عمليات البتر بمصر القديمة.. أول دليل علمي على عدالة الرعاية الصحية (خاص)

أكدت دراسة حديثة أن المصريين القدماء لم يميزوا بين كبار المسؤولين والعمال البسطاء في تلقي الرعاية الطبية.
وكشفت الدراسة المنشورة بدورية "جورنال أوف أبلايد ساينس ريسيرش"، والتي قادتها د. ولاء باشا، أستاذ الأنثروبولوجيا البيولوجية المساعد بالمركز القومي للبحوث، عن أول دليل علمي يؤكد ذلك، ويتمثل في إجراء عمليات بتر ناجحة في مصر القديمة شملت مختلف الطبقات الاجتماعية.
وقالت د. باشا لـ"العين الإخبارية" إن "الفريق البحثي فحص 204 هياكل عظمية عُثر عليها في جبانة الجيزة تعود لعصر الدولة القديمة (2700 – 2190 ق.م)، أي زمن بناة الأهرام"، وأوضحت أن النتائج كشفت عن حالتين لعمليات بتر ناجحة، الأولى لمسؤول رفيع المستوى، والثانية لعامل من الطبقة الدنيا.
وأضافت: "الحالة الأولى كانت لرجل في الأربعينيات من عمره، ينتمي لطبقة كبار الموظفين، حيث أظهرت عظام ساقه اليمنى (القصبة والشظية) آثار بتر واضح مع التئام جيد للعظام، ما يدل على أنه عاش فترة طويلة بعد العملية. ونُرجح أنه استخدم رباطا أو طرفا صناعيا بدائيا لمساعدته على الحركة".
أما الحالة الثانية، بحسب د. باشا، فكانت لرجل عامل يتراوح عمره بين 40 و45 عامًا، أظهرت عظام ساعده الأيسر آثار بتر في عظمتي الزند والكعبرة، والعظام كانت ملتئمة بشكل جيد، وهو ما يعكس حصوله على رعاية طبية بعد العملية. كما لاحظنا وجود تشوه في عظم العضد، مما يشير إلى أن المريض استمر في استخدام ذراعه بعد البتر.
وأشارت د.باشا إلى أن هذه النتائج "تمثل أول دليل مادي مباشر على أن عمليات البتر في مصر القديمة لم تقتصر على النخبة، بل شملت العمال أيضا، وهو ما يعكس عدالة نسبية في تقديم الرعاية الصحية."
وتابعت: "من المعروف أن المصريين القدماء امتلكوا أدوات جراحية متقدمة نسبيا مثل السكاكين والمناشير والملاقط، ووثائق طبية مثل بردية (إدوين سميث) التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، تضمنت أوصافًا دقيقة لعلاج الإصابات بعيدا عن التفسيرات السحرية، إلا أن هذه البرديات لم تذكر عمليات البتر كوسيلة علاجية، لذلك فإن اكتشافنا يمثل إضافة فريدة تسد هذه الفجوة".
وشددت د. باشا على أن "دراسة حالات البتر في هذه الهياكل العظمية تثبت أن المصريين القدماء مارسوا الجراحة كوسيلة لإنقاذ الأرواح، وليس كعقوبة أو ممارسة طقسية كما افترض البعض. كما أنها تكشف عن وعي مبكر بأهمية توفير الرعاية الطبية لكافة أفراد المجتمع، بصرف النظر عن مكانتهم الاجتماعية".
واختتمت الباحثة تصريحها قائلة: "إن هذه الدراسة لا تسلط الضوء فقط على الجانب الطبي للحضارة المصرية القديمة، بل تكشف أيضا عن قيم إنسانية متجذرة تتعلق بالعدالة في تقديم العلاج، وهو ما يجعلنا ننظر إلى هذه الحضارة بعين جديدة، ليست فقط حضارة بناء ومعمار، بل أيضا حضارة طب وإنسانية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTkg جزيرة ام اند امز