سر المورينجا الفرعونية.. "الشجرة المعجزة" تعالج آلام البشر
اكتسبت شجرة المورينجا قيمة كبيرة لدى القدماء المصريين، لا تقل بل تزيد على زهرة اللوتس المقدسة في حياة المصري القديم.
ومن بين الصفات التي تطلق حديثا على شجرة المورينجا، أنها "الشجرة السحرية" و"الشجرة المعجزة"، وذلك في إشارة إلى مزايا متعددة ومتشعبة توفرها هذه الشجرة على كافة المستويات.
ونشرت أبحاث ودراسات عن هذه المزايا في دوريات علمية، غير أن المفاجأة التي ربما قد تبدو جديدة على أسماع البعض، هي أن هذه الشجرة كان لها قيمة كبيرة عند المصري القديم.
وسجلت البرديات الفرعونية والرسوم على جدران المعابد استخدامات متنوعة لهذه الشجرة، لا سيما في مجال تحضير المستحضرات العلاجية، وهي مزايا أعطتها قيمة جعلت من تلك الشجرة التي عرفها المصري القديم باسم (الباق)، أهمية عقائدية ودينية.
وتقول الدكتورة سهام السيد عيسى، مدرس الآثار المصرية بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ شمال القاهرة، في دراسة نشرتها مجلة "اتحاد الأثريين العرب" عن علاقة المصري القديم بتلك الشجرة، أنها ارتبطت في الديانة المصرية القديمة ببعض الآلهة مثل الإله "بتاح" الذي كان من ألقابه (الكائن تحت شجرة الزيت)، وذلك في إشارة إلى المورينجا.
وكان لزيت تلك الشجرة الكثير من الاستخدامات الطبية والعقائدية، كما كانت هناك ألقاب شبيهة مصدرها نفس الشجرة، ومنها (الكائن تحت زيتونته) أو (المستظل بزيتونته)، والذي أطلق على الإله (تحوت).
وتسجل بردية (نو) الموجودة بالمتحف البريطاني ما جاء بكتاب الموتى، عندما تسأل الإلهة أحد الموتى (من أنت وما اسمك)، فيقول اسمى من تجهز تحت أزهار شجرة المورينجا، كما ورد بالتعويذة رقم ١٤٥ بكتاب الموتى أسماء سبعة آلهة من بينهم (الذى تحت شجرة المورينجا).
ويبدو من الألقاب التي ربطت بين الآلهة المصرية القديمة والمورينجا، اهتمام خاص بزيتها، حيث تبلغ نسبته في بذور الشجرة ما بين 30 و40%، ويعرف في العربية باسم (زيت البان) ويتميز باحتفاظه بسيولته في ظروف حرارة منخفضة وهو سائل شفاف عديم اللون.
وتكشف الدكتورة سهام عن استخدامات متنوعة لهذا الزيت سواء كقربان للآلهة أو بين الأحياء، فكان الزيت من بين القرابين المقدسة التي يتم تقديمها للإلهة ضمن ما يعرف بـ(قرابين الزيوت المقدسة)، حتى يمنح مقدمها الطهارة وتجديد حيوية الجسد.
وردت كلمة (زيت المورينجا) لأول مرة فى قائمة التقديمات الجنائزية بمقبرة "رع حتب" بميدوم بمحافظة بنى سويف جنوب مصر، والتي تعود للأسرة الثالثة والرابعة، كما ورد زيت المورينجا على لوحة من الأسرة الرابعة للملك كاموس.
وانتشرت تقديمات زيت المورينجا فى الدولة الحديثة خاصة فى التقديمات من شرق آسيا كهدايا للمعابد الملكية، وفي الواقع يبدو أن زيت المورينجا كان خاصا بالطبقة العليا وكان يجلب من بلاد كنعان (فلسطين) في العصور المبكرة.
وعثر على مجموعة من الأواني بالقصر الملكى للملك أمنحتب الثالث بالعمارنة، وكانت الأواني مخصص بعضھا لحفظ اللحوم والجعة والزيوت والعسل والدھون وكانت للاحتفالات الملكیة، ومن بین ١٩٦ إناء عثر عليها، كان ٢٢ منها تحتوى على زيت المورينجا الطازج، كذلك احتوى ١٦ إناء على بذور زيت المورينجا الطازج، ويحتمل أن تلك الشجرة كانت تنمو في ذلك الوقت بشمال طيبة (الأقصر حاليا).
هذا الاهتمام الخاص بالزيت في الأمور العقائدية والدينية كان له ما يبرره، لا سيما عندما تعلم أنه كان له العديد من الاستخدامات في الصيدلية الفرعونية، حيث يتم استخدامه في وصفات لتحسین الجلد وإزالة تجاعیدة، كما ورد في الوصفة 716 من بردية تعرف باسم (بردية إبيرس).
وأجريت دراسة حديثة بكلية الصيدلة جامعة القاهرة تم خلالها إضافة زيت المورينجا لبعض الكريمات المرطبة للبشرة، وأجري البحث على مجموعة من المتطوعين تحت اعمار من (٢٠-٣٥) سنة لمدة ١٢ أسبوعا، وتبين في نهاية البحث زيادة فى نضارة بشرة الذين استخدموا كريما يحتوي على مستخلص نبات المورينجا.
وإضافة إلى إزالة التجاعيد وإكساب نضارة للبشرة، كشفت الوصفة رقم 437 من بردية (إبيرس) استخدامه لعلاج صداع الرأس، فيما كشفت الوصفة 747 من نفس البردية استخدامه في علاج آلام الأسنان، ويعمل عند إضافته للتين المشوي على علاج آلام المعدة، وفقا للوصفة رقم ٢١٤ من البردية ذاتها.
كما يستخدم لوقف الدم من فتحة الجرح، حيث يتم إعداد ضمادة من شمع عسل النحل المضاف إليه زيت المورینجا وعسل نحل وحنظل وشعیر محمص، بعد تسخينها معا، وتوضع هذه الضمادة لمدة 4 أیام، وفقا للوصفة رقم ٥٢٦ من نفس البردية، ويستخدم أيضا وفقا للوصفة رقم ٨٤٦ من البردية كوسيلة لمنع لدغات الحشرات عن طريق دهان الجسم بالأنواع الطازجة منه.
وحملت الوصفة رقم 202 من بردية برلين استخدامه في علاج آلام الأذن، عن طريق وضع ضمادة على الأذن من زيت المورينجا مع الخيار ومادة تسمى (مغرة صفراء)، كما حملت الوصفة رقم 170 من نفس البردية استخداما آخر لزيت المورينجا غير الوارد في بردية (إبيرس) لعلاج آلام المعدة، عن طريق حقنه فى فتحة الشرج.