الانقسامات العرقية تضرب بوليفيا بعد سقوط موراليس
مع لجوء موراليس إلى المكسيك يخشى أنصاره من فقدان مكاسبهم السياسية والاقتصادية التي حصلوا عليها بشق الأنفس.
اندلعت توترات عرقية عنيفة في بوليفيا عقب الإطاحة بإيفو موراليس، أول رئيس لبوليفيا من السكان الأصليين؛ ما أحدث انقساما في البلاد، وتعقيد الجهود الرامية لانتشال البلاد وليفيا من أزمتها السياسية الطاحنة.
ومع رحيل موراليس الشخصية الأكثر تفضيلا لدى السكان الأصليين وحلول سيدة من أصل أوروبي في منصب القائم بأعمال الرئيس خلفا له، طفت هذه التوترات على السطح.
وأشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى أن أحد الأسباب التي دفعت إلى تنامي التوترات العرقية يتمثل في تمزيق قوات الشرطة لشارة السكان الأصليين عن ملابسهم التقليدية، فيما أحرق متظاهرون ضد موراليس علم السكان الأصليين.
وفي الوقت ذاته نشرت القائمة بأعمال الرئيس سلسلة من التغريدات اعتبرها الكثيرون عنصرية، ناهيك عن أنها لم تستعن في حكومتها بأي من السكان الأصليين، بحسب التقرير.
كان موراليس، الذي قاد البلاد لمدة 14 عاما، يشكل إنجازا رائعا لمعظم البوليفيين، وهم من السكان الأصليين، لكنه عزز أيضا قاعدة دعمه عبر تأييده الصريح للهوية العرقية التي تشكل تهديدا واستقطابا.
ومع لجوء موراليس إلى المكسيك يخشى أنصاره من فقدان مكاسبهم السياسية والاقتصادية التي حصلوا عليها "بشق الأنفس".
ولفتت نيويورك تايمز إلى أن مخاوف السكان الأصليين تصاعدت، مع إعلان جانين أنيز شافيز، وهي سيناتورة معارضة، نفسها رئيسة مؤقتة للبلاد يوم الثلاثاء الماضي، قاطعة وعودا بتوحيد الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة في يناير.
وعندما كشفت، الأربعاء الماضي، النقاب عن مجلس الوزراء المؤقت، لم يكن من بين الوزراء الـ11 أي من السكان الأصليين، ولكن عقب احتجاجات صاخبة، اضطرت لتعيين وزيرة للثقافة منهم.
وخلال السنوات التي سبقت الإطاحة بموراليس، نشرت أنيز تغريدات استفزازية على تويتر تسخر من ثقافة السكان الأصليين، ووصفت طقوسهم الدينية بـ"الشيطانية" ووصفت موراليس بـ"الهندي البائس".
لكنها سارعت عقب ذلك إلى حذف التغريدات، والتي كانت قد انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي واحد من أسوأ أعمال العنف التي شهدتها بوليفيا في الأسابيع الأخيرة، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي بعد ظهر الجمعة الماضية على مؤيدي موراليس من السكان الأصليين الذين حاولوا السير في كوتشابامبا، التي تبعد نحو 250 ميلا إلى الشرق من لاباز؛ ما أسفر مقتل 5 متظاهرين.
التوترات بين السكان الأصليين ونخبة بوليفيا التي حكمت منذ فترة طويلة من أصل أوروبي تعود إلى الحقبة الاستعمارية الإسبانية، ولا تزال تداعياتها قائمة حتى الآن.
دييغو فون فاكانو، الباحث السياسي البوليفي في جامعة تكساس إيه آند إم، قال إن العلاقات بين الأعراق التقليدية في بوليفيا تعمل بـ"نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ حيث تحول السكان الأصليون إلى مواطنين من الدرجة الثانية".
وأضاف أن "أهمية موراليس تتمثل في تحقيقه الكثير من الإيجابيات للسكان الأصليين".
لكن موراليس بدأ يفقد قبضته على السلطة خلال السنوات الثلاث الماضية عندما حاول حشد قاعدته الأصلية من خلال خطاب التمييز العنصري، الذي استقطب جزءا كبيرا من البلاد في الوقت الراهن.
وخلال ولاية موراليس زاد عدد ممثلي السكان الأصليين في الوزارات ومجلس النواب، الذي ضم عددا من النساء اللاتي يرتدين التنانير الكاملة التقليدية المسماة بوليراس، والتي كانت في مثار ازدراء في الأماكن العامة.
كما أعاد توزيع ثروة البلاد من الغاز الطبيعي على المجتمعات المحلية، وأيد عودة المطبخ والموسيقى والملابس التقليدية.
وقدم علما متعدد الألوان، يدعى ويبالا، والذي يمثل مجموعات السكان الأصليين المتنوعة في البلاد، وجعله علما رسميا إلى جانب علم يعود إلى عصر الاستقلال يحمل الألوان الأحمر والأخضر والأصفر.
هذه السياسات جعلته الخيار الأمثل للكثيرين في مجتمعات السكان الأصليين الرئيسية في بوليفيا، الكيشوا والأيمارا، التي تشكل نحو ثلث السكان البالغين في البلاد، وفقا لآخر إحصاء.
أثارت هذه الخطوات أيضا الاستياء بين العديد من البوليفيين من أصول مختلطة أو أوروبية، وكذلك الجماعات العرقية الأصغر في البلد، الذين اتهموه بالانحياز العرقي واستغلال الاختلافات العرقية لتحقيق مكاسب سياسية.
يقول منتقدو السيد موراليس إن تثبيت حكومته نوعا معينا من ثقافة السكان الأصليين المتنوعة في بوليفيا أدى إلى تراجع شعبيته بين مجموعات السكان الأصليين من 62% قبل 10 سنوات إلى 41% في استطلاع الرأي الأخير، الذي أجري عام 2012.
خطوط الصدع السياسية في بوليفيا معقدة؛ فالعرق غالبا ما يمتزج بالانقسامات الإقليمية والأيديولوجية.
فهناك قادة من السكان الأصليين انفصلوا عن موراليس بسبب مزاعم الفساد، وبعض البوليفيين من غير السكان الأصليين دعموا سياساته الاشتراكية.
لكن الانقسام العرقي كان واضحا خلال الأسبوع الماضي عند مقارنة الحشود التي خرجت لتأييد موراليس والمناهضة له.
وهناك جانب آخر من الانقسامات العرقية، يتمثل في الدين، حيث كان موراليس تربطه علاقة متوترة مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية؛ لأنه أحيا احتفالات أيمارا التي يحييها السكان الأصليون في القصر الرئاسي، في ممارسة تعتبر وثنية في بلد شكلت فيه الكاثوليكية جزءا رئيسيا من غزو البلاد في القرن السادس عشر.
وهو ما يمكن معه تفسير تأدية آنيز اليمين الدستورية حاملة إنجيلا ضخما، ووضعته بشكل احتفالي في القصر الرئاسي البوليفي.
ورغم اعتبار الغالبية العظمى من البوليفيين أنفسهم مسيحيين، فإن أنيز الكاثوليكية المحافظة كانت إشارة إلى عودة الهيمنة الأوروبية على الثقافة البوليفية.
وتوفي شخص واحد على الأقل في اشتباكات بين محتجين من السكان الأصليين والشرطة البوليفية في مقاطعة قريبة أمس السبت.
وقال ألفونسو كوكي، أحد مزارعي الكوكا: "لقد أحرقوا علمنا؛ لقد سخروا من ثقافتنا. هذه عنصرية. هذا تمييز. سنضحي بحياتنا من أجل حقوقنا".
aXA6IDMuMTIuMzQuMjA5IA==
جزيرة ام اند امز