فضيحة قطرية جديدة أطلت برأسها هذه الأيام، وتكشفت تفاصيلها مؤخرا رغم المحاولات الدؤوبة من تنظيم الحمدين لإخفاء معالمها.
فضيحة قطرية جديدة أطلت برأسها هذه الأيام، وتكشفت تفاصيلها مؤخرا رغم المحاولات الدؤوبة من تنظيم الحمدين لإخفاء معالمها طوال ما يقرب من 3 سنوات، العنوان الأبرز لهذه الفضيحة هو أن الحكومة القطرية ضحت بسيادتها على أراضيها وضربت بكرامة شعبها عرض الحائط، لا لشيء سوى إرضاء الخليفة العثماني وتقديم فروض الولاء والطاعة له؛ سعيا لكسب وده وشراء رضاه وطلب حمايته من غضب شعبه والاحتماء به من مقاطعة جيرانه، لذا قدمت الحكومة القطرية التي لا تملك، قربانا للنظام التركي الذي لا يستحق، فأهدت له أرض الشعب القطري مجانا يجول فيها كيفما يشاء ويصول فيها وقتما يريد، دون حسيب أو رقيب ودون حاجة لإذن أو تصريح، وهذا ما كشفت عنه الاتفاقية العسكرية التي كانت قد أبرمت بين تركيا وقطر في الثامن والعشرين من أبريل 2016، وتم توسيعها منتصف العام 2017، وبموجبها وصل آلاف الجنود الأتراك إلى قطر، ورغم مرور ما يقرب من 3 أعوام على توقيعها، وعام ونصف على تعديلها إلا أن الاتفاقية التي تحمل اسم "اتفاقية التنفيذ بين الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر لنشر القوات التركية على الأراضي القطرية" ظلت طي السرية والكتمان لخطورة ما تضمنته إلى أن تمكن الموقع السويدي "نورديك مونيتور" من الحصول مؤخرا على النص الكامل لها في 16 صفحة، وقام بنشرها موقعة ومختومة من الجانبين القطري والتركي.
ربما كانت قطر محقة تماما في محاولة إخفاء بنودها طيلة نحو 3 أعوام؛ نظرا لما تحتويه من إهانة شديدة للشعب القطري الذي كان لا بد أن يشعر بأنه لم يعد يحظى بأولوية لدى حكومته، وأن هناك من تبوأ مكانه، وأنه صار يأتي ثانيا بعد كل من يحمل جنسية تركيا أو يحمل علمها
الاتفاقية أظهرت أن القوات التركية التي تنتشر على الأراضي القطرية لها الصلاحية المطلقة في استخدام معظم المنشآت الحيوية في البلاد، ومن دون الحاجة للحصول على الموافقات المسبقة من الجهات القطرية المختصة؛ إذ نصت المادة السادسة منها على أن قطر وافقت على السماح مسبقا للطيران العسكري والمدني التركي بأن يستخدم الأجواء القطرية بمطلق الحرية ومن دون أي إذن مسبق، ومع إعفاء كامل من أية رسوم، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على المياه الإقليمية والموانئ وكامل الأراضي القطرية.
على أن الاتفاقية تشير إلى ضرورة الحصول على موافقة "القوات المسلحة التركية" من دون أية إشارة إلى ضرورة الحصول على أي موافقات قطرية، ويشير البند (G) من الفقرة الثانية للاتفاق إلى أنه "على قطر ضمان إعطاء الأولوية القصوى لكل المركبات الأرضية والجوية التركية، بما في ذلك المروحيات التي يمكن أن تحتاج المرور في حالات الطوارئ من وإلى الأجواء القطرية".
وبهذه المعلومات فإن معظم المنشآت الحيوية القطرية، مثل المطارات والموانئ والمجال الجوي والبحري أصبحت تحت تصرف القوات المسلحة التركية منذ منتصف العام 2017، بل تلزم هذه الاتفاقية السرية السلطات القطرية بأن تعطي "الأولوية القصوى" للقوات التركية والآليات التابعة لها، بما يعنيه ذلك من أن كل ما يتبع تركيا من قوات أو عتاد أصبح له الأولوية، وصار مقدما على كل ما يتبع قطر داخل الأراضي القطرية.
ليس هذا فحسب، فالأكثر إهانة للشعب وانتهاكا للسيادة هو أنه وبحسب بنود الاتفاقية، يمنع ملاحقة أي جندي تركي موجود في قطر، ولا تجوز محاكمته في حال ارتكابه أي انتهاكات قانونية، وحسب الموقع السويدي فإن كافة الجنود الأتراك الموجودين على الأراضي القطرية لا يمكن أن يخضعوا للقانون القطري ولا الجهاز القضائي القطري، وإنه في حال ارتكب أي منهم مخالفة أو جريمة فإن القضاء التركي هو الذي يختص بالنظر فيها.
كما منعت الاتفاقية السلطات القطرية من اعتقال أي جندي تركي ينتهك القوانين أو المعتقدات الدينية، حيث تنص المادة الخامسة من الاتفاقية في فقرتها الثانية على أن "الجمهورية التركية هي صاحبة الاختصاص القضائي فيما يتعلق بمواطنيها في حالات "أية جريمة ضد الأمن أو الممتلكات أو الأشخاص التابعين لتركيا"، و"أية جرائم تتسبب بها الأعمال التي تتم لتنفيذ المهام الرسمية للأتراك، أو أخطاء، أو فشل قد يحدث عند إنجاز المهام الرسمية"، بالإضافة إلى أن "أية شهادات أو وثائق تتعلق بالمهام يتوجب أن تصدر بعد التواصل بين الجهات القانونية في البلدين، ويتوجب توقيعها من جنرالات أتراك وقطريين معا".
إذن هي اتفاقية أقرب إلى عقود الإذعان، اتفاقية لا توقع إلا بين دولة منتصرة بشكل ساحق في حرب ضروس وأخرى مهزومة فيها بشكل مهين، وربما كانت قطر محقة تماما في محاولة إخفاء بنودها طيلة نحو 3 أعوام، نظرا لما تحتويه من إهانة شديدة للشعب القطري الذي كان لا بد أن يشعر بأنه لم يعد يحظى بأولوية لدى حكومته، وأن هناك من تبوأ مكانه، وأنه صار يأتي ثانيا بعد كل من يحمل جنسية تركيا أو يحمل علمها، بعد أن وضعت حكومته أرضه تحت تصرف دولة أجنبية وأعطت لقواتها العسكرية أولوية في التعامل وحصانة من القانون، وتأمينا من العقاب مهما كان حجم الجرائم التي ارتكبوها.
مرة أخرى تثبت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب أنها على حق، وأنها كانت بعيدة النظر وثاقبة الرؤية، وأن مطالبها من النظام القطري كانت عادلة، فعندما وضعت 13 مطلبا اعتبرتها ركنا أساسيا لحل الأزمة مع قطر قبل عامين ونصف، كان المطلب الثالث هو إغلاق القاعدة العسكرية التركية على أراضيها وإلغاء التعاون العسكري معها، فيما كان المطلبان الرابع والخامس هما إغلاق قناة الجزيرة المتهمة بإثارة الاضطرابات في المنطقة ودعم جماعة الإخوان المسلمين، وإغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقبل أيام قليلة فقط بدأت تحركات أمريكية جادة وواقعية تعي خطورة الدور الذي تلعبه قناة الجزيرة وبقية وسائل الإعلام القطرية أو التي تتلقى تمويلها من الدوحة على الأمن القومي الأمريكي وعلى المصالح الأمريكية حول العالم، لذا قام أعضاء بارزون في الكونجرس بتكثيف تحركاتهم الرامية إلى إقرار مشروع قانونٍ جديد يستهدف تضييق الخناق على المؤسسات الإعلامية القطرية العاملة في الولايات المتحدة، وفي مقدمتها النسخة الناطقة باللغة الإنجليزية من قناة "الجزيرة"، وإجبار هذه الجهات على الإفصاح عن التفاصيل الخاصة بتمويلها، والالتزام بقدر أكبر من الشفافية على صعيد أنشطتها في أمريكا.
الدول الأربع المقاطعة لقطر كانت سباقة وحذرت قبل غيرها من خطورة "الجزيرة" وبقية أبواق الفتنة القطرية، وهو الأمر الذي يتكرر حاليا بعدما تكشفت كل البنود السرية من الاتفاقية العسكرية بين قطر والدوحة، حيث كانت الدول الأربع سباقة في إدراك مطامع وأهداف تركيا في المنطقة، وبحثها الذي لم ينقطع عن موطئ قدم لها في هذه البقعة من العالم لتمارس منه دورها التوسعي الخبيث والخطير في المنطقة وهوايتها في العبث بأمن واستقرار دولها، والآن بعد أن أصبح الشعب القطري على علم بكافة البنود المهينة له والتي تضمنتها هذه الاتفاقية، أعتقد أن إغلاق القاعدة العسكرية التركية وإلغاء الاتفاقية برمتها سيكونان مطلبا للشعب القطري في المقام الأول قبل أن يكونا مطلبا لمقاطعي حكومته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة