في قطر وتركيا ظاهرة سياسية غريبة غير مسبوقة في تاريخ النظم السياسية.. أن يبني نظام سياسي كل سياساته على فلسفة رهانات القمار
تحول العالم العربي منذ ثورات الربيع المشؤوم إلى صالة كبيرة للقمار السياسي، كانت قطر وتركيا فيها تلعبان دور "لاس فيجاس" العرب والمسلمين، انخرط في المراهنة واللعب بدماء العرب لاعبون جاؤوا من كل مكان، تذكروا أوطانهم حينما سنحت فرصة الكسب والتربح والاتجار بالدماء، في صالة القمار السياسي في الدوحة وإسطنبول دار اللعب بدماء الشعب السوري لسبع سنين، وانتهت اللعبة بخسارة المقامرين العرب والترك، وربح الفرس والروس، وجاءت حادثة مقتل الصحفي السعودي الأستاذ جمال خاشقجي، فبدأ أردوغان وتميم يراهنان بكل ما يملكان علهما يربحان، وانتهت اللعبة بخسارة كاملة، ولكنهم للأسف خاسرون لا يخجلون.
في سوريا تحول أردوغان إلى لعبة تتقاذفها روسيا وأمريكا، وهو يظن أنه لاعب رئيسي، والحقيقة أنه ملعوب به، فبدلاً من أن يضم شمال سوريا ويوسع حدود الدولة العثمانية أصبح الآن يحاول حماية حدوده من المعارضة الكردية المسلحة، مقامرون فاشلون ولا يخجلون
في قطر وتركيا ظاهرة سياسية غريبة، غير مسبوقة في تاريخ النظم السياسية؛ أن يبني نظام سياسي كل سياساته على فلسفة رهانات القمار، يلقي بكل ثقله في لعبة واحدة، ويحلم بالكسب الكبير الذي يحقق الأحلام والطموحات، راهن أردوغان وتميم على مصر، وألقيا بثقلهما كاملاً فيها، وعندما خاب الرهان وسقط نظام الإخوان لم يتعظا ولم يتعلما، فشل لم يصاحبه خجل، فكانت الخسارة التاريخية الكبرى، مصر ستؤدب تركيا وقطر، طال الزمان أو قصر، سيرث الثأر الأجيال القادمة.. والمقدمة مع قبرص واليونان، وسوريا في الطريق.
راهن الخاسران على سوريا، وحولاها إلى أضخم صالة قمار سياسي في التاريخ، اللعب فيها على دماء وأوجاع وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، وما هي إلا سنوات لعب فيها الروس بأردوغان وتميم، وأعادوا سوريا للأسد، وخسرت كل البيادق والأدوات، وضاعت استثمارات تركيا وقطر في مقاولات الثورة السورية، وفي الثوار المأجورين، وللأسف لم يتعظ المقامران الفاشلان، وما زالا يحاولان في إدلب، لعل ذلك الجيب الصغير -الذي هربت إليه كل بقايا الإرهاب والعنف والتطرف، وتحولت إلى وحوش يأكل بعضها بعضاً- يعيد اللعبة من بدايتها فيلعب المقامران بطريقة أفضل.
في سوريا تحول أردوغان إلى لعبة تتقاذفها روسيا وأمريكا، وهو يظن أنه لاعب رئيسي، والحقيقة أنه ملعوب به، فبدلا من أن يضم شمال سوريا ويوسع حدود الدولة العثمانية أصبح الآن يحاول حماية حدوده من المعارضة الكردية المسلحة، مقامرون فاشلون ولا يخجلون.
في ليبيا كانت ساحة القمار الثالثة، استثمر فيها الأتراك وعملاؤهم القطريون في الإخوان الفاشلين، ونهبوا ثروات القذافي وأرصدة الدولة الليبية، وحولوا ليبيا إلى ساحة للقتل والتدمير، لعلها تكون باباً لاسترجاع حكم الإخوان لمصر، وعلها تزعزع النظام المصري، وتسقطه انتقاماً لإفشاله مشروع الإخوان؛ رعايا السلطان الواهم أردوغان، وطال اللعب في ليبيا، وفي كل يوم خسارة جديدة، والمقامر الغبي لا يتعلم ولا يستفيد ولا يتراجع، يقامر بالمزيد من العنف والسلاح والدماء، ولا ضير عليه، فهو مقامر انتهازي بلا أخلاق ولا قيم، يقامر بمال غيره، ودماء ضحاياه الذين أوهمهم أنه منقذهم، والخسارة آتية، فقد فشل مشروع تعويم الإخوان في طرابلس، والنهاية قريبة جداً.. ولكن المقامرين الفاشلون لا يخجلون.
كانت حادثة مقتل خاشقجي أكثر مراهنات أردوغان وتميم فشلاً، فقد أثبتت أنهما مغامران بعقلية مراهقة، وليسا رجال دولة، تم اللعب بجريمة بشعة مرفوضة، وتوظيفها سياسياً للنيل من دولة كبيرة لها ثقل روحي واقتصادي وسياسي وتاريخي كبير، لا يمكن أن تنال من مكانتها حادثة مهما كانت بشاعتها، ظن أردوغان وتابعه في الدوحة أنه يستطيع أن يوظف هذه الحادثة لتغيير نظام حكم تجاوز القرنين بنصف قرن، وتكالبت عليه حوادث التاريخ، وظل قائماً ويزداد قوة، رهان مراهق عديم خبرة.
فكانت النتيجة الفشل الذريع، والخسارة التاريخية العميقة، فالعقل السعودي لن ينسى المشهد المخزي لأردوغان، وهو يسرب معلومات حول مقتل خاشقجي، وكأنه طفل متنمر متآمر صغير، والتاريخ لا يعرف الأفعال المجانية، ولا يملك ممحاة؛ يستطيع بها أن يمحو الأخطاء، ولكن ماذا نفعل في فاشلين لا يخجلون.
سلسلة متوالية من المقامرة بدماء ومآسي الآخرين لعلها تأتي بربح أو فائدة، ولكن للأسف الخسارة في كل الحالات متشابهة، واللعب مستمر، والمقامر في حال سكر برغبة النصر وحلم الفوز، فلم ير فشله؛ متعشماً أن اللعبة القادمة قد تحقق فوزاً.
مصير المقامرين الفاشلين -تميم وأردوغان- أن أحدهما سيكون لاعباً والآخر ملعوباً به، وستكون اللعبة في الدوحة على ثروات قطر وشعب قطر ومستقبل قطر، وقد بدأت اللعبة فعلاً باتفاقيات أملتها تركيا على حكومة الأمير الصغير، وهي لعبة القمار الأخيرة التي قد يفوز فيها أردوغان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة