قطر عرضت 90 مليون دولار لشراء حصة مؤثرة من صحيفة وشبكة «نيوز ماكس» المملوكة لكريس رودي صديق الرئيس الأمريكي
يتيح الفضاء الأمريكي الإعلامي المجال لأي راغب في دخوله مع قليل من الضوابط، ومن ثم يترك الأمر لحجم ميزانيته واتساع دائرة علاقاته العامة لخلق أداة تأثير على صناع القرار السياسي أو التأثير في الرأي العام وتوجيهه.
نحن في حاجة إلى إعادة النظر في تحركنا تجاه العلاقات الأمريكية-الخليجية كي يكون تحركاً استراتيجياً لا تكتيكياً.. تحركاً يدرك أهمية التعاون مع «القوى الناعمة» الأمريكية بالوجود هناك على أرضها وخلق شبكة تحالفات في تلك الروافد الصانعة للقرار
ويدور الحديث الآن عن جهتين نجحتا في استغلال هذه البيئة المنفتحة بشكل أثر في دائرة صنع القرار وعلى الرأي العام الأمريكي، وهما روسيا وقطر!! مما دفع الكونجرس إلى وضع المزيد من الضوابط.
وبموجب القانون الجديد الذي تقدم به كل من النائب إليز ستيفانيك، عضو الحزب الجمهوري عن نيويورك، وزميله سيث مولتون عضو الحزب الديمقراطي عن ماساتشوستس في مارس/آذار 2018، سيتعين على أي وسيلة إعلامية مملوكة أو يتم إدارتها أو تمويلها بشكل رئيسي بواسطة جهات أجنبية أو تمثل بشكل أساسي مصالح حكومة أجنبية أن تقوم بالحصول على اعتماد وتسجيل من لجنة الاتصالات الفيدرالية FCC.
وتتضمن شروط التسجيل الجديد والتراخيص تحت مظلة FCC الكثير من البنود المشتركة مع قانون الترخيص بالعمل للعملاء والوكلاء الأجانب، المعروف اختصاراً بـFARA، فيما يتعلق بتحديد المؤسسات الإعلامية التي تنطبق عليها شروط التقدم لتسجيل أنشطتها والترخيص لها بالعمل في الولايات المتحدة. («العربية» 3 يناير/كانون الثاني) 2019. انتهى.
دعك من روسيا إنما السؤال الذي يطرح نفسه كيف لم توظف هذه الأداة بما يخدم المصالح الخليجية الأمريكية، وبالأخص مع اليمين الأمريكي؟ وكيف نجح اليسار الأمريكي في إقناع قطر لتمويل أقطابه الإعلامية لخدمة مصالحه في الشرق الأوسط والترويج لسياسته الشرق أوسطية؟
فبالإضافة إلى قناة «الجزيرة» الإنجليزية فإن قطر لديها مؤسسة قطر الدولية التي تعمل فيها ماغي ميتشل سالم، المرأة التي ورد ذكرها في قضية خاشقجي والقادمة من مؤسسات أسسها الحزب الديمقراطي لمساعدة المنظمات المدنية لدعم الديمقراطية، تلك المؤسسة هي ذراع قطر التي تساعدها لربطها بالقوى الناعمة الأمريكية، والتي نجحت في فتح الأبواب الأمريكية لمن يخدم المصالح القطرية.
أيضأ كشفت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية عن مفاوضات متكتمة تجريها الحكومة القطرية لشراء حصة مؤثرة من صحيفة وشبكة «نيوز ماكس» المملوكة لكريس رودي صديق الرئيس الأمريكي.
ونقلت «بوليتيكو» أن قطر عرضت 90 مليون دولار لهذه الصفقة، وكان طلبها استثمار جزء من المبلغ في توسعة خدمات القناة التلفزيونية «نيوز ماكس تي في».
قطر تعمل على تأسيس إمبراطورية إعلامية في الفضاء الأمريكي، بل أكثر من ذلك فإنها تمد أخطبوطها التأثيري على مراكز أبحاث وجامعات من أشهرها جامعة جورج تاون (انظر مقال إميل أمين في «العين الإخبارية» «الجامعات الأمريكية.. صحوة ضد الاختراقات القطرية»).
هناك استراتيجية قطرية واضحة إذن للتعاون مع اليسار الأمريكي للوصول لدائرة صنع القرار الأمريكي ودائرة التأثير في الرأي الأمريكي العام، بغض النظر عن أهدافها ونواياها ومدى معارضتها مع المصالح الأمريكية، فذلك شأن يحدده الرأي العام الأمريكي ويحدده الخلاف بين اليسار واليمين الأمريكيين، إنما النقطة التي نشير إليها أن هناك استراتيجية محددة ومرسومة، وهناك ميزانية موضوعة، هناك جهاز تنفيذي ومركزي لترجمة تلك الاستراتيجية ووضعها موضع التنفيذ تخدم أهداف النظام القطري والتي تعمل ضد المصالح الخليجية.
قطر تستثمر على المدى البعيد، وقد يقول قائل إن ذلك ليس تفكيرها أو تخطيطها، الجواب.. لا يهم بل المهم أن هناك من يفكر لصالح النظام القطري فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية-القطرية على المدى البعيد، وأياً كانت اعتراضات الكونجرس الأمريكي التي تحاول أن تضع بعض الضوابط على دور الحكومات الأجنبية وتأثيرها على توجيه الرأي العام الأمريكي مما سيقيد النظام القطري، إلا أن اتباع تلك الضوابط لن يكون عائقاً أمام استمرار الاختراق القطري لأنه مبني على استراتيجية شاملة تضع لها قواعد على الأرض الأمريكية، وهذا ما كنا ندعو له منذ 2011، أي منذ موجة الربيع العربي الأولى، بألا نركن إلى الثوابت التاريخية في العلاقات الأمريكية-الخليجية، بل لا بد من خلق ثوابت جديدة تواكب المتغيرات التي طرأت على المناخ الأمريكي والأوروبي الجديد بصعود اليسار إلى الواجهة، إذ إن أحد أعمدة ذلك اليسار هو عداؤه أو بغضه أو كراهيته لبعض أشكال الحكم العربية، وفوز شخص كالرئيس ترامب أو وجود حرس قديم في دائرة صنع القرار يتفق معنا في رؤيتنا لأمن الشرق الأوسط واستحقاقاته لا يعني أن خطر الآخرين قد زال.
نحن في حاجة إلى إعادة النظر في تحركنا تجاه العلاقات الأمريكية-الخليجية كي يكون تحركاً استراتيجياً لا تكتيكياً.. تحركاً يدرك أهمية التعاون مع «القوى الناعمة» الأمريكية بالوجود هناك على أرضها، وخلق شبكة تحالفات في تلك الروافد الصانعة للقرار.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة