من هيروشيما بدأ «الرعب النووي».. «ليتل بوي» تغير وجه العالم للأبد

في لحظة خاطفة، تحولت الشمس في سماء هيروشيما إلى شمس ثانية؛ مميتة، وصامتة، ومليئة بالدمار.
صباح 6 أغسطس/آب 1945، لم تُسقِط الولايات المتحدة قنبلة فحسب، بل أطلقت عصرًا جديدًا من الرعب المعولم، عندما فجّرت «ليتل بوي» في قلب المدينة اليابانية، مطلقة جحيماً يعادل حرارة الشمس، في أول استخدام للسلاح النووي في التاريخ.
ما بدأ كحسم لحربٍ عالمية، فتح بوابةً لرعبٍ أبدي؛ فمع تساقط الجثث تحت سحب الفطر النووي، لم يكن المشهد مجرد انتقام أو تكتيك عسكري، بل إعلاناً عن ميلاد نظام عالمي جديد تُدار فيه الحروب ليس فقط بالقنابل، بل بالخوف والردع الشامل. هيروشيما لم تكن مجرد مدينة قُصفت، بل كانت صرخة البشرية الأولى في وجه قدرٍ نووي لا مفر منه.
وبحسب صحيفة صن البريطانية، فإنه عند الساعة الثامنة والربع صباح 6 أغسطس/ آب عام 1945، بتوقيت اليابان، تغير وجه العالم إلى الأبد، ففي لحظة واحدة، تحولت مدينة هيروشيما اليابانية إلى جحيم على الأرض عندما أسقطت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية في التاريخ - معلنة بداية عصر نووي لا يزال صداه يثير فزع البشرية حتى اليوم.
«ماغلان» المدرع.. تعرف إلى قطار رؤساء أمريكا قبل «إير فورس وان» (صور)
وبينما تحلّ هذا الأسبوع الذكرى الثمانون للهجومين النوويين على هيروشيما وناغازاكي، تتبادر إلى الأذهان تفاصيل تلك الأيام التي أنهت الحرب العالمية الثانية، وفتحت بوابة الرعب النووي على مصراعيها.
في فجر ذلك اليوم الذي غيّر مجرى التاريخ، أقلعت قاذفة أمريكية من طراز بي-29، المعروفة باسم "إينولا غاي"، من قاعدة تينيان في المحيط الهادئ.
كانت الطائرة بقيادة الكولونيل بول تيبتس، وقد سُميت على اسم والدته. وفي جوفها، حملت القنبلة النووية الأولى في التاريخ: "ليتل بوي" - سلاح بطول ثلاثة أمتار، بقوة تفجيرية تعادل 20 ألف طن من مادة تي إن تي.
نظرا لخطورة المهمة، لم تُسلّح القنبلة إلا في أثناء الطيران. وتولى هذه المهمة الضابط ويليام بارسونز والفني موريس جيبسون، في عملية دقيقة استغرقت 15 دقيقة. وبعد ساعات من الطيران، أعلن تيبتس عند الساعة 7:30 صباحًا أن "الهدف هو هيروشيما"، حيث أكدت طائرة استطلاع سابقة صفاء الأجواء.
في تمام الساعة 8:15، أطلق المساعد توم فيريبي القنبلة من ارتفاع 9.5 كيلومتر. وبعد أقل من دقيقة، انفجرت "ليتل بوي" على ارتفاع 576 مترًا، مولّدة كرة نار بدرجة حرارة توازي سطح الشمس، وأطلقت بذلك العصر النووي رسميًا.
دمار لا يوصف
النتائج كانت مروّعة حيث قُتل أكثر من مائة ألف شخص على الفور، بينما تُوفي نحو 40000 آخرين في الأسابيع التالية بسبب الحروق والإشعاع.
وسويت مدينة هيروشيما، التي كان يقطنها نحو 350 ألف نسمة، بالأرض. وقتل معظم الطواقم الطبية في الانفجار، مما ترك عشرات الآلاف من الجرحى دون رعاية.
وروى الناجون مشاهد من الجحيم. فالطفل أكيهيرو تاكاهاشي احترق جلده بالكامل وسقط في النهر محاولًا النجاة. أما إيكو تاوكا فكانت في الترام تحتضن رضيعها عندما أصابه زجاج متطاير في رأسه. وابتسم لها لآخر مرة، قبل أن يفارق الحياة بعد ثلاثة أسابيع. أما الفتاة سيتسوكو ناكامورا، فقد روت كيف شاهدت أجسادا محترقة تسير مكشوفة العظام، وأعينا متدلّية، قبل أن تنهار في الشوارع.
عادت طائرة "إينولا غاي" إلى قاعدتها في الساعة 1:58 بعد الظهر، بعد رحلة استغرقت أكثر من 12 ساعة. وكتب تيبتس في سجل الطاقم: "يا شباب، لقد أسقطتم أول قنبلة ذرية في التاريخ". أما مساعده روبرت لويس، فكتب في مذكراته: "يا إلهي، ماذا فعلنا؟".
7 أغسطس/آب: لا استسلام.. وقنبلة ثانية في الطريق
رغم الدمار غير المسبوق الذي لحق بهيروشيما، لم تصدر أي مؤشرات من القيادة اليابانية تدل على الاستسلام. وفي ظل هذا الصمت، قررت الولايات المتحدة استخدام قنبلة نووية ثانية؛ هذه المرة أقوى بنسبة 40% من الأولى، وتحمل اسم "فات مان"، مصنوعة من البلوتونيوم.
في تمام الساعة 2:47 صباحا، أقلعت قاذفة بي-29 بقيادة الطيار تشارلز سويني من تينيان متجهة إلى مدينة كوكورا، الهدف الأساسي. لكن الطقس الضبابي غطى المدينة وعاق الرؤية، فاضطرت الطائرة إلى التوجه نحو الهدف الثانوي: ناغازاكي.
عند الساعة 11:02 صباحا، انفجرت القنبلة "فات مان" على ارتفاع 500 متر فوق ناغازاكي، محدثة دمارا هائلا. فقُتل أكثر من 40,000 شخص على الفور، فيما توفي نحو 30,000 لاحقا بسبب الحروق والإشعاع. وقد خففت طبيعة المدينة الجبلية من حجم الكارثة مقارنة بهيروشيما، لكنها لم تمنع المأساة.
10 أغسطس/آب: الإمبراطور يتدخل
بعد يوم واحد من ضربة ناغازاكي، قال الإمبراطور هيروهيتو لقادة جيشه: "لا أستطيع تحمّل رؤية شعبي يعاني أكثر". واتخذ قراره المقدّس بإنهاء الحرب، مشروطا بالاحتفاظ بمكانته كإمبراطور. لكن الولايات المتحدة رفضت الشرط، وطالبت باستسلام غير مشروط.
15 أغسطس/آب: الصوت الذي لم يُسمع من قبل
للمرة الأولى في التاريخ، سمع الشعب الياباني صوت إمبراطورهم عبر الإذاعة. وفي تمام الساعة 12 ظهرا، أعلن الإمبراطور هيروهيتو استسلام بلاده غير المشروط.
2 سبتمبر/أيلول: نهاية الحرب العالمية الثانية رسميا
بعد أسابيع من المفاوضات، وقّعت اليابان على وثيقة الاستسلام الرسمية في 2 سبتمبر/أيلول 1945، على متن البارجة الأمريكية "يو إس إس ميزوري" في خليج طوكيو، لتنتهي بذلك الحرب العالمية الثانية رسميًا، ويبدأ العالم فصلًا جديدًا من التاريخ؛ فصل الرعب النووي.