ترامب وتحالفات أمريكا.. «خيط رفيع» على محك الولاية الثانية
لا شيء يثير المخاوف أكثر من أن يُبطل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تحالفات واشنطن ويكسر أعمدة شبكة واسعة تعد من أبرز إنجازات سلفه في السياسة الخارجية.
ولعل الإنجاز المهم للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن في السياسة الخارجية هو تعزيز التحالفات عبر المحيطين الأطلسي والهادئ، وتطوير شبكة تربط بينهم.
وشهدت السنوات القليلة الماضية توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واتفاقية ثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا. وتشكيل تحالف «أوكوس» الذي يضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
يضاف إلى ذلك الدعم المستمر لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، والتنسيق في مجموعة السبع بشأن سلاسل التوريد.
على المحك
من خلال العمل معًا، نجحت واشنطن وحلفاؤها في تحسين آفاقهم بمواجهة المحور الناشئ بين روسيا والصين، إلا أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تهدد بإبطال هذه التحالفات، وذلك وفق مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وخلال ولاية ترامب الأولى، بذل حلفاء الولايات المتحدة قصارى جهدهم لاستيعاب مطالبه، وزيادة إنفاقهم الدفاعي، وتكييف سياساتهم التجارية، وتشديد القيود التكنولوجية ضد الصين.
وبعد 4 سنوات، أصبحت المخاطر الأمنية أعلى بكثير، إلا أن ترامب يبدو عازمًا على إحياء سياسته الخارجية "أمريكا أولاً" وتكثيف الضغوط السياسية والاقتصادية على حلفاء الولايات المتحدة.
وقد يؤدي ذلك إلى تنفير الشركاء من واشنطن وتوتر العلاقات داخل التحالفات، مما يمنح بكين وموسكو مساحة جديدة للمناورة الدبلوماسية.
وسيتعين على حلفاء واشنطن أن يقرروا إما غلق الصفوف، أو السماح للقوى الطاردة المركزية التي قد يطلقها ترامب بدفعهم بعيدًا.
ويتوقع الحلفاء أن تؤدي عودة ترامب إلى فترة جديدة مؤلمة من المعاملات، فلن يقدم الرئيس الأمريكي المنتخب أي خدمات لهم لمجرد أنهم حلفاء ولن يولي اهتماما كبيرا لتصرفاتهم.
وبدلا من ذلك، قد يستغل ترامب انعدام الأمن لدى الحلفاء في ظل حرب أوكرانيا وتنامي القوة العسكرية الصينية للحصول على صفقات أفضل في التجارة والدفاع.
وقد يهدد بسحب الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية ما لم يقدم الشركاء شروطا أكثر ملاءمة للتجارة.
وقد يهدد ترامب أيضا بفرض تعريفات جمركية إضافية إذا فشل الحلفاء في الوصول إلى نسبة الإنفاق الدفاعي الأمريكي البالغة 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعكس شكاوى ترامب بشأن تكاليف نشر القوات الأمريكية في الخارج رفضا للإجماع الحزبي بعد الحرب العالمية الثانية بشأن قيمة الدفاع المتقدم في أوروبا وآسيا.
وإذا تراجعت الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب، فقد تبدأ الجبهة المشتركة ضد الصين وروسيا والتي عملت إدارة بايدن على تعزيزها في التآكل خاصة أن العلاقة بين اليابان وكوريا الجنوبية هشة.
«لحظة سيئة»
تأتي عودة ترامب للبيت الأبيض في لحظة سيئة بالنسبة لأوروبا حيث تغرق فرنسا وألمانيا، وهما الدولتان الأكبر والأكثر نفوذا بالاتحاد الأوروبي، في الفوضى وتواجه القارة تزايدا في شعبية الأحزاب القومية.
ولا مفر أمام أوروبا من تحمل مسؤولية تأمين مستقبل أوكرانيا رغم أن إعادة انتخاب ترامب تضفي الشرعية على الأحزاب القومية التي تشكك في التكامل الأعمق للاتحاد الأوروبي ما يمكن أن يعزز قدرة القارة على العمل بشكل مستقل.
وإذا التزم الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتعهده بالانسحاب مجددا من اتفاقية باريس للمناخ، فسيدعم ذلك المشككين في المناخ في أوروبا، مما يعمق الانقسامات داخل القارة.
وإذا كان الأوروبيون المعتمدون على التجارة لا يستطيعون تحمل فرض عقوبات تجارية على روسيا والصين في وقت واحد، فسيكون الأمر أكثر صعوبة في حال فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية.
وإذا مضى ترامب قدماً في أجندته المناهضة لليبرالية، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الإجماع حول القيم التي تربط تحالفات الولايات المتحدة.
خلافات
قد تنشب الخلافات بين الولايات المنتحدة وحلفائها في حال استخدم الجيش الأمريكي لترحيل المهاجرين، أو مطالبة الحلفاء الأوروبيين بالطعن في ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو تسليح أجهزة الأمن الداخلي الأمريكية لانتقام من خصوم ترامب.
وقد يختار الحلفاء تسريع التغييرات الإيجابية مثل تكثيف الدول الأوروبية جهودها الدفاعية وتعزيز علاقاتها بشكل مستقل عن الولايات المتحدة وتطوير سبل جديدة للتعاون مع شركائها في المحيط الهادئ لمعالجة التهديد الأمني الصيني.
وإذا تعاون حلفاء الولايات المتحدة في السنوات القادمة، وعززوا قدراتهم الجماعية وآلياتهم للعمل المشترك، فإنهم سيغيرون التوازن السياسي للقوى داخل النظام الذي كانت تهيمن عليه واشنطن.
وقد يحاول الحلفاء الأوروبيون أيضًا تقليل اعتمادهم على الاقتصاد الأمريكي وسيتبع حلفاء الولايات المتحدة مصالحهم الخاصة بشكل منفصل عن واشنطن إذا لزم الأمر.