بورصة عمّان تحصد ثمار الثقة والإصلاحات.. أعلى مستوى منذ 2008

سطّرت بورصة عمّان إنجازاً تنافسياً خلال جلسة تداولات اليوم الخميس، بتجاوزها حاجز 3000 نقطة للمرة الأولى منذ عام 2008.
وتشهد بورصة عمّان "أداءً لافتاً"؛ حيث ارتفع الرقم القياسي العام بأكثر من 500 نقطة منذ بداية عام 2025 الجاري.
وجاء هذا الأداء مدفوعا بجملة من العوامل الإيجابية، أبرزها ارتفاع صافي أرباح الشركات المدرجة في البورصة بنسبة تجاوزت 9% خلال النصف الأول من العام الحالي، إلى جانب المؤشرات الاقتصادية الوطنية التي أظهرت تحسنا ملحوظا.
كما ساهمت الإجراءات الحكومية الداعمة للسوق، بما في ذلك المحفزات الخاصة بالبورصة، في تعزيز ثقة المستثمرين، إضافة إلى دور خطة رؤية التحديث الاقتصادي والبرنامج التنفيذي للحكومة في ترسيخ التفاؤل لدى الأوساط الاستثمارية.
أعلى مستوى منذ 2008
وسجلت البورصة قفزة نوعية الخميس، أعادت الزخم إلى السوق المالي الأردني، حيث تجاوز المؤشر العام مستوى 3003 نقطة، مسجلاً أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
كما سجلت القيمة السوقية 23.1 مليار دينار (32.6 مليار دولار)، لتصل عند أعلى مستوياتها منذ تاريخ 15/12/2009.
قرارات حكومية تحفيزية
هذا الارتفاع لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة مباشرة لجملة من القرارات الحكومية التحفيزية التي أصابت عمق البيئة الاستثمارية، ورسّخت الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
الحكومة ضمن إطار رؤية التحديث الاقتصادي، أطلقت سلسلة من الإجراءات والتشريعات الجديدة هدفت إلى تحسين كفاءة السوق وتعزيز جاذبيته، كان آخرها إعفاء صندوق الاستثمار المشترك من الضريبة المفروضة على أرباح الحصص والأسهم التي توزعها الشركات.
ولا يعتبر الصندوق شركة مالية بالمعنى المحدد في قانون البنوك، وتخضع صناديق الاستثمار المشترك لضريبة دخل قطعية مقدارها 0.08% (ثمانية بالعشرة آلاف) من قيمة بيع الأسهم من كل من البائع والمشتري عن كل عملية بيع.
كما لا تخضع لأحكام المادة 11/ب من قانون ضريبة الدخل النافذ المتعلقة بنسب ضريبة الدخل التي تستوفى عن الدخل الخاضع للضريبة للشخص الاعتباري، بالإضافة إلى قرار تمديد ساعات التداول لتصبح من الساعة 10:30 صباحاً وحتى الساعة 1:30 ظهراً، وقرار هيئة الأوراق المالية بخفض العمولات المفروضة على الوسطاء الماليين، بنسب تصل إلى 25%.
هذه الخطوات عززت ثقة المستثمرين وقللت من المخاطر المرتبطة بالتداول، ما فتح الباب أمام تدفقات رأسمالية جديدة انعكست مباشرة على مستويات السيولة وحجم التداول اليومي.
القيمة السوقية الإجمالية للأسهم المدرجة قفزت إلى 221 مليار دينار (311.7 مليار دولار)، مقارنة مع 17.65 مليار دينار (24.1 مليار دولار) في نهاية عام 2024، في حين ارتفع معدل التداول اليومي بنسبة تجاوزت 83%، ليصل إلى 11.4 مليون دينار (16.1 مليار دولار).
وعكست هذه الأرقام حجم التحول الذي تشهده البورصة، والذي يرتكز على أرضية صلبة من الثقة المتزايدة بالأداء الاقتصادي العام ونتائج الشركات المدرجة.
- «أوبك» تبرز المرونة التنافسية للاقتصاد الإماراتي غير النفطي
- «أدنوك» تنقل حصصها في شركاتها المدرجة إلى «XRG»
نمو ملفت للأسهم القيادية
الأسهم القيادية كانت المحرك الرئيس لهذا الصعود التاريخي، حيث تصدّرت شركات البوتاس العربية والفوسفات الأردنية مشهد التداولات، مسجلة نسب نمو ملفتة مدفوعة بنتائج مالية قوية وارتفاع الطلب العالمي على منتجاتها.
سهم البوتاس العربية حقق مكاسب لافتة بالتزامن مع إعلان الشركة عن توسعات جديدة وشراكات جديدة هذا الأسبوع، فيما واصلت الفوسفات الأردنية تعزيز مكانتها التصديرية من خلال عقود استراتيجية انعكست إيجابًا على أدائها في السوق.
في السياق ذاته، ساهم القطاع المصرفي في تعزيز صعود المؤشر، مستفيدًا من استقرار السياسات النقدية وتوسيع قاعدة الائتمان. البنوك الكبرى مثل البنك العربي والبنك الإسلامي الأردني، والبنك الأهلي، أظهرت أداءً قوياً، مع نمو ملحوظ في الأرباح الصافية وتوسيع محفظتها الاستثمارية، ما شجع المؤسسات الاستثمارية على إعادة توجيه جزء من استثماراتها نحو أسهم القطاع المالي.
كما شهد سهم شركة مصفاة البترول الأردنية تداولات نشطة مدعومة بتحسن الأداء التشغيلي واستقرار أسعار الطاقة.
وأعاد هذا الأداء الاستثنائي بورصة عمان إلى الواجهة الإقليمية، وأثبت أن السوق الأردني يمتلك المقومات اللازمة لاستعادة جاذبيته في حال توفرت الإرادة السياسية والتشريعية.
ويعكس التفاعل الإيجابي من قبل المستثمرين مع القرارات الحكومية الأخيرة حجم الترقب الذي كان يخيّم على السوق، ويدل على أن الاستثمار في البنية التشريعية للأسواق لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية التحتية.
التوقعات تشير إلى أن المؤشر قد يحافظ على هذا الزخم في المدى القصير والمتوسط، خاصة إذا استمرت الحكومة في تنفيذ مزيد من الإصلاحات التي تعزز الشفافية وتحفز الإدراجات الجديدة، وتدعم دخول رؤوس أموال أجنبية.
وإذا ما تواصلت نتائج الشركات القيادية بهذا النسق، فإن بورصة عمان قد تدخل مرحلة جديدة من التعافي والنمو المستدام، لتتحول من سوق راكد إلى منصة استثمارية إقليمية واعدة.
ما حدث في بورصة عمان ليس مجرد انتعاش مؤقت، بل هو رسالة واضحة بأن الأسواق تلتقط الإشارات الإيجابية بسرعة حين تكون الثقة هي القاعدة.
هذه القفزة التاريخية لم تكن لتحدث لولا وجود بيئة إصلاحية جادة بدأت تؤتي أُكُلها.