور على بيت شعري يشير إلى "محنة العراق".
وأحدث "السياب" وأبناء جيله من الشعراء في مصر والعراق، أمثال صلاح عبدالصبور ونازك الملائكة، التحول الأهم في مسيرة الشعر العربي الحديث، بالانتقال من البناء العمودي الكلاسيكي إلى بناء قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر.
ومثل كل الرواد، واجهت محاولات "السياب" الأولى رفضاً من النقاد الذين تحفظوا على مغامرته في تغيير البنية الإيقاعية الراسخة، حتى أنصفه التاريخ.
وعبر مسيرته، هناك مفارقات عدة رسمت العلامات الرئيسية لتجربة "السياب"، بداية من العلاقة مع مدينته الأولى "جيكور"، مروراً بدراسته ثم انتماءاته السياسية، وجدل العلاقة مع العاصمة بغداد، أو مساحات التقاطع مع مصائر وخيارات لشعراء آخرين.
ولد "السياب" في محافظة البصرة جنوب العراق، في 25 ديسمبر/كانون الأول 1926، في قرية جيكور التي خلدها في شعره، وتحولت بفضله من قرية صغيرة تابعة لقضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة إلى مزار سياحي يتوجه إليه عشاقه.
وإذا كان صلاح عبدالصبور الذي شارك "السياب" في مغامرة كتابة قصيدة التفعيلة، قد وصف نفسه بـ"الشاعر الحزين" فإن الحزن هو أيضاً سمة شعرية عند "السياب"، الذي ركز على معاني "الفقد".
فقد عانى "السياب" من يُتم مبكر بعد موت والدته وهو في سن الـ6، وظلت نصوصه الأولى أسيرة تصوراته الرومانسية، والشعور بالاغتراب في العالم الذي اعتبره عالماً موحشاً.
وبعد أن أنهى "السياب" دراسته الثانوية جاء إلى بغداد، والتحق بدار المعلمين العالية، وتخصص في اللغة العربيّة، وقضى سنتين في تعلم الأدب العربي، ما ساعده على تعميق معرفته بالتراث العربي.
لكنه بعد عامين، قرر دراسة اللغة الإنجليزية، وهذه نقطة جديدة تربطه بصلاح عبدالصبور، الذي درس الأدب الإنجليزي مثله، وبفضل معرفته بالإنجليزية اتسعت فرصه في التعرف على ثقافات أخرى، ومواكبة حركة الأدب العالمي.
وساهم "السياب" في ترجمة الكثير من الأعمال العالمية لأدباء كبار، منهم الإسباني فدريكو جارسيا لوركا، والأمريكي إزرا باوند، والهندي طاغور، والإيطالي أرتورو جيوفاني.
وتميزت تجربة "السياب" عندما تبنى قصيدة الشعر الحر بأنه جاء من معرفة عميقة بالتراث الشعري والأوزان الخليلية.
وكان لدى "السياب" احترام كبير لتجارب كبار الشعراء الكلاسيكيين من شعراء العصر الجاهلي مروراً بشعراء العصر العباسي، المتنبي، وأبوتمام، وأبوالعلاء المعري، وابن الرومي، وأبي نواس، وصولاً إلى شعراء العصر الحديث أحمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري.
وكعادة تلك السنوات، بدأ "السياب" شاعراً ملتزماً بالقضايا الوطنية الكبرى، بحكم واقع الاحتلال في العراق، وناضل في سبيل تحرير بلاده، وبسبب نشاطه النضالي فُصل من وظيفته كمعلم في الرمادي وأودع السجن.
ومع تنامي تجاربه الإنسانية، تطورت رؤيته للعالم، لتأخذ مساراً مختلفاً، عبر فيه عن التزامه بقضايا النضال الاشتراكي من شعور بفداحة التناقضات الاجتماعية، ثم انتهى شاعراً عروبياً ملتزماً بقضايا القومية التي شاعت بعد حرب 1956 التي حولت الرئيس جمال عبدالناصر رمزاً قومياً.
ويرى المتابعون لتجربته، منهم الناقد الفلسطيني الراحل إحسان عباس، أن انتماء "السياب" إلى اليسار، لم يكن إلا تعبيرا عن حاجة تعوض ما عاشه من فقد وحرمان، فقد أراد الانتقام لحرمانه من الناس والزمان، فانضوى إلى الشيوعية لا عن عقيدة فلسفية بل عن نقمة اجتماعية.
وربما لهذا السبب لم يتكيف "السياب" مع بغداد، وظل مشدوداً إلى أرض الخطوة الأولى في "جيكور" التي حين عاد إليها لم يتقبل ما أصابها من تغييرات.
وكالعادة غالباً ما يلجأ الشعراء إلى حب لتعويض حالات الفقد والاغتراب، إلا أن "السياب" عاش في تجاربه خيبات أمل متلاحقة، تفسر موقفه المتحفظ من المرأة، كما تبرر نبرة التشاؤم في شعره.
وبعد سنوات من وفاته، نشرت أعماله الكاملة عن دار العودة ببيروت سنة 1971، وجمعت دواوينه: أزهار ذابلة (1947)، وأساطير (1950)، والأسلحة والأطفال (1955)، وحفّار القبور، وأنشودة المطر (1960)، والمعبد الغريق (1962)، ومنزل الأقنان (1963)، وشناشيل ابنة الجلبي (1964)، وإقبال (1965).
ونالت قصيدته "أنشودة المطر" التي غناها محمد عبده شهرة كبيرة، مثلها مثل قصيدة "غريب على الخليج" التي تحولت عباراتها إلى شعارات في الانتفاضة الجماهيرية الأخيرة في العراق، وقبل سنوات جمعت دار الجمل مقالاته وكتاباته السياسية تحت عنوان " كنت شيوعياً".
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjY0IA== جزيرة ام اند امز