الشاعر المصري عبدالرحمن مقلد لـ"العين الإخبارية": الشعر يحيا أفضل أوقاته
شاعر شاب شارك في العديد من مؤتمرات الشعر والندوات وحصل على جوائز عدة وصدر له "نشيد للحفاظ على البطء" و"مساكين يعملون في البحر".
أعرب الشاعر المصري عبدالرحمن مقلد عن سعادته بفوز ديوانه "مساكين يعملون في البحر" بجائزة الدولة التشجيعيّة في مجال الآداب (فرع ديوان شعر الفصحى)، مؤكداً أنَّه أراد أن يصل ديوانه إلى أبطاله الحقيقيين الملهمين من أبناء الشعب، الذين تعرَّف عليهم في الفضاءات العامة وكتب عن تجاربهم وبطولاتهم.
ويضم ديوان مقلد 18 نصاً و4 افتتاحيات، وهو شاعر شاب شارك في العديد من مؤتمرات الشعر والندوات وحصل على جوائز عدة وصدر له "نشيد للحفاظ على البطء" و"مساكين يعملون في البحر" وقيد النشر "عواء مصحح اللغة".
ويؤكد مقلد في حواره مع "العين الإخبارية" أنَّه لا يرى تراجعاً في إنتاج الشعر ودائماً ما يقول "إننا نحيا زمن الشعر، وأنَّ الأجيال الجديدة من الشعراء في كل الأقطار العربيّة أعادت الشعر لجمهوره بأن جعلته معبراً عن مآسيه وآلامه"، وإلى نص الحوار:
كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة الدولة التشجيعيّة في الآداب؟
فرحت كثيراً لأنَّ الجائزة تحمل اسم الدولة المصريّة، ولأنّي حصلت عليها بديوان قُوبل بمحبة وتكريم كبيرين من الجميع، كما فرحت بهذا الترحاب والإجماع من الكل على استحقاق العمل للجائزة، بمعنى أنني فزت بجائزة عن عمل يعرفه الكثيرون وقرأوه واحتفوا به، وبفوزه رأوا أنَّ هذا تكريم مستحق، أحمد الله كثيراً على ذلك.
حدثّنا عن ديوانك الفائز بالجائزة
صدر الديوان عام 2016، وأصررت على أن يصدر عن هيئة قصور الثقافة المصريّة، التي وفّرته في طبعة شعبية وبـ3 جنيهات (أقل من 20 سنتاً أمريكياً)، ما جعله يصل للقراء الشباب في كل أقاليم مصر، ويستطيعون شراءه واستقباله بمحبة.. أردت أن يصل الديوان إلى أبطاله الحقيقيين الملهمين من أبناء الشعب الذين تعرَّفت عليهم في الفضاءات العامة، وكتبت عن تجربتهم وعن بطولاتهم، إيماناً مني بضرورة الغناء الصادق لأجل هؤلاء الناس وعنهم، دون أن يكون الغناء مجرد خطابات جوفاء.
هل تفرض الجوائز شروطاً أو أشكالاً إبداعيّة معينة للفوز؟
الحمد لله أنّي تقدَّمت لهذه الجائزة بديواني المكتوب مسبقاً، والحمد لله أنَّ الجائزة لم تشترط نصاً معيناً أو شكلاً معيناً، أنا رفضت الاشتراك في العديد من المسابقات التي تستلزم كتابة قصيدة معينة أو الكتابة في غرض معين، ولا ألوم من يفعلون ذلك من أجل الحصول على المال، ولكني لا أفعل هذه الأفعال التي أرى أنَّها تخصم من رصيد صدقية الشاعر، وتخصم من روحه وتحوِّله إلى مجرد آلة صمّاء وظيفتها تصنيع النصوص، لا كتابتها، والخوض في مغامرات غير محسوبة من أجل إنتاج نص خاص متطور غير متكلِّس وغير مُعاد ومكرر، هذا ما نحتاجه كأمة عربيّة تحتاج للتجديد وتطوير العقول وإفساح المجال الواسع للخيال والحرية.
تقول إنَّ فوزك بالجائزة تقدير لجيل كامل من شباب الشعراء.. كيف ذلك؟
نعم أرى أنَّها تقدير كبير للمجهود وللعمل الجاد، نحن في عصرٍ الجدةُ والإتقان فيه غير مقدرّين وغير مرحّب بهما في ظل صيرورة التفاهات والسرعة وعدم الإتقان والأخذ بالظاهر فقط، فحين تنتصر قيم الجديّة والإتقان أعتبر هذا انتصاراً للشرفاء من المبدعين في كل مكان، الذين لا يخضعون ولا يعرفون طريقاً غير طريق العمل والإيمان بالكتابة والإبداع الحقيقي، غير مكترثين بالمغريات التي تجذب العديد نحو الخفة والتفاهة وإنتاج كتابات هزيلة. هذه الجائزة أهديها للمجتهدين والموهوبين الذين لا يملكون غير إبداعهم.
هل ترى تصدّر الشعراء والفوز بجوائز الدولة اعتراف وإعادة لمكانة الشعر؟
لا أظن أنَّ الأمور جاءت بهذا الشكل، ولا أظن أنَّ المشكلة في أنَّ الدولة لا تعرف قيمة الشعر أو تعرفه، الأزمة كبيرة لا تتلخص في الفوز بجوائز الدولة، الشعر على رأس الفنون، ونحن لا نستطيع أن نعيش حياة سوية دون هذه الفنون، الأمر كذلك، لا قيمة لحياتنا في أن نقوم لنعمل لنأكل لننام، نحن أجساد وأرواح، وأرواحنا تحتاج زادها التي يحميها من السقوط، ويحميها من المقت والملل، لهذا نحتاج إلى الشعر، وليس الشعر هو الذي يحتاج إلينا لنرد له مكانته.. نريد أن نستعيد مكانتنا نحن كأمة وكبشر حقيقيين بتقدير الفنون ودعمها ليكون لنا رصيدنا في الحضارة البشريّة.
تراجع صيت الشعر عموماً في العالم العربي، وما عادت له تلك الحظوة التي كانت، في رأيك ما أسباب هذا التراجع؟
لا أرى تراجعاً في إنتاج الشعر، أقول دائماً إننا نحيا زمن الشعر، وإن الأجيال الجديدة من الشعراء في كل الأقطار العربية أعادت الشعر لجمهوره بأن جعلته معبراً عن مآسيه وآلامه، حين أطالع التجارب الشبابيّة في العراق، اليمن، سوريا وليبيا أرى هذا الشعر الحقيقي المعبِّر عن المآسي التي تعيشها هذه البلاد، أرى القصيدة التي تنادي بنبذ الحرب وتدعو للسلام والتآلف وترفض التطرف وتبشِّر بالحب والحرية.. المشكلة فيما يروّج من شعر ونصوص نمطيّة تافهة، ومن إرادة أن تظل الشعوب العربيّة حبيسة أنماط معيّنة من الثقافة ولا تتجدد حيواتهم بالقراءة ومطالعة الحديث من النصوص التي تتسق مع أرواحهم.
في ظل انحسار جمهور الشعر، وتكاثر الشعراء كماً لا كيفاً، على ماذا تراهن قصيدتك؟
أرفض أيضاً فكرة انحسار جمهور الشعر، أراهن أن الشعر يحيا أفضل أوقاته، وأن القصائد تقرأ بغزارة، طالع حوائط مواقع التواصل الاجتماعي لترى كم التفاعل مع النصوص الشعريّة، في مقابل أي نصوص أخرى.. الشعر استفاد من السوشيال ميديا بصفتها منصات نشر، وسأعطيك مثالين كلنا نعرف قصيدة أمل دنقل "لا تصالح"، هذه القصيدة الشهيرة التي تُقرأ منذ أكثر من 40 سنة، ظهر خلال الأسبوعين الماضيين فيديو لأمل دنقل وهو يلقي أجزاء منها، فهل تُصدِّق أن الفيديو حصد ما يزيد على 150 ألف مشاهدة خلال أيام من أجيال تسمع هذه القصيدة لأول مرة، مع العلم أن القصيدة لن تكون موضة وتنتهي ولكنها مستمرة في حصد القراءات وإيقاظ الضمائر وتوعية العرب بقضاياهم، هذا دور جليل للشعر، أيضاً انتشر فيديو للفنان عبدالله غيث وهو يلقي مقطعاً شهيراً من مسرحية "الحسين شهيداً" لعبدالرحمن الشرقاوي، حول ضرورة الكلمة، وشرفها، وهذا المقطع انتشر وتمَّ تداوله ولا يزال آلاف المرات. هذا ما أعتبره ديمومة الشعر الحقيقي.
لماذا في رأيك غابت الحركة النقديّة عن مواكبة المنتج الشعري الجديد؟
هذه أزمة كبيرة أيضاً لا تخص الشعر وحده، لا يمكن أن نغفل أنَّ لدينا فجوة كبيرة في إنتاج العلوم الإنسانيّة عموماً، وفي إنتاج المعرفة الحقيقيّة، لا أنكر أن لدينا نقاداً ودارسين للأدب والفلسفة والعلوم الإنسانيّة عموماً، ولكن العدد ليس كافياً، وهؤلاء لا يجدون من المغريات ما يحفِّز على المزيد من العمل والإنتاج الجاد، في زمن سيادة التفاهة والخفة وصناعة أبطال وهميين من لاعبي الكرة ومن عديمي أو متوسطي الموهبة من المطربين والممثلين، وأنا لست ضد صناعة الأبطال في كل مجال، ولكن أنظر لما يمنح للاعب كرة وما يمنح لباحث أو ناقد أو فيلسوف أو عالم، أقول لك إنّه لا يُمنح شيئاً بل يُخصم منه ويكون هو مطالب بالإنفاق على عمله ودراسته، هذا في أغلب الأقطار العربية. وبالتالي كيف نلوم على النقاد ودارسي الشعر تقصيرهم في أداء عملهم، هم ليسوا شهداء ولا رسلاً ولا منذورين، هم بشر لديهم حاجات وأسر يتحاجون للمال والحياة الكريمة التي لا يحققها العمل في الأدب.
كيف ترى الهجرة إلى الرواية من الشعراء؟ ومتى تكون هجرة ملِّحة وليست بحثاً عن الأضواء والاهتمام؟
الكتابة كلها مهمة، ومَن يجد لديه القدرة على الكتابة فليكتب المجال مفتوح للكل، ومن يريد أن يترك الشعر لكتابة الرواية فليفعل ذلك، ما المشكلة، هناك شعراء عظام كتبوا أعمالاً سرديّة عظيمة وخالدة بالأخص كتابة سيرهم الذاتيّة، أو انطباعاتهم عن تجاربهم الشعريّة، المهم هو أن يكون الإنتاج الأدبي التالي جيداً لا يكون مسخاً فشل صاحبه في الشعر فجاء ليبلي الرواية.
كيف تتصور آفاق المشهد الشعري العربي في المستقبل في ظل هيمنة التكنولوجيا، وكثرة التحديات؟
الشعر تزيد الحاجة إليه كلما دخلنا أكثر في زمن الروبوت، وهيمنة ما بعد التكنولوجيا، في ظل السيطرة الرقمية الذكيّة، سنحتاج للتذكر أننا لا نزال بشراً نشعر ونحس ونتألم ونحب ونتعاطف لسنا مجرد أرقام أو أكواد متشابهة، وإحدى وظائف الشعر الكبرى الإعلاء من قيمة الفردية وحضور الفرد بتمرده وخروجه وباختلافه عن الآخرين، وإيمانه بقيم العدل والحرية، نحن نحتاج إلى دعم هذه القيم وبالتالي نحتاج إلى الشعر.